عام العري الإسرائيلي

06 أكتوبر 2024
فاتورة الحرب مكلفة أيضاً للاقتصاد الإسرائيلي، حيفا 22-9-2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تراجعت قيمة العملة الإسرائيلية بنسبة 5% وخسرت البورصة أكثر من 20 مليار دولار، مما أدى إلى هروب المستثمرين وتخفيض التصنيف الائتماني بسبب المخاطر الأمنية والجيوسياسية.

- كلفت الحرب على غزة إسرائيل نحو 66 مليار دولار، مع إنفاق حربي بلغ 25.9 مليار دولار وعجز في الميزانية بنسبة 8.3%، مما زاد من الاعتماد على القروض التي بلغت 53 مليار دولار.

- رغم الدعم الدولي، تعاني إسرائيل من خسائر لا يمكن تعويضها مثل هروب السياح والمستوطنين، مما يكشف عن هشاشة الدولة ويبرز التحديات الاستراتيجية في المنطقة.

لأن الأمور تُقاس بنتائجها، يصعب توقع شكل المنطقة أو التخمين لأي درك يمكن أن تهوي إسرائيل إليه بعد عام من حربها على غزة التي خالتها نزهة وقصيرة، وبواقع "أبواب جهنم" التي تصمم تل أبيب على فتحها، مستغلة ضعف الإدارة الأميركية و"تصهينها" آخذة من الشهر المتبقي للانتخابات الأميركية، فرصة سانحة ودعماً دولياً وصمتاً إقليمياً، غير مسبوقين، لتكشف عن جميع نياتها، التوسعية والاستعلائية، تجاه المنطقة برمتها... وإن على مراحل.

بيد أن مرور عام كامل على حرب غزة، يتيح، وإن بنتائج أولية، قراءة المشهد الإسرائيلي، من الجانب الاقتصادي على الأقل، آخذين باعتبارنا ومنذ البداية، أن التكاليف المالية والخسائر المباشرة، آخر اهتمامات إسرائيل ربما. فالمعونات والمساعدات الدولية، وحتى تدفقات "اللوبي اليهودي المالية" حول العالم، يمكن أن تسد هاتيك الخسائر، أو جلّها على الأقل، إلا أن خسائر اقتصادية تتعلق بالثقة وأمان رأس المال، لا يمكن للدول الداعمة أو الغطرسة، أن تزيحها عن دراسات جدوى أصحاب الرساميل. فالقصة ليست جبن رأس المال أو مجازفته، بقدر ما صارت قناعة، لدى العالم بأسره، أن "الكيان" لن يستقر وينعم سكانه وسياحه ومستثمريه بالطمأنينة، ما دام الفكر التوسعي وحلّ المشاكل عبر فوهات المدافع وصواريخ الطائرات، هي السياسة المعلنة والطريقة الوحيدة التي يجديها يمينيو إسرائيل ومتطرفوها.

قصارى القول: ثمة مؤشرات تدلل على أن تعافي إسرائيل من حربها على غزة، لن يكون غداً أو بعد غد، هذا إن أوقفت حربها على لبنان الآن وتراجعت عن قصف إيران وأبعدت كل ما يقال، من توسّع وخرائط جديدة وأحلام سيطرة على الشرق الأوسط برمته. 

لأن في هاتيك التهورات دلائل أخرى ومؤشرات جديدة، قد لا تكون العودة لطرح "لعنة العقد الثامن" دعابة، لأنه ولو سلمنا بالتفوّق العسكري والتكنولوجي والدعم الدولي، ثمة حقائق، على الأرجح تغيب عن أذهان المتغطرسين الذين استمرأوا الحروب التي يمولها الحلفاء، فيهدمون ويتوسعون، ليعيد الداعمون والمانحون الإعمار، وتلملم المؤسسات الدولية، خروقات القانون وهفوات الجغرافيا. ولعلّ بعدد سكان إسرائيل المحدود واتساع الجغرافيا التي تسعى إليها، سيطرة أو حرباً، وحدهما كفيلان بضياع الكيان وإضعافه، كما كان الحل الأمثل والحماية التاريخية لدولة الاحتلال، بضرب جدران حول الكيان المتفق عليه دولياً. 

كما مما يغيب عن خطط وتفكير صناع سياسة الدمار بإسرائيل، وبمقدمتهم بنيامين نتنياهو، أن قرار بدء الحروب أمر ممكن ومعروف، بيد أن نهايتها، خصوصاً بواقع تعدد الجبهات، أمر غيبيّ، وقد تتبدل مستويات الحرب، بفعل الديمومة، ويطرأ ما يفوق قوى المعدات والتقنية والاستخبارات، وربما من الحاضر، بحرب روسيا على أوكرانيا مثال، استنزف ولم يزل روسيا. ومن الماضي حرب فيتنام التي تحوّلت إلى كابوس أميركي. لأن المعارك، لم تعد حرباً برية مدمرة يعلن بعدها طرف الانتصار والطرف الآخر الهزيمة والانصياع. وربما باستمرار المقاومة في غزة، لعام ومن دون أن تحقق إسرائيل أهدافها المعلنة "القضاء على حماس واستعادة الأسرى" مثال متجدد وحقيقة لا بد أن تعيها الدول الساعية باستقواء العسكرة، للسيطرة والاحتلال. 

مخاطر تواجه اقتصاد إسرائيل رغم الدعم اللامحدود

وبالعودة إلى الأرقام التي، كما أسفلنا، لا يعوّل عليها، بواقع الدعم والقروض والمساعدات اللامحدودة، إلا أنها تبقى مؤشرات يركن إليها ومنطلقات لما بعدها، من استثمارات وأموال وحتى سياحة، يمكن أن تتوجه إلى إسرائيل. في الغالب، يُركَن إلى سعر الصرف والبورصة، لاعتبارهما ترمومتر أي اقتصاد، ومنهما يمكن استشفاف الآثار، من دون تجميل ومواربة، وقيمة العملة الإسرائيلية تراجعت بنسبة 5% خلال الحرب على غزة، ورغم أن التراجع ليس بالكبير، إلا أن السر بعدم تهاوي الشيكل، يكمن بضخ أكثر من 30 مليار دولار بالسوق، ليتوازن العرض والطلب، ما أثر، في الوقت نفسه باحتياطي إسرائيل من القطع الأجنبي.

وثاني أركان الترمومتر، البورصة في إسرائيل، التي خسرت أكثر من 20 مليار دولار، بنسب تراوح بين 9% و20%، وإن رآها المراقب نسبةً قليلة، فثمة أيضاً ما وراء أكمتها، وهو هروب المستثمرين الأجانب من قطاع البنوك والشركات المساهمة الكبرى، ولذلك دوره العميق والبعيد بالاقتصاد الإسرائيلي.

وأما إن بقينا بقطاعات دالة وتؤشر على ما بعدها، فلا بد من التطرق إلى تخفيض الوكالات الدولية الكبرى، التصنيف الائتماني لإسرائيل وإبقاء نظرتها المستقبلية السلبية، نظراً للمخاطر الأمنية والجيوسياسية. ولذلك أيضاً قراءته الخاصة وآثاره البعيدة. فالنظر إلى تراجع التصنيف الائتماني لا يُقاس فقط من خلال تراجع معدلات أداء النمو الاقتصادي ووجود عجز مالي في الأجلين القصير والمتوسط وزيادة الإنفاق الحربي، بل والأهم ربما، يؤخذ التصنيف كأحد محددات الثقة والأمان، سواء للمستثمر أو المقترض، فتشكيك وكالات التصنيف بقدرة الاقتصاد الإسرائيلي على السداد سيقلل عدد المقرضين ويرفع من تكاليف الإقراض.

وقبل أن نخرج عن الخسائر والتداعيات الاقتصادية، لا بد من التطرق إلى أن فاتورة الحرب على غزة، بعد عام من التدمير والقتل والتهجير، بلغت نحو 66 مليار دولار، أي ما نسبته 12% من الناتج المحلي لإسرائيل، وبلغ الإنفاق الحربي 25.9 مليار دولار وعجز الميزانية 8.3%، ما أدى إلى زيادة الاعتماد على القروض لتمويل هذا العجز، لتبلغ قروض إسرائيل خلال عام الحرب قرابة 53 مليار دولار.

نهاية القول: قلنا وأعدنا وسنكرر، ربما من السذاجة إبقاء النظر إلى خسائر الاحتلال الإسرائيلي بعد عام من حربه على غزة، على المال فقط، لأن العالم، ربما بأسره، يدعم ويقرض ويساند الاحتلال، ولعل بذريعة "الدفاع عن النفس" جواز سفر تدخل خلاله اليد الإسرائيلية خزائن ومصارف الدول الغنية، للاستدانة والدعم والتمويل.

لكن ثمة خسائر، لا تعوّض بالمال ومدّ السلاح وأدوات القتل والترهيب، منها ما هو مرحلي تكتيكي، كهروب السياح والمستوطنين الذين وُعدوا بأرض الميعاد، بل والاستثمارات، وصولاً إلى فقدان الثقة، ومنها الاستراتيجي المتعلق بانكشاف دولة الاحتلال، بعد عقود من ادعاء السلام والتعايش بأمان في المنطقة، والأهم، عودة القناعة المطلقة، لشعوب المنطقة، أن لغة الاستقواء، هي الوحيدة التي يجيدها الكيان وما طروحات السلام والتعايش، سوى مبررات هيمنة واعتراف بالتفوّق، بحروب تجري بالغرف المغلقة. الأمر الذي يعيد الصراع لوجود لا لحدود.

وليستويَ القول ختاماً، ربما الاعتراف بالضعف والتخاذل العربي والصمت الدولي، فضيلة، كما بالخلط المتفشي بمشرقنا التعيس، حتى بين الأصدقاء والأعداء، لعنة تزيد مآسي الشعوب وخيباتها، وإن زادت من عري الأنظمة والأعداء.

المساهمون