ضريبة مبيعات النقد الأجنبي "توحّد" ليبيا

02 يوليو 2024
مبنى البنك المركزي الليبي في طرابلس، 19 يناير 2009 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في ليبيا، طالب رئيس المجلس الرئاسي، رئيس حكومة الوحدة، ورئيس المجلس الأعلى للدولة المصرف المركزي بتنفيذ أحكام القضاء لإلغاء ضريبة مبيعات النقد الأجنبي، مؤكدين على دعم اللجنة المالية العليا لضمان الشفافية في المصروفات الحكومية.
- رغم الأحكام القضائية بوقف زيادة الضريبة، مجلس النواب والبنك المركزي لم يتجاوبا، مما أثار رفضاً واسعاً بسبب التداعيات المعيشية والاقتصادية، فيما يعكس التحديات المالية والاقتصادية التي تواجه البلاد.
- الأزمة تعكس تعقيدات الصراع السياسي والاقتصادي في ليبيا، حيث تشمل أسباب زيادة الضريبة الصراع السياسي والانقسام الحكومي، مع محاولات لتحشيد الرأي العام وتضييق الخيارات أمام الأطراف الأخرى في سياق يشهد تدخلات دولية وتحديات اقتصادية متزايدة.

برزت في ليبيا، يوم الأحد، مطالبة رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة المصرف المركزي بضرورة تنفيذ أحكام القضاء الصادرة بشأن إلغاء ضريبة مبيعات النقد الأجنبي، حيث اتفق القادة الثلاثة، خلال اجتماع في طرابلس، على ضرورة دعم اللجنة المالية العليا، المشكلة في يوليو الماضي من ممثلي الأطراف الليبية، لتنظيم الإنفاق الحكومي، وإجراء التعديلات اللازمة عليها لضمان أداء مهامها، وتوجيهها لزيادة الإفصاح والشفافية عن كافة المصروفات الحكومية.

وكانت عدة محاكم ليبية، من بينها محكمة جنوب طرابلس والزاوية ومصراتة وبنغازي، أصدرت أحكاماً بوقف تنفيذ قرار مجلس النواب زيادة الضريبة على مبيعات النقد الأجنبي لكن مجلس النواب والبنك المركزي لم يتجاوبا مع أحكام القضاء. ولقي القرار رفضاً واسعاً في الأوساط الليبية على خلفية تداعياته، وأولها زيادة الأعباء المعيشية على المواطن بسبب ارتفاع الأسعار، وشكوكاً أيضاً حول الأسباب الحقيقية وراء إصداره، حيث بادر مصرف ليبيا المركزي إلى سرعة تنفيذ القرار بتعميمه على المصارف التجارية التي بدأت في تنفيذه على الفور.

وكان محافظ البنك المركزي الصديق الكبير قد علل مقترحه الذي قدمه الى مجلس النواب بالظروف التي يمر بها البنك المركزي في صعوبة توفير احتياجات السوق من مبيعات النقد الأجنبي في ظل تزايد حجم الانفاق العام وبلوغه مستوى 165 مليار دينار خلال العام 2023، مع وجود "إنفاق موازٍ مجهول المصدر وعدم وضوح حجم الإنفاق العام لسنة 2024"، معتبراً أن ذلك "ولَّد مزيداً من الضغط على زيادة الطلب على مبيعات النقد الأجنبي وعدم توفر الإيرادات الكافية لمواجهة هذا الطلب خلال عام 2024، خصوصاً في ظل بلوغ عرض النقود مستوى 140 مليار دينار ووجود أرصدة أخرى بمصرف ليبيا المركزي للمؤسسة الوطنية للنفط بقيمة 10 مليارات دينار وأخرى مخصصة لمشروعات التنمية بقيمة 10 مليارات دينار سيجري تنفيذها خلال عام 2024"، بحسب نص المقترح الذي نشرته وكالة الأنباء الليبية.

وفي حين قارن الكبير بين حجم الإيراد النفطي، وهو الإيراد الأساسي لخزينة الدولة، وبين مستويات الإنفاق والعجز المتزايدة، لتأكيد مشروعية مقترحه، يقول الأكاديمي وأستاذ التمويل والاستثمار محسن بن عمران، لـ"العربي الجديد"، إنها "تبريرات مقبولة بالرجوع إلى لغة الأرقام التي تحدث بها المحافظ وبالنظر الى واقع الاقتصاد الليبي"، لكنه في ذات الوقت يرجح وجود أسباب أخرى على علاقة بالصراع القائم في البلاد. ويشير إلى أن المحافظ اقترح، لحل الإشكالية المتعلقة بالإنفاق وحجم الموارد، ثلاثة أمور وهي: إقرار موازنة موحدة في البلاد، ومعالجة الانفاق الموازي مجهول المصدر، وتوحيد الحكومة لتوحيد الإنفاق، "وكلها تصب في خانة الصراع السياسي والانقسام الحكومي".

ويلفت بن عمران إلى أن تجاوب مجلس النواب بشكل سريع مع مقترح المحافظ والسكوت الذي يخيم على حكومة مجلس النواب إزاء القرار، مقابل رفض معلن من جانب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وهو أحد الطاعنين في القرار أمام القضاء، يؤكدان وجود ظل الصراع السياسي وراء القرار. كما يرى بن عمران أن الدعوة الثلاثية التي صدرت من الدبيبة وتكالة والمنفي بخصوص ضريبة مبيعات النقد الأجنبي "تنطلق من هنا، فالدبيبة وتكالة في اصطفاف واحد ضد مجلس النواب ومحافظ البنك، أما المنفي فيدل انضمامه إلى هذه المطالبة على أنه يسعى لاستعادة دوره المفقود في اللجنة العليا للترتيبات المالية التي تشكلت العام الماضي برئاسته قبل أن تفشل".

وقبل أسبوع تقريباً، التقى المنفي الدبيبة وتكالة لمناقشة مسألة الإنفاق الحكومي، قبل أن يكتب تدوينة على حسابه على منصة إكس مؤكداً أنه سيطرح "أفكاراً جديدة لعام 2024" لتشكيل إدارة وطنية مشتركة للموارد المالية والطبيعية، معتبراً أن "فشل المشاريع البديلة للجنة المالية العليا انعكس سلباً على الدولة وأداء مؤسساتها وهيبتها".

وفيما لم يفصح المنفي عن أفكاره حتى الآن، يرى بن عمران أن انخراطه في موقف الدبيبة وتكالة يعني "تضييق الخيارات أمام الطرف الآخر الذي يمثله عقيلة صالح ومحافظ البنك المركزي، وإن كان الموقف الثلاثي لا يظهر أكثر مطالبة للتقيد بأحكام القضاء إلا أنه يذكر بها، وهو أمر مهم لتحشيد الرأي العام حول هذه الثلاثية، فالشارع يعاني بشدة منذ شهرين من ارتفاع جنوني في الأسعار، خاصة مع إخفاء محافظ البنك الإنفاق الموازي الغامض الذي لا يعني شيئاً سوى إنفاق حكومة مجلس النواب ومشاريع حفتر في شرق البلاد".

ويعتبر بن عمران أن "الدائرة بدأت تتسع في قضايا الاقتصاد"، فلم يعد الصراع محليا فقط، بحسب رأيه، بل تقف وراءه أطراف دولية كبيرة، منها واشنطن التي لم يخف مبعوثها الخاصة ريتشارد نورلاند لقائه بمحافظ البنك لمناقشة قيمة الدينار الليبي قبل إرسال المحافظ مقترحه إلى مجلس النواب بيومين فقط، موضحاً: "أعتقد أن الأمر مرتبط بالعملة الليبية المزورة التي انتشرت في شرق البلاد وربما تقف وراء طباعتها موسكو، لكن الأمر سيكون أخطر مع بدء الدندنة حول ملف النفط وإمكانية أن يدخل باحة الصراع، فواشنطن يبدو أنها تستشعر استغلال موسكو النفط الليبي والاستفادة من موارده ببيع الأسلحة والعتاد العسكري لحفتر، وهو ما لن تسمح به وستشمله بشكل مؤكد بإجراءاتها، كما شملت مبيعات النقد الأجنبي بالضغط من أجل فرض ضريبة إضافية عليه لتتمكن سلطات شرق ليبيا من الاستفادة من فوارقه لتمويل مشاريعها بدلاً من اللجوء إلى شراء كميات كبيرة من الدولار بالعملات الليبية المزورة".

ويعبر بن عمران عن يقينه بأن أحكام القضاء لن تجد طريقها إلى إدارة البنك المركزي لتنفيذها، كما يؤكد أن دعوة الدبيبة وتكالة والمنفي البنك المركزي لتنفيذ أحكام القضاء "ما هي إلا وجه واضح لبدء انخراط السلطة النقدية في ساحة الصراع السياسي".

المساهمون