استمع إلى الملخص
- تكلفة الحرب على إسرائيل تقدر بمليارات الدولارات، مما يزيد العجز المالي ويؤثر سلباً على الاقتصاد، مع خفض وكالة موديز لتصنيفها الائتماني.
- المعارضة تنتقد سوء الإدارة الاقتصادية، بينما يحاول وزير المالية طمأنة الجمهور، وسط تحويل المؤسسات المالية أموالاً كبيرة إلى الخارج.
تحمل الضربات الإسرائيلية الواسعة لحزب الله اللبناني وقياداته مكاسب اقتصادية لدولة الاحتلال، إذ تشير تقارير متخصصة إلى إضعاف القدرات الصاروخية للحزب، التي كان بإمكانها ضرب مفاصل حيوية للاقتصاد الإسرائيلي، منها منشآت الغاز والموانئ الواقعة شرق البحر المتوسط، ما يقوّض فرص فرض حصار بحري على إسرائيل من الشمال، ورغم ذلك ثمة خسائر ليست بالهينة تنتظر إسرائيل، لا سيما ارتفاع فاتورة القتال وخطورة تطاير شظاياه ليشعل حرباً إقليمية تستنزف مالية إسرائيل لسنوات وتضعف اقتصادها المنهك بالأساس من تداعيات الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ عام.
وذكر تقرير لصحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية، أنه خلال الساعات التي كانت فيها الضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب الله اللبناني تحاول معرفة ما حدث وسط الدمار الهائل الذي خلفته الغارة الجوية الإسرائيلية، التي استهدفت مقر القيادة المركزي للحزب، يوم الجمعة الماضي، والتي أسفرت عن اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله وقيادات آخرين، كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تشنّ غارات مكثفة لتدمير منصات صواريخ بإمكانها ضرب أهداف بحرية ومنشآت اقتصادية حيوية في إسرائيل.
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن هذه الصواريخ راكمها حزب الله على مدار سنوات، وخطط لاستخدامها لخنق التجارة البحرية الإسرائيلية، والإضرار بمنصات الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، وتهديد حركة السفن التجارية الداخلة والخارجة من موانئ حيفا وأشدود، ومحاولة تعطيل نشاط البوارج الإسرائيلية.
ولفتت إلى أن حزب الله أثبت من قبل بالفعل قدراته في إطلاق مثل هذه الصواريخ خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف عام 2006، عندما أطلق صاروخاً صينياً من طراز C-802 زوّدته به إيران، واستهدف بارجة حربية إسرائيلية كانت تبحر على بعد حوالي 15 كيلومتراً من السواحل اللبنانية كانت تشارك في العدوان، فأصابها إصابة بالغة وتسبب في مقتل أربعة جنود. وكان نصر الله هو الذي بثّ على الهواء مباشرة خلال خطاب له خبر وصور إعطاب البارجة على الهواء في مشهد غير مسبوق حينذاك.
ولم تكن فقط البوارج البحرية الإسرائيلية التي تخشى صواريخ الحزب التي تعززت منذ ذلك المساء، وإنما أيضاً ثروات البحر مع اكتشاف مكامن الغاز الطبيعي في مياه فلسطين المحتلة خلال السنوات الماضية.
وبخلاف صواريخ C-802 الصينية التي يبلغ مداها حوالي 120 كيلومتراً التي قالت الصحيفة الإسرائيلية إن إيران زودت حزب الله بها، جرى تزويد الحزب بصواريخ مضادة للسفن من أنواع أخرى، منها C-704 التي يصل مداها إلى 40 كيلومتراً وصواريخ "نور" الإيرانية التي بإمكانها مهاجمة أهداف على مسافة 180 كيلومتراً وغيرها يصل مداها إلى 200 كيلومتر، لديها القدرة على تهديد التجارة البحرية الإسرائيلية، بما في ذلك ميناءا حيفا وميناءا أشدود والقواعد البحرية في هذه المدن والمزيد.
مخزون حزب الله من الصواريخ
وبحسب "كالكاليست"، فإن مخزون حزب الله يشمل أيضاً صواريخ ساحلية روسية الصنع من نوع "ياخونت"، قادرة على ضرب أهداف على مسافة حوالي 300 كيلومتر، وتحمل رأساً تفجيرية هائلة يبلغ وزنها حوالي 300 كيلوغرام، وتعد أسرع بنحو الضعف مقارنة بالصواريخ الإيرانية والصينية.
وذكر تقييم أعده مركز "ألما" الإسرائيلي للدراسات، أنّ التقديرات تشير إلى ترسانة الصواريخ البحرية لدى حزب الله تصل إلى عشرات الصواريخ من جميع الأنواع.
وليس من الواضح كم عدد تلك الصواريخ التي جرى تدميرها في العدوان الإسرائيلي المكثف على جنوب لبنان يومي الجمعة والسبت الماضيين، بينما يتحدث الجيش الإسرائيلي عن ضربات بإمكانها شل قدرات حزب الله.
ووفق الصحيفة الإسرائيلية، فإن حزب الله كان يستهدف نقاط ضعف إسرائيل، وعلى وجه الخصوص منصات الغاز الطبيعي، التي يمكن أن يتسبب ضربها في إدخال الاقتصاد الإسرائيلي في أزمة طاقة كبيرة. كما يمكن لها فرض حصار بحري فعلي على إسرائيل، إذ إن 99% من إجمالي تجارة الواردات والصادرات الإسرائيلية تجري عن طريق البحر، ويكفي النظر إلى تهديدات الحوثيين في اليمن وحركة السفن في مضيق باب المندب التي شلت مرورها إلى البحر الأحمر بشكل كامل وأجبرت شركات الشحن العالمية على التحرك في طرق إبحار طويلة من الشرق، أثناء تجاوز قارة أفريقيا، لفهم التأثير المدمر الهائل للتهديد الذي تتعرض له حرية الإبحار. وفضلاً عن أن هذه الصواريخ يمكن أن تهدد الموانئ البحرية في إسرائيل، فإنها تهدد أيضاً سلسلة من محطات الطاقة في عسقلان والخضيرة وأشدود، التي تعمل على شواطئ تلك المدن.
وبينما تشير التقارير الإسرائيلية إلى تقويض الضربات القدرات الصاروخية كثيراً لحزب الله، لا يزال الحزب يستهدف مواقع في قلب دولة الاحتلال، وطاولت صواريخه تل أبيب خلال الأيام الماضية، فضلاً عن حيفا وغيرها من المناطق التي تضم منشآت حيوية اقتصادية لإسرائيل.
وفي حين تتحدث الصحيفة الإسرائيلية عن مكاسب للاقتصاد من ضرب قدرات حزب الله، تؤكد تقارير اقتصادية أنّ اغتيال الأمين العام لحزب الله قد يشعل حرباً شاملة في المنطقة يطول أمدها، ما يستنزف مالية إسرائيل لسنوات، ويضعف اقتصادها المنهك بالأساس من تداعيات الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ عام.
ارتفاع فاتورة الإنفاق على الحرب
حتى قبل ثلاثة أشهر، قدّر جيش الاحتلال الإسرائيلي تكلفة الحرب بـ 129 مليار شيكل (حوالي 35 مليار دولار)، لكن جرى تحديث هذه التكلفة في الأيام الأخيرة. والآن تقديرات الجيش أن تكلفة الحرب ستصل إلى ما بين 140 و150 مليار شيكل (37.9 و40.6 مليار دولار)، علماً أنها لا تشمل شنّ عملية برية في لبنان، أو مواجهة مباشرة مع إيران، وفق تقرير منفصل لصحيفة "كالكاليست" التي أشارت إلى أن هذه التقديرات جرى تقديمها قبل يوم واحد فقط من اغتيال الأمين العام لحزب الله، لذلك في حالة حدوث المزيد من التدهور الأمني، فمن المتوقع أن تكون الأرقام أعلى. ومن المتوقع أن تؤثر الفجوة المتزايدة بين التقديرات والواقع الفعلي بشكل مباشر في ميزانية إسرائيل لعام 2025، وتلقي بظلال من الشك على قدرة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش على الحفاظ على عجز بنسبة 4% وفق المعلن.
وبحسب تقديرات جيش الاحتلال، فإن 37 مليار شيكل من إجمالي الإنفاق العسكري منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ذهبت إلى جنود الاحتياط، و29 ملياراً على الذخيرة، و19 مليار شيكل للطائرات والسفن وقطع الغيار والصيانة، و13 ملياراً للخدمات اللوجستية، و8 مليارات شيكل لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأنظمة الاستخبارات، و6 مليار شيكل للبناء والجبهة الداخلية وقضايا أخرى، و4 مليارات شيكل للعلاج وإعادة التأهيل والعائلات.
ومن أصل 129 مليار شيكل أُنفقت، جرى بالفعل إدراج 17 مليار شيكل ضمن موازنة 2023، وحوالي 80 مليار شيكل ضمن موازنة 2024، فيما تعتزم حكومة الاحتلال إحالة الباقي إلى موازنة العام المقبل 2025، وسط توقعات باتساع العجز المالي ليخرج عن السيطرة، وهو ما دفع وكالة موديز للتصنيف الائتماني إلى خفض تصنيف إسرائيل مجدداً، يوم الجمعة الماضي، من "A2" إلى "Baa1"، وأبقت على توقعاتها للتصنيف عند "سلبي"، وسط تفاقم الصراع في المنطقة.
ولم يمر قرار "موديز" خفض تصنيف إسرائيل درجتين دفعة واحدة، مرور الكرام، سواء لدى المسؤولين الاقتصاديين، أو وسائل الإعلام المتخصصة بالشأن الاقتصادي. وذكرت "موديز" في تقريرها أن المحرك الرئيسي لخفض التصنيف هو أنّ "المخاطر الجيوسياسية قد تزايدت بشكل كبير، إلى مستويات عالية للغاية، مع عواقب سلبية مادية على الجدارة الائتمانية لإسرائيل في الأمدين القريب والبعيد".
إسرائيل تغرق في "الوحل الاقتصادي"
ووصفت صحيفة "غلوبس"، المختصة بالاقتصاد الإسرائيلي، قرار "موديز" بأنه "قاس" على البلاد، وسيؤثر في جاذبيتها قبلة للاستثمارات. وتوقعت "موديز" نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 0.5% هذا العام و1.5% فقط العام المقبل بدلاً من 4% متوقعة سابقاً. وبهذه الخطوة، تستكمل "موديز" خفض تصنيف إسرائيل بثلاث درجات خلال أشهر، بعد أن أعلنت في فبراير/شباط الماضي عن أول خفض على الإطلاق في تاريخ إسرائيل.
في المقابل، اعتبر وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، أن الاقتصاد الإسرائيلي "قوي"، حتى بعد أن خفّضت وكالة موديز، التصنيف السيادي للبلاد بمقدار درجتين. وقال سموتريتش، في بيان، السبت الماضي: "اقتصاد إسرائيل يتحمل عبئاً أطول وأغلى حرب في تاريخ البلاد.. إن الاقتصاد قوي ويجذب الاستثمارات حتى اليوم". بينما قال زعيم المعارضة الإسرائيلية، يئير لابيد، في تصريحات صحافية، أمس الأحد، إن خفض تصنيف إسرائيل، يعتبر مؤشراً على "الوحل الاقتصادي" الذي تغرق فيه الحكومة، جراء "سوء الإدارة" من قبل القائمين عليها.
ويواصل عجز الموازنة الصعود منذ إبريل/نيسان الماضي، عندما بدأ يرتفع إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي، ليزيد إلى 7.6% في يونيو/حزيران، و8.1% في يوليو/تموز، ثم إلى 8.3% في أغسطس/آب، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة المالية.
كذلك أظهرت بيانات مالية أوردتها صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الجاري، أن المؤسسات المالية العاملة في إسرائيل حولت إلى الخارج أموالاً تصل إلى نحو 151 مليار شيكل (40.4 مليار دولار) منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول 2023.