صندوق النقد يزور مصر مجدداً

13 يوليو 2022
سوق خضر في القاهرة ومصر تتجه لمزيد من الغلاء مع شروط صندوق النقد (getty)
+ الخط -

أعلن صندوق النقد الدولي قبل نهاية الأسبوع الماضي أن فريقه الذي زار القاهرة مؤخراً غادرها يوم الخميس الماضي، بعد أن أجرى محادثات "مثمرة" مع فريق من المسؤولين المصريين بشأن السياسات والإصلاحات الاقتصادية التي سيتم دعمها من خلال تسهيل قرض جديد من الصندوق. وتأتي كلمة "مثمرة" تحديداً لتلقي بعض الضوء على تطور المفاوضات بين الجانبين، بعد ورود أنباء عن تعثرها خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، حيث تظهر اقتراب مصر من الموافقة على شروط الصندوق الجديدة.

ولن تخلو شروط الصندوق هذه المرة من بعض الشروط السابقة، التي تم الاتفاق عليها عند الحصول على قرض الاثني عشر مليار دولار قبل أكثر من خمس سنوات، بالإضافة إلى شروط جديدة، لا نعرف منها حتى الآن إلا شرطاً واحداً.
فمن الشروط القديمة المتجددة، سيطلب الصندوق من مصر الحفاظ على معدلات الفائدة المرتفعة الحالية لبعض الوقت، بغض النظر عن تأثيرها على عجز الموازنة المصرية، وارتفاع الجزء الموجه منها لسداد الفائدة على الديون المصرية، التي استحوذت على ما يقرب من 690 مليار جنيه في موازنة العام المالي 2022/ 2023 التي بدأ العمل بها قبل أسبوعين. ويمثل مبلغ الفائدة حالياً أكثر من 45% من إجمالي إيرادات الحكومة المصرية. ومن الشروط القديمة المتجددة سيطلب الصندوق على الأغلب (مرة أخرى) تقليص الإنفاق الحكومي، وهو ما سيأتي بالتأكيد على حساب الإنفاق على التعليم والبحث العلمي والصحة، رغم وجود استحقاقات دستورية تفرض نسباً محددة من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق على تلك البنود، حيث تعتبر أغلب أوجه الإنفاق الأخرى داخل الموازنة المصرية إجبارية، مثل خدمة الدين ورواتب العاملين في الدولة والإنفاق الاجتماعي.
وبينما ينص الدستور المصري على توجيه 6% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق على التعليم المدرسي والجامعي، و3% على الصحة، و1% للبحث العلمي، أشارت تقارير من أكثر من جهة إلى عدم التزام الحكومة المصرية بتلك الاستحقاقات على مدار السنوات الثلاث الأخيرة على أقل تقدير.
وفي مواجهة التساؤلات المتعلقة بتلك النقطة، تدفع وزارة المالية بأن جزءاً مما يتم سداده من فوائد مستحقة على الديون المصرية يدخل ضمن المبالغ الموجهة للتعليم أو للصحة، كونها تستحق عن مبالغ تم اقتراضها للإنفاق على تلك البنود، وهو ما يتعارض مع الغرض الأساسي من تحديد النسب المقررة لهذا النوع من الإنفاق في الدستور المصري.

وأخيراً سيكون من الشروط القديمة المتجددة دفع الحكومة المصرية لتسريع برنامج الخصخصة، من خلال بيع حصتها في بعض الشركات والبنوك المصرية، على غرار ما حدث في شهر مارس/ آذار الماضي، حين أعلن صندوق أبوظبي للثروة شراء حصة الحكومة المصرية في بعض الشركات، في أعقاب سماح البنك المركزي المصري بتخفيض قيمة الجنيه مقابل الدولار بأكثر من 15%. وجاء على رأس تلك الشركات البنك التجاري الدولي، أكبر بنك خاص في مصر، ويستحوذ وحده على أكثر من 34% من قيمة مؤشر البورصة المصرية، بالإضافة إلى شركات فوري وأبو قير للأسمدة وموبكو وإسكندرية للحاويات.
أما الشرط الجديد الذي ظهر في العديد من التقارير التي تحدثت عن مفاوضات الصندوق مع الحكومة المصرية فيكمن في رفض الصندوق – هذه المرة – دعم البنك المركزي للعملة المصرية على خلاف ما يفرضه وجود عجز في الحساب الجاري المصري من تراجع في سعر الجنيه.
ويتأثر سعر العملة المصرية، كما أي عملة أخرى، أو أي سلعة أخرى، بالمعروض والمطلوب منها، وهو ما كان يفرض ضعف العملة المصرية خلال السنوات الأربع الأخيرة، إلا أن البنك المركزي فضل دعم الجنيه خلال تلك السنوات للحفاظ على استمرار تدفق الأموال الساخنة للسوق المصرية، وهو ما تسبب في الأزمة الحالية عندما قررت تلك الأموال الخروج من السوق المصرية، لأسباب متعددة، بدءاً من الربع الأخير من العام الماضي.
ويطلب الصندوق الآن وضع معادلة يمكن من خلالها ترجمة عجز الحساب الجاري إلى سعر للدولار مقابل الجنيه المصري، من خلال نظام سعر صرف يطلق عليه "التعويم المدار Managed Float"، على أن تتم مراجعة تلك المعادلة على فترات زمنية متقاربة، حتى لا يبقى سعر العملة المصرية بعيداً عن قيمتها الحقيقية كما يعكسها الحساب الجاري للبلاد، وكما حدث خلال السنوات الأربع الأخيرة.
تحدث مسؤولو الصندوق عن اكتمال تحقيق الأهداف التي اقترضت مصر من أجلها في عامي 2016 و2020، ولا أعرف حقيقة عن أهداف من يتحدثون. فكلام الصندوق ربما يكون عن أهدافه هو من منح مصر القرض، ويكون في ذلك محقاً، حيث قام باستثمار ما لديه من فوائض، وأكمل الدعاية لأنشطته الهادفة لإخراج الاقتصادات المتعثرة من الظلمات إلى النور. أما لو كان يتحدث عن أهداف مصر من الحصول على القرض، فسيكون كلامه أبعد ما يكون عن الحقيقة.
وبعد أكثر من خمس سنوات من حصول مصر على قرض الاثني عشر ملياراً من الصندوق، فقدت العملة المصرية أكثر من ستين بالمائة من قيمتها، متبوعة بعشرين بالمائة أخرى خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة وحدها، وزادت الديون الخارجية بأكثر من خمسة وسبعين مليار دولار، ولم تقابلها إلا زيادة عشرة مليارات فقط في احتياطي النقد الأجنبي، ووصل عجز الموازنة إلى أكثر من 1.5 تريليون جنيه، تمثل تقريباً كامل إيرادات الحكومة المصرية، ونحو خمسين بالمائة من إجمالي الاستخدامات، بينما استقر معدل التضخم خلال الأشهر الأخيرة فوق 13%، وبقي مؤشر مشتريات المديرين للشهر التاسع عشر على التوالي تحت مستوى 50، في دلالة واضحة على تباطؤ الاقتصاد وتراجع دور القطاع الخاص.

نجح صندوق النقد الدولي في تحقيق أهدافه، وفشلت مصر في استخدام قروض الصندوق في حل مشكلات اقتصادها الهيكلية التي ما زالت تتفاقم، وكأن لسان حالها ينقل ما قاله الطبيب القائل "نجحت العملية، ولكن المريض فارق الحياة".