المستثمرون يلتقطون الأنفاس وسط استبعاد شبح ركود الاقتصاد الأميركي

13 اغسطس 2024
متداولون في سوق وول ستريت / 6 أغسطس 2024 (مايكل أم سانتياغو/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **استقرار الأسواق المالية العالمية**: شهدت الأسواق الأوروبية ارتفاعاً ملحوظاً بعد تقلبات حادة، حيث ارتفع مؤشر فوتسي 100 بنسبة 0.47% ومؤشر ستوكس 600 بنسبة 0.3%. في المقابل، تراجعت الأسهم الصينية رغم جهود البنك المركزي الصيني.

- **تركيز المستثمرين على بيانات التضخم**: يترقب المستثمرون بيانات التضخم في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مع توقعات بارتفاع أسعار المنتجين في الولايات المتحدة بنسبة 0.2% في يوليو. بعض المحللين يرون أن مخاوف الركود الاقتصادي مبالغ فيها.

- **تجارة الفائدة وتأثيرها على الأسواق**: رفع الفائدة في اليابان أدى إلى ارتفاع الين مقابل الدولار، مما أثر على هوامش الربح للمضاربين. تشير الدراسات إلى أهمية فهم ديناميكيات سعر الصرف وظروف السوق العالمية.

يبدو أن عاصفة الأسواق المالية قد انتهت إلى حد ما بعد عمليات البيع المكثفة التي شهدتها الأسواق الأميركية واليابانية والأوروبية الأسبوع الماضي، إذ فتحت أسواق المال الأوروبية على ارتفاع أمس الاثنين في إشارة إلى أن المستثمرين عادوا للتداول وفق أساسيات الاقتصاد وليس طبقاً للعوامل النفسية. ووفق بيانات بورصة لندن، ارتفع مؤشر فوتسي 100 على ارتفاع بنسبة 0.47%، وفتح مؤشر ستوكس 600 الأوروبي مرتفعاً بنسبة 0.3%

لكن، في المقابل، تراجعت الأسهم الصينية في نهاية تعاملات أولى جلسات الأسبوع، رغم هدوء الطلب على السندات السيادية المحلية في ظل جهود البنك المركزي الصيني لاحتواء الإقبال عليها، وبعد سحب المستثمرين كماً قياسياً من رؤوس الأموال من أسواق بكين في الربع الثاني. وكان بنك الشعب (البنك المركزي الصيني) قد حذّر في وقت سابق من مخاطر حدوث فقاعة في سوق الديون السيادية جراء الإقبال الكثيف عليها من قبل المستثمرين في الآونة الأخيرة، بخاصة في ظل تقلبات الأسواق العالمية، والأزمة الممتدة بالقطاع العقاري في الصين.

وتعرضت أسواق المال الأميركية لتقلبات حادة خلال الأسبوع الماضي، حققت خلالها أسوأ أداء يومي منذ قرابة عامين، لينهي مؤشر S&P 500 تعاملات الأسبوع من دون تغيير يذكر ويمحو قرابة جميع الخسائر التي تكبدها.

ويلاحظ أن تركيز المستثمرين في أسواق المال العالمية هذه الأيام عاد إلى بيانات التضخم في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث يترقب هؤلاء صدور بيانات تضخم أسعار المنتجين في الولايات المتحدة اليوم الثلاثاء وغداً الاربعاء، وتشير التوقعات إلى ارتفاع المعدل 0.2% على أساس شهري في يوليو/تموز بعد زيادته 0.4% في قراءة يونيو/حزيران. وذلك قبل يوم من صدور قراءة تضخم أسعار المستهلكين، والمتوقع استقراره عند نمو سنوي بنسبة 3% في قراءة يوليو. وقال رئيس قسم الاقتصاد العالمي في مؤسسة تيستي لايف، إيليا سبيفاك، لوكالة رويترز، إنه لا يعتقد بأنّ المستثمرين سيرغبون في الدخول بصفقات كبيرة قبل صدور البيانات.

وقال محلل استراتيجيات الأسواق لدى شركة "آي جي" ييب جون رونج، إنه إذا عكست بيانات أسعار المستهلكين إحراز الولايات المتحدة مزيداً من التقدم في احتواء التضخم، فهذا من شأنه رفع أسعار الذهب لمستوى قياسي مرة أخرى. ولاحظ خبراء أن مخاوف المستثمرين كانت مضخمة وأكبر من واقع البيانات الاقتصادية، وأن الاستنتاجات التي ذهب إليها المحللون في عدد من بنوك الاستثمار وشركات إدارة الأموال بشأن البيانات الأميركية الأخيرة كان مبالغاً فيها بشكل كبير. ووفق هؤلاء، فإن مخاوف الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة التي دفعت المستثمرين إلى الهروب من أسهم "وول ستريت" مبالغ فيها، كما أن حمى التخارج والمبيعات التي حدثت بسبب التغيير الذي طرأ على "تجارة الفائدة" أو "العملة الحاملة للتجارة" كانت غير مبررة.

يذكر أن رفع الفائدة من قبل البنك المركزي الياباني في طوكيو دفع الين الياباني إلى الصعود مقابل الدولار، وبالتالي انخفض الهامش الربحي للمضاربين في عمليات الاقتراض بالعملة، لكن خبراء يرون أن فارق الفائدة بين الدولار والين لا يزال أعلى من 5%، كما أن اليابان دولة صناعية يعتمد نموها الاقتصادي على التصدير، ولذا تحتاج إلى الين الضعيف لترفع تنافسية صادراتها في الأسواق العالمية حتى تتمكن من منافسة الصين.

وفي هذا الصدد، يرى الاقتصادي في جامعة كامبريدج البريطانية، تشارلز ريد، في تعليقات لنشرة كونفرسيشن المتخصصة في 9 أغسطس/آب الجاري، أن الهزة التي عاشتها الأسواق الأسبوع الماضي كانت ناجمة عن بيانات الوظائف الأميركية الضعيفة أكثر من القرار الذي اتخذته اليابان برفع أسعار الفائدة الرسمية بشكل طفيف. ويقول ريد: "أظهرت أرقام الوظائف هذه صورة مختلطة وليست سيئة بالدرجة التي تزرع مثل هذا الرعب وسط المستثمرين". ويتابع: "ليس من المؤكد على الإطلاق، أن تتجه الولايات المتحدة نحو الركود، الذي يدفع المستثمرين لبيع أسهمهم والأوراق المالية التي بحوزتهم بهذه السرعة والكميات الكبيرة". وينظر الاقتصادي ريد إلى هزة الأسبوع الماضي على أنها واحدة من انفجارات فقاعة السوق، وأنها شبيهة بالخضات التي شهدتها الأسواق بسبب موازنة رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس المصغرة في بريطانيا في سبتمبر/أيلول 2022، وتعثر بنك وادي السيليكون في أميركا في مارس/آذار العام 2023.

وتعود هزة الأسواق إلى هشاشة أسواق المال بسبب ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار بسرعة في عامي 2022 و2023 والتي كانت سبباً في الهشاشة المالية بأسواق المال. وعلى الرغم من أنه يرى أن تراجع الأسواق لا يرقى إلى ردة فعل المستثمرين وهروبهم الكبير للتخارج من "وول ستريت" لكن البروفسور ريد يرجح حدوث المزيد من الاضطرابات في أسواق المال وإن لم تكن بحجم الأزمة المالية في 2008 بحسب تقديراته.

وقال محلل استراتيجيات سوق الأسهم لدى بنك مورغان ستانلي، مايك ويلسون، في مذكرة نُشرت في عطلة نهاية الأسبوع، إن التقلبات الأخيرة تتعدى الرهانات الخاطئة من المستثمرين في سوق العملات. ووفق ويلسون فإنه من منظور فني، يمكن إلقاء اللوم على صفقات تجارة الفائدة أو الـ"كاري تريد" المتعلقة بالين في التراجع وحركة التصحيح التي شهدتها الأسواق، لكن هذا لا يعكس تدهور أساسيات السوق الذي بدأ في إبريل/نيسان الماضي، وإنّ ذلك تزامن مع بدء توارد مفاجآت سلبية على صعيد البيانات الاقتصادية.

وأشار إلى أن ذروة هذه المفاجآت تزامنت مع وصول الأسهم المرتبطة بالدورة الاقتصادية إلى ذروتها هي الأخرى مقارنة بتراجع الأسهم الدفاعية. ووفق ما ذهب إليه، فإنّ هذا يشير إلى وجود اتجاه هابط في السوق لم ينتهِ بعد، مشيراً أيضاً إلى أنه كان هناك بعض التراجع في حماس المستثمرين تجاه أسهم الذكاء الاصطناعي. وسلط ويلسون الضوء على عامل أساسي آخر مثير للقلق، ألا وهو مراجعة الشركات لتوقعات الأرباح السنوية بالخفض، وهو أمر يحدث غالباً في الربع الثالث من العام، ما يجعله فترة عصيبة بالنسبة لأداء سوق الأسهم.

وبالنسبة لتجارة المناقلة أو "تجارة الفائدة" أو تجارة "العملة الحاملة للتجارة"، فكلها مسميات لاستراتيجية استثمار حيث يقترض المستثمر المال بعملة ذات سعر فائدة منخفض ويستثمر في عملة أخرى تقدم سعر فائدة أعلى. ويجري المستثمر هذه الصفقات بهدف الاستفادة من فرق سعر الفائدة بين العملتين. كما ينفذ المستثمرون تجارة الفائدة عن طريق اقتراض أموال بعملة ذات أسعار فائدة منخفضة، واستخدام هذه الأموال للاستثمار في أي أصل ذو عائد متوقع أعلى مثل الأسهم أو حتى العملات المشفرة. وبالتالي فإن هذا النوع من التجارة يعتمد  على العائد الذي يحققه المستثمر مقابل الاحتفاظ بأصل مثل العملة أو السلعة لفترة من الزمن. وعلى الرغم من أن هذا النوع من الاستراتيجية لا يعتمد دائماً على ارتفاع قيمة الأصل، فإنّ هذا يمكن أن يؤثر في أخطار التجارة.

وتستخدم تجارة الصفقات المحمولة أو صفقات العملة الحاملة للتجارة على نطاق واسع في الاستثمار بالعملة الأجنبية، إذ تأتي الاستراتيجية بدرجة عالية من المخاطر، وتتطلب ظروف السوق المناسبة والخبرة الاستثمارية للتنفيذ بنجاح. وفهم الفروق في أسعار الفائدة، وديناميكيات سعر الصرف، وظروف السوق العالمية أمر بالغ الأهمية لأولئك الذين يفكرون في هذا النوع من الاستراتيجية. ولجأ المستثمرون إلى هذه الاستراتيجية في السنوات الأخيرة، حين اقترضوا بالين الرخيص في اليابان، حيث لا تزال أسعار الفائدة منخفضة (0.25%)، واستثمروا في الأماكن التي تكون فيها أسعار الفائدة أعلى، مثل الولايات المتحدة (5.25%-5.5%) أو المكسيك (10.75%). ويقدر الباحثون في مصرف يو بي إس أنه منذ عام 2011، وحتى هذه الهزة جرى تنفيذ أكثر من 500 مليار دولار من صفقات الشراء بالدولار مقابل الاقتراض بالين.

ويقول تحليل في نشرة كونفرسيشن البريطانية، إن الأزمة الحالية الخاصة بتجارة الين بدأت يوم الجمعة في الثاني من أغسطس/آب الماضي عندما انخفضت الأسواق في الولايات المتحدة استجابة لبيانات أسوأ من المتوقع حول عدد الوظائف الجديدة التي تم إنشاؤها في يوليو/تموز. وهو ما يعني تراجع قيمة الأصول التي تم استثمار الين المقترض فيها، مما اضطر المقترضين لتغطية مراكز مالية مكشوفة. ثم تعرضت الأسهم اليابانية لضربة أكبر يوم الاثنين قبل الماضي، حين سجلت أكبر انخفاض على الإطلاق في يوم واحد في مؤشر نيكي، وهو مؤشر الأسهم الرئيسي في اليابان. ومنذ ذلك الحين، أصابت المستثمرين حالة من الذعر دفعت الأسواق للهبوط الكبير.

ووجدت دراسة أجراها اقتصاديون في بنك التسويات الدولية، أن سحب التمويل بالين من الولايات المتحدة من قبل تجار المناقلة تزامن مع بداية أزمة المال العالمية في أغسطس/آب 2007، إذ أصبح الإقراض فجأة غير متاح عبر النظام المالي. وقد ساهم ذلك في انخفاض أسعار بعض الأصول مثل التزامات الديون المضمونة (CDOs)، وهي عبارة عن حزم من الديون التي باعها المقرضون في السوق، لكنها لم تكن السبب المباشر في أزمة المال.