العالم في خطر: صعود الأثرياء للحكم يفاقم التفاوت الطبقي ويهدد النظام الرأسمالي

29 فبراير 2024
المزارعون يصبون جام غضبهم على سياسات المفوضية الأوروبية (getty)
+ الخط -

ربما يكون عام 2024 هو أكبر عام انتخابي في التاريخ وفق تقديرات، وسط الانتخابات المقرر إجراؤها في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأكثر من 50 دولة أخرى حول العالم.

وقد تهدد نتائج هذه الانتخابات بقاء الديمقراطيات والنظم الليبرالية القائمة، وسط احتمال صعود الأحزاب الشعبوية للحكم بسبب التحديات الاقتصادية والمالية التي تثقل كاهل المواطن بالدول الغربية، حيث تواصل فشل الأحزاب التقليدية الحاكمة في حلها.

وبالتالي يطرح العديد من خبراء الاقتصاد السياسي، السؤال حول ما إذا كانت الديمقراطيات الغربية تستطيع الصمود والحفاظ على كراسي الحكم التي تواجه تضعضع ثقة المواطن في عدالتها وكفاءتها في إدارة الحكم؟

وواجهت الأحزاب الغربية الحاكمة أزمات مالية واقتصادية متراكمة ومعقدة، خلال السنوات الأخيرة، تراوح بين التضخم وارتفاع ضرائب الدخل وغلاء المعيشة وتزايد الفقر وتدهور الطبقة الوسطى كنسبة من السكان وارتفاع الديون السيادية وتداعيات الحرب على أوكرانيا وأزمة الشحن في البحر الأحمر التي تفاقم الغلاء.

واجهت الأحزاب الغربية الحاكمة أزمات مالية واقتصادية متراكمة ومعقدة، خلال السنوات الأخيرة، تراوح بين التضخم وارتفاع ضرائب الدخل وغلاء المعيشة وتزايد الفقر

ويرى محللون، أن كل هذه الأزمات تصب في صالح التيار اليميني الشعبوي الصاعد في أوروبا وأميركا، الذي يرى أن الأحزاب الديمقراطية الحاكمة فشلت في إدارة شؤون الحكم ويعمل على إقناع الناخب بذلك.
ويرجح تحليل بدورية "فورين بولسي"، صدر يوم الأربعاء، أن الشعبوية اليمينية تتجه في العام الجاري 2024، لاكتساح الانتخابات والصعود للحكم في العديد من الدول الغربية، خاصة في الولايات المتحدة التي يتقدم فيها الرئيس السابق دونالد ترامب بسرعة في الاستفتاءات الشعبية والانتخابات التمهيدية.

كما تشهد دول كبرى مثل فرنسا وألمانيا صعوداً قوياً للتيار الشعبوي ربما يكتسح انتخابات البرلمان الأوروبي التي ستجرى في يونيو/ حزيران المقبل.

ويرجح تحليل "فورين بوليسي"، كذلك أن يشهد العام المقبل واحدة من أشد حالات تآكل الديمقراطية الليبرالية منذ نهاية الحرب الباردة. وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن تنتهي النتائج الإجمالية إلى حمام دم، أو، بشكل أقل كآبة، إلى سلسلة من النكسات.
في ذات الصدد، ترى دراسة في المعهد الملكي للشؤون الدولية، "تشاتام هاوس"، أن الزيادة الحادة في فجوة التفاوت الاقتصادي، التي تتراوح بين التفاوت في الدخل إلى التناقضات في الثروة والأمن الاقتصادي، على مدى العقود الماضية أدت إلى تراجع الثقة في النظام الديمقراطي. كما تقول الدراسة، أن الأنظمة الديمقراطية باتت أقل استجابة للناخبين في تبني السياسات الاقتصادية التي تطالب بها الجماهير.

مليارديرات يتصرفون في ثروات الشعوب
يقول محللون، إن الحكومات الغربية التي تتبنى النظام الليبرالي وآليات السوق الحر باتت تخدم قضايا الطبقة الثرية على حساب الطبقة الوسطى والطبقات الفقيرة، حيث تتكدس الثروات لدى الأثرياء ويستشري الفقر بين سواد المجتمع. وباتت أسواق المال والبورصات وحكومات العالم يسيطر عليها أصحاب الثروة، الذين يملكون مئات المليارات من الدولارات ويستأجرون أفضل الخبرات ويشترون أسرع الأجهزة الحديثة.
كذلك فإن هؤلاء الأثرياء باتوا قريبين من مراكز القرار المالي والنقدي والسياسي في الاقتصادات الكبرى.
بينما ترتفع أرباح الشركات الكبرى، فشلت أجور ما يقرب من 800 مليون عامل في جميع أنحاء العالم في مواكبة التضخم
وحسب التقديرات، فإن هذا القرب يمكنهم من الحصول على المعلومات التي تحدد مسارات السوق والتنبؤ بتوجهات الأسهم والسندات،والمتاجرة على بيّنة من تحقيق الأرباح، وليس المخاطرة بثرواتهم مثل صغار المستثمرين. ولذا فهم لا يبالون بتمويل الإنفاق الحكومي عبر الديون وتحميل المواطن تسديدها بفرض الضرائب المرتفعة.
ويقول تحليل بالمعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس"، في هذا الصدد، بعد تراجع التفاوت في الدخل في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية مباشرة، عاد التفاوت للارتفاع بشدة في الدول الرأسمالية واتسعت فجوة التفاوت في الدخل بشكل حاد، خاصة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، ولكن أيضاً في اقتصادات مثل ألمانيا وإيطاليا وهولندا.
ويدلل تقرير "أوكسفام" الصادر في 18 يناير/ كانون الثاني الماضي على هذه الحقيقة، حيث يقول، إن نسبة أغنى 1% من سكان العالم باتوا يمتلكون 43% من الأصول المالية العالمية، وقد تضاعفت ثروات أغنى خمسة مليارديرات منذ عام 2020، في حين أصبح 60% من سواد الناس، أي ما يقرب من 5 مليارات شخص، مجتمعين أكثر فقراً.
وبينما ترتفع أرباح الشركات الكبرى، فشلت أجور ما يقرب من 800 مليون عامل في جميع أنحاء العالم في مواكبة التضخم، مما أدى إلى خسارة هؤلاء العمال البؤساء خلال العامين الماضيين نحو 1.5 تريليون دولار.

ويرى محللون في هذا الشأن، أننا نعيش عصراً من القوة الاحتكارية التي منحت الشركات السيطرة على الأسواق وتحديد شروط التبادل وتحقيق الربح دون خوف من خسارة الأعمال، وذلك ببساطة لأنهم يملكون المال ويحتكرون القرار السياسي.
كما باتت المصارف الكبرى هي التي تعين رؤساء العديد من الدول في أوروبا. ولم يعد سراً أن معظم وزراء الخزانة في أميركا كانوا موظفين في مصرف "غولدمان ساكس" الاستثماري، خلال العقدين الماضيين، كما أن العديد من القادة في الحكومات الغربية، كانوا كذلك رؤساء تنفيذيين في بنوك استثمارية.

وأدى هذا التحول الخطير في مسار الديمقراطيات الغربية إلى إفراز طبقة تحكم باسم الديمقراطية ولكنها في الواقع تخدم طبقة الأثرياء والشركات والمصارف، على حساب مصالح الشعوب.

في هذا الشأن، أشار تقرير صادر عن مؤسسة "ستاندرد أند بوورز" العالمية للتصنيف الائتماني يوم الأربعاء، أن الحكومات العالمية وتحديداً الغربية تحتاج إلى إصدار سندات دين بقيمة 11.5 تريليون دولار خلال العام الجاري 2024، لتغطية الإنفاق العام، وسيكون المواطن فريسة لتغطية هذه الديون عبر الضرائب المرتفعة.

التضخم يخنق أوروبا
على الصعيد الأوروبي، يرى محللون أن أوروبا تمر بنقطة تحول أساسية خلال العام الجاري، ربما تنتهي بصعود الأحزاب الشعبوية للحكم في العديد الدول.
وحسب بيانات صندوق النقد الدولي الأخيرة، تباطأت اقتصادات أوروبا في العام الجاري. ويقول الصندوق: "يعكس هذا التباطؤ سياسات الاقتصاد الكلي الأكثر صرامة وارتفاع تكاليف الطاقة التي رفعت التضخم وأرهقت ميزانية الأسر"، ولكن في ذات الوقت تشير قائمة بلومبيرغ إلى صعود العديد من الأثرياء في هذه الفترة التي عانى فيها سواد الشعب شظف العيش.

وعلى الرغم من أن أسواق العمل ظلت قوية، في أوروبا، إلا أن بيانات مكتب الإحصاء الأوروبي "يورو ستات" تشير إلى تباطؤ في الخدمات وضعف التوظيف.

كما لايزال التضخم الأساسي، الذي يستخدمه صندوق النقد الدولي كمقياس لضغوط التضخم الأساسية، مرتفعاً بشكل مستمر. ويتوقع الصندوق، أن تصل نسبة النمو في الكتلة الأوروبية إلى أدنى مستوياتها عند 1.1 في المائة.

ووفق تقرير آخر صادر عن وكالة "ستاندرد آند بوورز" بنهاية يناير/كانون الثاني، فإن اضطرابات البحر الأحمر ستنعكس على غلاء المعيشة في أوروبا وستكون تداعياتها أكبر على القارة العجوز مقارنة بباقي العالم.

يعني استمرار الحرب الروسية الأوكرانية ارتفاع كلف الشحن في البحر الأسود وما حوله، مع احتمال بقاء التضخم ومعانة المواطن الأوروبي لفترة أطول

وترجح الوكالة، أن يؤدي التعطيل المستمر للشحن عبر البحر الأحمر إلى زيادة تكاليف النقل بشكل كبير وإعاقة الإنتاج للشركات الأوروبية. ويقول، إذا اضطرت شركات النقل البحري إلى مواصلة الإبحار عبر رأس الرجاء الصالح، فسوف تزيد أوقات العبور والأسعار الفورية بشكل كبير في عام 2024.

على صعيد أوكرانيا، تتوقع الوكالة أن حرب الاستنزاف طويلة الأمد من المرجح أن تستمر حتى نهاية العام الجاري 2024 على أقل تقدير. وبالتالي، من غير المرجح أن يتم تخفيف عقوبات الاتحاد الأوروبي التي رفعت أسعار الطاقة والغذاء.

ويعني استمرار الحرب الروسية الأوكرانية ارتفاع كلف الشحن في البحر الأسود وما حوله، مع احتمال بقاء التضخم ومعانة المواطن الأوروبي لفترة أطول. وهذه المعاناة تخدم الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة التي تطالب بتفكيك الكتلة الأوروبية وعدم دعم الحرب الأوكرانية.

المساهمون