أدت الندرة الحادة للعديد من المواد واسعة الاستهلاك في الجزائر إلى ظهور ممارسات تجارية موازية وضعت المستهلك في مواجهة جشع المحتكرين، إذ ترغم حيل الكثير من التجار ومن ورائهم الموردون والوسطاء، الزبائن من الطبقات الهشة على التذلل للظفر بأبسط ما يحتاجون إليه من الأسواق، من مواد مدعمة مثل الحليب وزيت الطعام والخبز وحتى الأدوية. وفي مقدمة هذه الممارسات "البيع المشروط" أو "البيع القصري" الذي يلجأ إليه التجار لبيع سلعهم المكدسة.
وترتفع من شوارع الجزائر صرخات مواطنين تتهم تجاراً بتجاوز القوانين وحتى الأخلاق لترويج سلع راكدة أو مواد شارفت صلاحيتها على الانتهاء وفرضها على الزبائن مقابل شراء أكياس الحليب المدعَّم أو الخبز المدعَّم وقوارير زيت الطعام.
وهذه المواد تعيش الجزائر على وقع ندرة حادة مستها، إذ تُجمِع الشهادات على أنّ "البيع المشروط" عاد بقوة في الأيام الأخيرة، بعد سنوات من اندثاره مع تحسن الأوضاع الاقتصادية في البلاد منذ سنة 2002 مع ارتفاع أسعار النفط، فالمواطن المغلوب على أمره بات ينفق أكثر على مواد أخذها مجبورا ولا حاجة له بها.
البيع المشروط
وأصبح التجار يستغلون الطوابير الطويلة أمام محلاتهم، لبيع بعض السلع الأخرى مع السلع المطلوبة وهو ما يُطلق عليه "البيع المشروط" الأمر الذي يرهق القدرة الشرائية للمواطنين.
يقول المواطن أسامة لعزري من العاصمة الجزائرية إنه تفاجأ عند ذهابه لشراء الحليب المدعم بأن صاحب المحل يبلغه أنه يتعين عليه شراء أي سلعة أخرى حتى يبيعه الحليب".
وأضاف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أنه "اضطر إلى شراء علبة قهوة ذات وزن 250 غراماً بـ 270 ديناراً من أجل شراء 3 أكياس حليب بـ 75 ديناراً فقط".
أما المواطن محمد الأمين بودالي، فقد "اضطر إلى شراء عجائن بقي أسبوع على انتهاء مدة صلاحيتها مقابل شراء 4 أكياس من الحليب المدعم".
وأكد لـ"العربي الجديد" أنّ "التجار باتوا يرون سلعتهم تتكدس فوق الرفوف بسبب تغير السلوك الاستهلاكي للجزائريين جراء تراجع القدرة الشرائية للعائلات الجزائرية".
رواية التجّار
وعند سماع رواية تجّار التجزئة، نجدهم يشتكون بدورهم من وقوعهم ضحايا ظاهرة "البيع المشروط" مشيرين إلى أنّهم لم يسلموا من فرض سلع معينة عليهم من طرف تجار الجملة، كشراء كميات معتبرة من المواد الغذائية الثانوية كالشوكولاتة والأجبان المستوردة مقابل شراء زيت الطعام، وإلا فلن يجدوا سلعاً يضعونها فوق رفوف محلاتهم.
وهو ما يكشفه التاجر من الضاحية الغربية في الجزائر العاصمة، محمد جوهري، لـ "العربي الجديد" إذ يقول إنّ "تجار الجملة أصبحوا يلزمون تجار التجزئة بشراء سلع لا تدخل في قائمة ما يحتاجون إليه وذلك يحصل معي أسبوعياً، إذ أضطر إلى شراء سلع مثل حلوى الأطفال المستوردة أو الشوكولاتة المستوردة مقابل شراء 10 قوارير من زيت الطعام". وأضاف جوهري أنّ "ما يفرضه علينا تجار الجملة نصنفه في خانة "الثقيل في البيع" بالنظر إلى سعره المرتفع، وحتى موزعو الحليب المدعم يرغموننا على شراء منتجات أخرى مقابل بيعنا الحليب المُدعم".
وأمام انتشار هذه الظاهرة مؤخرا وسط التجار الجزائريين الذين لم يجدوا حرجا في الاستثمار في جيوب الجزائريين المنهكة بغلاء الأسعار وانهيار القدرة الشرائية، يرى المتتبعون للسوق الجزائرية أنه حان الوقت لتدخل الدولة وأجهزتها لضبط الأسواق التي أصبحت تخضع لمنطق المضاربة والاحتكار وجشع بعض التجار.
مطالب بتدخل الدولة
إلى ذلك، يرى رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين، الحاج الطاهر بولنوار، أنّه "حان الوقت لكي تتدخل الدولة ووزارة التجارة وذلك بتفعيل سلطة لضبط أخلاقيات مهنة التجارة من جهة، ومضاعفة عدد دوريات الرقابة في الأسواق".
يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "المستهلك يجب أن تكون عنده ثقافة الإبلاغ عن وجود تجاوزات وما قد يساعده على ذلك هو استحداث رقم أخضر للتواصل المباشر مع الجهات الرقابية".
وبصفته المسؤول الأول عن التجار، يقول بولنوار إنّ "الجمعية تتحرى التجار الذين يمارسون البيع المشروط، وقد تم ضبط بعضهم وسيتكبّدون غرامات مالية في البداية قبل أن تتخذ في حقهم عقوبات أخرى".
ولا يخفي المتحدث أنّ "القانون الجزائري يعاني من فراغ حيال البيع المشروط الذي يبقى منافياً للأخلاق أولاً وأخيراً".
وعي المستهلكين
وإذا كانت كلّ أصابع الاتهام توجه نحو التجار الذين فرضوا منطقهم على الجزائريين من خلال "البيع المشروط" فإنّ بعض المستهلكين، يتحملون جزءاً من المسؤولية، بالتزامهم الصمت ووقوعهم رهينة لسلوكهم الاستهلاكي.
ويرى رئيس جمعية حماية المستهلك، مصطفى زبدي، أنّ "ما زاد في استفحال ظاهرة البيع المشروط مؤخراً هو انعدام ثقافة التبليغ لدى المواطنين الذين يكتفون بالتذمر فقط ".
يضيف زبدي لـ "العربي الجديد" أنّ "على المواطنين الوقوف في وجه التجار من خلال الاتصال بالجمعية أو مديريات التجارة الأقرب منهم، وذلك لكبح هذه الظاهرة".
من جانبه، يقول الخبير في علم النفس الاستهلاكي زين الدين موهوب، إنّ "عودة ظاهرة البيع المشروط وسط الأسواق الجزائرية تبقى أمراً غير مفهوم".
يتابع زين الدين، في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "المواطن الجزائري عادة ما يفقد وعيه بمجرد دخوله المحلات التجارية، ويخضع لنمط استهلاكي غير متزن يجعله لا يتوقف أمام أي حاجز من أجل تلبية حاجياته".
يتابع: "البيع المشروط ظهر في الجزائر إبان الاقتصاد الاشتراكي ليختفي ويعود مجدداً، إلّا أنّه في الماضي كانت هذه الظاهرة مفهومة بحكم أنّ الاقتصاد كان محتكراً من طرف القطاع العام، أما اليوم فلا أفهم كيف للمواطن أن يضع نفسه رهينة لجشع التجار وبإمكانه استبدال الحليب المدعم بحليب آخر مؤقت أو مقاطعة هذه السلع التي تتم بها مقايضة السلع".