- تتميز هذه الشركات بتنوع أنشطتها الاقتصادية، مما يعكس استراتيجية التنويع ويساعد في تقليل المخاطر، مع التحذير من التحديات المستقبلية المتعلقة بالانتقال لشركات المساهمة العامة.
- نجاحها يعزى لعوامل مثل الموقع الاستراتيجي، توفر الموارد، الخطط التنموية، وثقافة ريادة الأعمال التي تشجع على الابتكار وتسهم في النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل.
تفوق لافت سجلته الشركات العائلية في دول الخليج بقائمة "فوربس" السنوية لأقوى 100 شركة عائلية عربية لعام 2024، بواقع حضور 76 شركة خليجية بالقائمة، تتصدرها شركة "عبد اللطيف جميل" السعودية، تليها "مجموعة الفطيم" الإماراتية، ما سلط الضوء على العوامل التي تقف وراء هذا التفوق العربي.
ووفق المجلة الاقتصادية الأميركية، فإن عائلات دول مجلس التعاون الخليجي تعد الأكثر نجاحاً في مشهد الشركات العائلية، مشيرة إلى أن قائمة الـ 76 شركة خليجية منها 34 شركة مملوكة لعائلات سعودية، و28 شركة مملوكة لعائلات إماراتية، وشركات أخرى مملوكة لعائلات في قطر والكويت وعُمان.
وتأسست 6 من الشركات العائلية الخليجية ضمن قائمة "فوربس" في القرن التاسع عشر، و26 شركة قبل عام 1950، في حين تأسست 6 شركات منها فقط في العقد الأول من القرن الحالي، ما يؤشر إلى دور "التراث والتقاليد التاريخية" في التفوق الخليجي بهذا النوع من الشركات، بحسب المجلة الأميركية.
تنوع الأنشطة
يشير الخبير الاقتصادي، محمد الناير، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن الشركات العائلية ما زالت موجودة بكثافة ملحوظة في الوطن العربي وفي دول الخليج بصورة أكبر، إذ لها تاريخ قديم جدا أكسبها كثيرا من الخبرات وتراكم الأموال من خلال عملها لعشرات السنين حتى تعاظمت ثرواتها توسعت أنشطتها.
ويوضح الناير أن ما يميز شركات العائلات في الفترات الأخيرة يتمثل في "تنوع الأنشطة" على التوازي مع اتجاه دول الخليج إلى التنوع في الموارد باعتبار أن النفط ثروة ناضبة، إضافة إلى التغيرات الجيوسياسية التي تحدث في العالم، والتي دفعت العديد من الدول إلى الاعتماد على الطاقة النظيفة والطاقات الجديدة والمتجددة.
وفي هذا الإطار، تتجه دول الخليج الآن إلى تنويع مواردها وعدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي، وهو ما تفعله شركات العائلات التي تسعى إلى تنويع استثماراتها بدل اعتمادها السابق على استثمار واحد فقط تتمكن منه وتتميز فيه وتكتسب منه خبرات كبيرة، إذ أصبحت تفكر برؤية استراتيجية في التنويع حتى تتفادى قدراً من المخاطر التي يمكن أن تصيب أيا من قطاعاتها المتعددة، حسب الناير.
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن الشركات العائلية في الخليج تتجه إلى التوسع، ليس فقط داخل دولها، ولكن عبر العمل في كثير من الدول الأخرى؛ ما يميز هذا النموذج الإقليمي ويكسبه مقومات التفوق عربيا.
لكن الناير يحذر من إشكالية ستواجه شركات العائلات بالخليج في المرحلة القادمة ويجب تداركها، تتمثل في وجود اتجاه عالمي نحو شركات المساهمة العامة، ما دفع العديد من الدول إلى سن قوانين بغرض توجيه الشركات العائلية إلى التحول لهذا النوع من الشركات.
وفي هذا الإطار، يتوقع الناير أن تقدم دول الخليج حوافز تشجيعية لهكذا تحول، باعتبار أن شركات المساهمة العامة مرشحة للتوسع من حيث الأصول ورأس المال ومن حيث طرح أسهم جديدة وزيادة عدد المساهمين والحصول على تمويل دون تكاليف عبر طرح أسهم إضافية تزيد من عدد من الملاك.
ويرى الناير أن شركات المساهمة العامة لها ميزات كبيرة تجعلها أفضل من الشركات العائلية، خاصة مع التطور الذي يشهده العالم، إذ تقوم على الفصل بين الملكية والإدارة، وهو ما لا ينطبق على شركات العائلات التي تدمج غالبا بين الملكية والإدارة.
كما أن شركات المساهمة العامة لديها فرص أكبر في التوسع من شركات العائلات حسب ما يراه الناير، موضحا أن الشركات العائلية تكون معرضة للتهديد إذا توفي رب العائلة أو الركيزة الأساسية الذي أقيم النجاح على وجوده، إذ تكون للورثة رؤى متنوعة ومختلفة أحيانا، ما يكون سببا في تنازعهم لملكية هذه الشركات واللجوء إلى تقسيمها، الأمر الذي يضعف مستقبل هذه الشركات بشكل كبير.
وبانتقال شركات العائلات إلى شركات مساهمة عامة يمكن التخلص من ظاهرة اختلاف الورثة، باعتبار أنه سيتم بيع الأسهم الخاصة بهم داخل البورصة دون أن تتأثر الشركة، إذ يتم بيع وشراء الأسهم سواء كان ذلك بين الورثة أو خارج دائرتهم عبر سوق الأوراق المالية، حسب الناير.
عوامل النجاح
في السياق، يشير الاستشاري الاقتصادي بشركة استشارات في لندن، علي متولي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن نجاح الشركات العائلية في الخليج يمكن أن يُعزى إلى عدة عوامل اقتصادية، أولها: الموقع الاستراتيجي لدول الخليج، وهو بمثابة مفترق طرق للتجارة بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، ما يسهل الوصول إلى الأسواق العالمية ويعزز التجارة الدولية وفرص الاستثمار.
كما يمثل توفر الموارد الطبيعية، خاصة احتياطيات النفط والغاز، أساساً اقتصادياً قوياً للشركات العائلية، ما يمكنها من الاستثمار في التنويع والابتكار والتوسع في قطاعات جديدة، بحسب متولي، مشيرا إلى أن الخطط التنموية المعلن عنها بدول الخليج ترسم للشركات العائلية خريطة طريق للاستثمار في التنمية والتعاون مع الحكومات في تنمية القطاعات غير النفطية وتنمية الأعمال بشكل عام.
ويضيف متولي أن بيئات الاقتصاد الكلي المستقرة، التي تتميز بانخفاض التضخم، وتكاليف التمويل المؤاتية، وأسعار الصرف المستقرة، تعمل أيضا على تعزيز ثقة المستثمرين وتشجيع الشركات العائلية في الخليج على النمو والتوسع والابتكار.
وإضافة لذلك، تدعم حكومات دول الخليج التنمية الاقتصادية من خلال مشاريع البنية التحتية، وحوافز الاستثمار، والسياسات الصديقة للأعمال مثل إطلاق مبادرات للإعفاءات الضريبية والإعانات، وانتشار العمليات التنظيمية المبسطة، ما يفيد الشركات العائلية ويعزز نموها، بحسب متولي.
وإدراكًا للحاجة إلى التنويع الاقتصادي، يلفت متولي إلى تنويع الشركات العائلية في الخليج لمحافظها الاستثمارية في القطاعات غير النفطية، مثل التمويل والعقارات والسياحة والتصنيع للتخفيف من المخاطر وتعزيز القدرة على مواجهة الصدمات الخارجية.
ويعد الاستثمار في رأس المال البشري عاملاً رئيسياً في نجاح الشركات العائلية بالخليج، بحسب متولي، موضحا أن تلك الشركات تعطي الأولوية للتعليم والتدريب وتنمية المهارات لرعاية القوى العاملة الماهرة، ما يعزز الإنتاجية والابتكار والقدرة التنافسية، ويدفع النمو الاقتصادي.
ويخلص الاستشاري الاقتصادي إلى أن ثقافة ريادة الأعمال، السائدة في المجتمعات الخليجية، تشجع المخاطرة والابتكار والمشروعات، ما يوفر أرضا خصبة لنشوء ونمو الشركات الناجحة عموما، والعائلية منها خصوصا، مشيرا إلى أن تلك الشركات تلعب دورًا مهمًا في المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي أو حجم الاقتصاد عن طريق الاستثمار وخلق عشرات الآلاف من فرص العمل بجانب التصدير إلى مختلف دول العالم.