يبدو أن المؤسسة العسكرية في السودان ستواجه عقبات جديدة مع تطورات المشهد الاقتصادي المعقد بعدما انفردت بالحكم وأطاحت بحكومة عبد الله حمدوك. وأفرز ذلك وضعا معيشيا صعبا يواجه المواطنين خصوصا في ظل دعوات الإضراب العام وانعدام وصول المواد التموينية وتوقف شركات رئيسية عن العمل استجابة لدعوة تجمع المهنيين بالدخول في عصيان مدني.
ويأتي ذلك في وقت أكدت فيه جهات مختصة قرب نفاد المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية خصوصا الخبز والسكر، مع إغلاق شبه تام للمخابز وعدم قدرة الأسواق المركزية على الحصول على السلع نتيجة لإغلاق الطرق والكباري وتوقف إمداد السلع من الشرق المغلق.
ومع تقدم وتيرة الاحتجاجات تزداد صعوبة الحصول على لقمة العيش ويتواصل تدهور الاقتصاد، ما جعل الجيش وشركاته في مأزق، خصوصا ما يرتبط بإدارة الملفات الاقتصادية وسط تعطل مؤسسات الدولة وشلل الأسواق.
وزادت الصعوبات الاقتصادية مع إغلاق الأسواق والطرق وشح السلع وتوقف البنوك عن العمل وانقطاع شبكة الإنترنت.
يقول اقتصاديون إن الأوضاع تسير نحو الأسوأ، إذا لم تتراجع المؤسسة العسكرية عن الخطوة التي اتخذتها سابقا في ظل حصار اقتصادي داخلي وخارجي، حيث أوقفت جميع الدول المانحة معوناتها التي دفعت بها إلى السودان، كما توقفت ماكينات الإنتاج داخليا.
وكان قائد القوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، أعلن منذ يومين، حالة الطوارئ في جميع أنحاء السودان، وحلّ مجلسي السيادة والوزراء في البلاد، وكذلك تعليق العمل في بعض مواد الوثيقة الدستورية.
ويتوقع الاقتصادي السوداني، محمود الزين، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن تزداد المعاناة المعيشية خلال الفترة المقبلة لأن هنالك هجمة كبيرة من المواطنين على ما تبقى من سلع في أرفف البقالات، وهذا بالطبع سيشكل تحدىًا جديدًا للجيش الذي يمتلك حوالي نصف إيرادات السودان من أصول لشركات إنتاجية وأخرى تعمل على تصدير المواد الخام، حسب الزين. ويضيف: هذه الشركات معلومة لجميع المواطنين وكانت مثار خلاف بين المكونين المدني والعسكري، كما كانت السبب الأساسي الذي أطاح بوزيرة المالية المكلفة السابقة هبة محمد علي، التي رفضت تبعية تلك الشركات إلى القطاع العام بحجة أن النظام المالي للجيش منضبط وليس كما هو موجود في القطاع العام.
ويشير الزين إلى أن المؤسسات الاقتصادية العسكرية مختلفة التخصصات، من بينها بنوك كبيرة جدا مثل بنك أم درمان المدني الذي يتمتع بحماية من البنك المركزي ويمتلك أكبر رأس مال في البنوك التجارية السودانية، وغالبية أعضاء المؤسسة العسكرية يمتلكون حسابات فيه، ولذلك إذا أرادت المؤسسة العسكرية العمل على إحداث انفراجة حقيقية تستطيع ذلك، ولكنها تتمنع عن الأمر بحجة ضعف المكون المدني في إدارة دفة الدولة.
المختص في شؤون الأوراق المالية، بابكر التوم، يقول إن المؤسسة العسكرية تمتلك غالبية الصناعات الموجودة في البلاد، ومنها شركة جياد للسيارات، ورغم أن واجهتها مختلفة ولكنها في الأساس تتبع للجيش. ويضيف: شركات الجيش تمتلك استثمارات كبيرة جدا تصل إلى أكثر من 100 مليار دولار، وهي التي تقوم مباشرة بتسهيل كل ما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية لأفراد من المؤسسة، فإذا أرادت المؤسسة العسكرية توظيف تلك الأموال لمصلحة المواطن تستطيع ذلك ولكنها لن تفعل. ويتابع: "بالإضافة لذلك أيضا لديها شركات ومطاحن مثل مطحن زادنا الذي يعتبر من أكبر المطاحن وتخصص له تسهيلات كثيرة، وما يدلل على ذلك هو أنه في أيام أزمة الخبز السابقة كانت كل مخابز المؤسسة العسكرية تعمل من داخل القيادة العامة ولا يشكو منتسبو المؤسسة مما يعاني منه المواطن".
وفي ما يتعلق بالدعم السريع، كشفت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية عن جوانب من التقرير الذي أعدّته لجنة تتبع لمجلس الأمن الدولي واعترضت عليه روسيا كصديقة للخرطوم ووصفته بعدم الدقة. وأوضحت المجلة أن القوات الموالية للحكومة جنت أرباحا تقدر بأكثر من 123 مليون دولار من التجارة في الذهب خلال الأعوام القليلة الماضية. وحسب "فورين بوليسي" فإن قيمة الذهب المهرب خلال الفترة 2010-2014 تقدر بحوالي 4.5 مليارات دولار.
في السياق نفسه، قال أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة، حامد التجاني، في تصريحات صحافية سابقة، إن قوات الدعم السريع راكمت أموالا ضخمة من خلال مصادرها المتعددة لتمويل نفسها في ظل غياب المحاسبة والمراجعة المالية من قبل الدولة.
وفي المقابل، يقول الاقتصادي السوداني، أحمد محمد الشيخ، إن أموال المؤسسة العسكرية تتمتع بنظام مالي متقدم كثيرا على أنظمة الدولة لما تمتلكه من شفافية ومراجعة لوجود ضباط ماليين في كل وحدة، كما أنها تخضع لرقابة شديدة أكثر من الرقابة المدنية، وهي ذاتية الاستثمار. وأضاف أن هذه الشركات تلعب أدوارا اقتصادية كبيرة لأنها تعتبر جزءا من الدولة.
ويعدد الشيخ مصادر أموال تلك الشركات بالاستثمارات في الأراضي ومشاركات المصانع ومواد الإنتاج، حيث تتدخل بعض المصانع لإنقاذ الأسعار في حال الارتفاع الكبير، إلا أن هذا الأمر مفقود في السودان الآن.
ومن جانبه، يؤكد الاقتصادي الفاتح عثمان، أن الذي يحدث حاليا هو أن قيادة القوات المسلحة والدعم السريع ستجد نفسها مضطرة لأن تضع كافة إمكاناتها في خدمة الدولة، نظرا لأنهم سيكونون مجبرين على وضع أموالهم في خدمة الدولة في حال استمرار الأزمة السياسية فترة طويلة، بعكس ما كان في السابق إذ كانت تستثمر لصالح أجهزتهم. ويقول: "من الطبيعي أن تضع مقدراتها لصالح الاقتصاد، لكن المطلوب هو ضرورة بناء اقتصاد سوداني تجمع فيه كافة المقدرات لأيّ مؤسسة لربطها باقتصاد البلاد بشكل محكم".