شح الأسواق التصديرية يهدّد إسمنت الجزائر بالكساد

13 يوليو 2022
معمل "لافارج هولسيم" يُنتج أكثر من 8 ملايين طن إسمنت سنوياً (فرانس برس)
+ الخط -

تخوض مصانع الإسمنت في الجزائر معركة حقيقية في ظل المنافسة الشرسة في السوق المحلية، تزامنا مع مساع تبذلها الحكومة لتطوير استراتيجية هذا القطاع من خلال وصول إنتاج الجزائر من مادة الإسمنت إلى 50 مليون طن سنوياً بحلول عام 2025، مقابل إنتاج حالي من هذه المادة المهمة لقطاع البناء والتشييد يراوح بين 25 و30 مليون طن سنوياً، فيما يبلغ الطلب المحلي 22 مليون طن، وهو ما يجعل بوصلة الحكومة تتوجه نحو تعزيز الصادرات من أجل تسويق الفائض.

وانتقل عدد مصانع الإسمنت من 3 إلى 19 مصنعاً، موزعة عبر كافة أرجاء التراب الوطني، إذ تجاوز إجمالي إنتاجها 32 مليون طن في عام 2021. وينشط في إنتاج الإسمنت حالياً 4 متعاملين اقتصاديين يأتي في صدارتهم المجمع الصناعي لإسمنت الجزائر "جيكا" بقدرة إنتاجية تقارب 13 مليون طن سنويا، ثم يليه في المرتبة الثانية المتعامل الأجنبي "لافارج هولسيم"، الذي ينتج أكثر من 8 ملايين طن سنوياً، متبوعاً بمتعاملين جزائريين ناشطين في القطاع الخاص.

وتحول فائض إنتاج الإسمنت إلى مأزق كبير للمصانع المنتجة داخل الجزائر في ظل تشبع الأسواق ومواجهة صعوبات في التصدير، بينما ليس بمقدروها إيقاف خطوط منتجة للحد من تكدس المنتجات، خشية تحملها تكاليف مرتفعة جراء إعادة هذه الخطوط إلى العمل من جديد في فترات لاحقة.

ورغم تحول الجزائر في السنوات الأخيرة من بلد مستورد للإسمنت إلى منتج له، فإنّ هذه الميزة تحولت إلى أزمة في ظل فائض الإنتاج الذي برز في الآونة الأخيرة، حين وصلت الطاقة الإنتاجية إلى نحو 32 مليون طن خلال العام الماضي، بعدما كانت 20 مليوناً في عام 2015.

مسؤول المديرية العامة لترقية الاستثمار في وزارة الصناعة بشير عرباوي عزا في تصريحات لـ"العربي الجديد"، فائض الإسمنت هذا إلى ارتفاع الطاقة الإنتاجية في ظل زيادة عدد المصانع، بعدما فتحت الحكومة في السنوات الأخيرة باب الاستثمار في هذا القطاع، بعدما كانت تحتكره شركة عمومية واحدة تابعة للدولة على مدى عقود ماضية.

وأوضح عرباوي أن عدد المصانع وصل إلى 19 مصنعاً في آخر سنة 2021، محذراً من أنّ "المصانع بدأت تسجل تراجعاً في المبيعات، وهناك أزمة حقيقية جراء وفرة الإنتاج، الأمر الذي يستدعي تدخل الحكومة".

ودفع ارتفاع إنتاج الإسمنت الحكومة في مطلع 2018، إلى رفع الحظر المطبق منذ أكثر من 20 عاماً على تصدير هذه السلعة، بعدما حققت توازناً بين العرض والطلب، وذلك بتصدير أول شحنة إلى السوق الأوروبية في إطار عقد يقضي بتصدير 200 ألف طن من الإسمنت موزعة على عدة شحنات إلى بلدان القارة العجوز.

وتتواصل عمليات التصدير منذ ذلك الحين حتى الآن، لكن على نحو متقطع وبكميات متفاوتة، إلى دول جوار الجزائر، خاصة الساحل، عبر المنافذ البرية، ما يعني بالتالي غياب أسواق مستقرة للإسمنت الجزائري الفائض عن الاستهلاك المحلي.

وأفاد مدير ترقية الصادرات في وزارة التجارة محمد سويغار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأنّ "الجزائر تسعى إلى تسويق 20 مليون طن من فائض الإسمنت، بمجموع عائدات تلامس 900 مليون دولار سنويا"، مضيفاً: "نحن الآن بلغنا 35% من الهدف، ونثابر من أجل بلوغ الهدف كاملاً السنة القادمة، بإزالة العقبات والمشاكل التي تقف أمام تحقيقه".

وعن طبيعة الأسواق المستهدفة، كشف سويغار أنّ "أفريقيا هي الوجهة الأولى، خصوصاً النيجر ومالي وموريتانيا عبر المنافذ البرية، ودول أفريقيا الوسطى وجنوبها عبر المنافذ البحرية".

وتابع: "الآن، نحن في مرحلة كسب الأسواق من دون دراسة مردوديتها، كما سيتم تصدير شحنات نحو ليبيا في سياق مشاريع إعادة إعمارها، وموريتانيا عبر الخط البحري الجديد الذي يربط البلدين، كما نبحث عن دول أوروبية مثل سلوفاكيا وبلغاريا ودول الجنوب الأوروبي كونها الأكثر قرباً والأقل كلفة في النقل، رغم ارتفاع المنافسة مع الإسمنت المحلي هناك والتركي في شرق القارة".

ولفت إلى أنّ "المجمع الصناعي للإسمنت (جيكا) يسعى إلى تصدير ما بين 1.5 ومليوني طن من إنتاجه سنة 2022، كما سيصدّر منتجات أخرى، كالحجر الجيري والجبس".

من جانبه، أشار رئيس جمعية المصدرين الجزائريين علي باي ناصري إلى أنّ "الجزائر لا يمكنها أن تصدر أكثر من مليوني طن سنوياً، نظراً لضعف شبكة النقل وعدم وجود سكك حديدية للشحن من مناطق الإنتاج في المحافظات المختلفة"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ عدم منافسة أسعار المنتجات الجزائرية مثيلاتها في الأسواق العالمية بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج يشكل عائقا آخر أمام الصادرات.

وسجلت البلاد فائضاً في الميزان التجاري خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2022، مسجلة بذلك قفزة كبيرة مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، إذ بلغ الفائض النهائي 1.97 مليار دولار مقابل عجز قدره 959 مليون دولار في الفترة نفسها من العام الفائت.

ويعود هذا الفائض إلى زيادة إجمالي الصادرات 37.8%، بما في ذلك صادرات المحروقات التي زادت 32%، في حين نمت الصادرات غير المتعلقة بالطاقة 83%، بحسب أرقام وزارة التجارة الجزائرية.

المساهمون