شبح أزمة الغاز يلازم مصر... مستحقات شركات الطاقة تؤجل الإنتاج

02 يناير 2025
محطة كهرباء في القاهرة (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تأجيل إنتاج الغاز من حقل "ظهر" يثير مخاوف من أزمة انقطاع الغاز وتأثيرها السلبي على قطاع البتروكيماويات وشركات الأسمدة في مصر، مما يؤدي إلى تراجع الإنتاج وتآكل الأرباح.
- الحكومة المصرية تتعهد بسداد 1.5 مليار دولار لشركة "إيني" لإصلاح الآبار وزيادة إنتاجية الغاز، وتسعى لزيادة واردات الغاز من إسرائيل بنسبة 17% لمواجهة الطلب المتزايد.
- تواجه مصر تحديات في تلبية احتياجات الغاز، مع تراجع إنتاج "ظهر"، مما يدفعها لشراء الغاز من إسرائيل واقتراض الدولار لتمويل الغاز المسال، بهدف زيادة الإنتاج إلى 6 مليارات قدم مكعبة يومياً.

تسببت شركة الطاقة الإيطالية "إيني" في صدمة عنيفة للقطاعات الإنتاجية في مصر المعتمدة على الغاز، وكذلك المتعاملين في سوق الأوراق المالية، إثر إخطارها الحكومة المصرية بتأجيل إنتاج 220 مليون قدم مكعبة من الغاز يومياً من حقل "ظهر" في البحر المتوسط شمال البلاد، إلى مايو/أيار المقبل، بدلاً من منتصف يناير/كانون الثاني الجاري. وجاء القرار المباغت إثر حصول شركات النفط على 3.5 مليارات دولار تمثل نحو 70% من مديونية وزارة البترول للشركاء الأجانب.

وتعهدت الحكومة بسداد 1.5 مليار دولار على أقساط ربع سنوية، لشركة "إيني" خلال العام الجاري، مقابل إعادة إصلاح الآبار المعطلة في "ظهر" منذ نهاية 2023، والإسراع في حفر 3 آبار، تضمن رفع إنتاجية الغاز بنسبة 15%، خلال الربع الأول من 2025. وأصاب قرار الشركة الإيطالية مخاوف من عودة أزمة انقطاع الغاز عن قطاع البتروكيماويات وشركات الأسمدة، التي أدت إلى تعطل الإنتاج في شركات أبوقير للأسمدة وسيدي كرير للبتروكيماويات و"موبكو" و"كيما أسوان" عدة مرات خلال العام الماضي، مع تراجع الإنتاج وتآكل الأرباح في الشركات، من جراء لجوء الحكومة إلى رفع أسعار الغاز للمصانع، وتحصيل فواتير الغاز بالدولار من المصانع الواقعة في المناطق الحرة.

ويتخوف أن تطاول التداعيات أيضاً أسهم شركات البتروكيماويات في البورصة المصرية. وقالت خبيرة التمويل والاستثمار، حنان رمسيس، إن قرار "إيني" أثار الرعب بين المتعاملين على أسهم قطاع الكيماويات الذي يعد من القطاعات المهمة في البورصة. وتحظى أسهم الشركات المنتجة للأسمدة والبتروكيماويات بإقبال واسع، ومثلت نحو 30% من صفقات الاستحواذ للشركات المقيدة في البورصة خلال عام 2024.

وتشمل الشركات المقيدة، أبوقير للأسمدة وموبكو ومصر لصناعة الكيماويات. وأشارت إلى التأثير السلبي لأزمة الغاز على قطاع الأسمدة والبتروكيماويات، عندما انقطعت موارد الغاز بسبب المشاكل الفنية في حقل "ظهر" الصيف الماضي، والذي أدى إلى انخفاض سعر سهم شركة موبكو ليصل إلى أدنى مستوى له، عند 37 جنيهاً (0.72 دولار) بعد تقسيمه، مع زيادة الضغوط البيعية على سهم أبوقير للأسمدة للمستثمرين العرب، الذي تراجع من 105 جنيهات إلى 48 جنيهاً.

وأوضحت خبيرة التمويل والاستثمار أنه كلما انخفضت إمدادات الغاز، تتوقف خطوط إنتاج الشركات عن العمل، بما يؤثر سلباً على الإنتاج والطاقة والتصدير، ويدفع نحو تراجع الأسهم التي تشهد مبيعات، خاصة من قبل المستثمرين العرب والأجانب الذين تعرّضوا لخسائر تزيد عن 60% من قيمة محافظهم المالية، مؤكدا أن بعض الأفراد والمستثمرين اتجهوا إلى بيع أسهم بخسارة وقرروا العودة للتداول في البورصة مرة أخرى، بينما فضّل آخرون الاستثمار في العقارات والذهب.

وتتزايد مخاوف المتعاملين في السوق مع وجود ارتباك في إمدادات الغاز المسال من الخارج خلال شهر يناير/كانون الثاني الجاري، وهو ما دفع الحكومة إلى طلب زيادة الغاز الإسرائيلي للشبكة المصرية بنحو 17%، بحجم 170 مليون قدم مكعبة يومياً، مع بداية هذا الشهر، ترتفع إلى 25% قبيل فصل الصيف المقبل. وتعمّق الأزمات الجيوسياسية من مخاطر وصول واردات الغاز المسال وفقا لجداول زمنية.

وتُرجع مصادر مطلعة قرار "إيني" تأجيل الإنتاج المقرر إلى عودة خلافاتها مع وزارة البترول، حول دفع المستحقات المالية المتأخرة، ورفض الحكومة السماح بتصدير حصتها من الإنتاج التي تمثل 60% من الإنتاج اليومي في حقل "ظهر" إلى الأسواق الدولية، للاستفادة من ارتفاع أسعار النفط في فصل الشتاء خاصة إلى أوروبا. وطلبت الشركة الإيطالية، بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي، من وزارة البترول سداد 300 مليون دولار، لدفع مستحقات مقاولي الباطن الذين يعملون على حفر 3 آبار في حقل ظهر، قبل الشروع في تنفيذها، ولم تتلق موافقة هيئة البترول بالسداد حتى أمس، وفقا لمصادر بإدارة المشروعات في الهيئة.

وبدأ حقل ظهر إنتاجه عام 2017، ويقدّر احتياطيه المؤكد بنحو 30 تريليون قدم مكعبة، تراجع إنتاجه من مستوى 2.7 مليار قدم مكعبة يومياً عام 2022 إلى 1.9 مليار 2023، ليستقر عند 1.5 مليار قدم مكعبة حالياً، بانخفاض يصل إلى 42% من ذروة الإنتاج عند بداية تشغيله تجارياً عام 2020.

وتستهدف الحكومة زيادة إنتاج الغاز بنحو 500 مليون قدم مكعبة يومياً بحلول مارس المقبل، لردم الهوة بين الإنتاج المتراجع عند 4.3 مليارات قدم مكعبة يومياً، بينما ارتفع الطلب إلى 6.3 مليارات مكعب، ما يدفع الحكومة إلي شراء 25% من احتياجاتها اليومية من الغاز من إسرائيل، واقتراض الدولار لتمويل شراء الغاز المسال من الأسواق الدولية، لمواجهة الطلب على الكهرباء، والوفاء بالحد الأدنى من احتياجات قطاع الأسمدة والبتروكيماويات. وتأمل الحكومة زيادة إنتاج الغاز الطبيعي إلى 6 مليارات قدم مكعبة يومياً بنهاية العام الجاري، وفقا لتصريحات كريم بدوي وزير البترول.

ورغم قلق قطاعات الإنتاج المختلفة من قرار "إيني" تأجيل الإنتاج، أشار مصدر في وزارة الكهرباء، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى عدم تأثر محطات توليد الكهرباء بتراجع إنتاج "إيني" خلال فصل الشتاء، لتراجع استهلاك الكهرباء في المصانع والمنازل، حتى نهاية مارس المقبل، حيث يتراوح الاستهلاك اليومي بين 28 ألفا و30 ألف ميغاواط، بينما يبدأ الاستهلاك في الارتفاع مع حلول إبريل، ليصل إلى ذروته في شهري يوليو وأغسطس عند 38 ألف ميغاواط يومياً.

حولت أزمة الغاز مصر الذي أنتج 81% من احتياجات المستهلكين للكهرباء عام 2023، و76.8% عام 2024، إلى مستورد صافي للمنتجات النفطية والغاز، الذي أصبح مصدراً كبيراً للنفقات للموازنة العامة، ومعاناة الدولة من انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، زادت حدتها طوال الصيف الماضي، مع تقلص إنتاج النفط ومحدودية مصادر الطاقة الجديدة، بما جعل شركات الأسمدة والسيراميك ومواد البناء، توقف العمليات التشغيلية بشكل متكرر، وغير قادرة على الوفاء بحصص التصدير والتوزيع في السوق المحلي.

المساهمون