سورية أمام أزمة محروقات جديدة: خفض كمية البنزين يرفع أجور النقل

10 ابريل 2022
مشكلات تواجه سائقي السيارات العمومية (Getty)
+ الخط -

تشهد أسعار السلع والمواد الغذائية في مناطق سيطرة النظام ارتفاعاً مستمراً منذ بدء شهر رمضان، ليأتي قرار تأخير استلام رسائل البنزين ويزيد الواقع المعيشي سوءا ويحمَّل السكان في دمشق أعباء مالية جديدة جراء تنقلاتهم اليومية.

وفي الخامس من نيسان/إبريل الجاري عدَّلت الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية "محروقات" التابعة للنظام مدة تسلم مادة البنزين بـ10 أيام للسيارات الخصوصية، و6 أيام للسيارات العمومية، و10 أيام للدراجات النارية، بعدما كانت المدة 7 أيام للأولى، و4 أيام للثانية، و7 أيام للثالثة.

وذكرت الشركة في صفحتها على "فيسبوك" أن كميات التعبئة بقيت كما هي دون أي تعديل، لكن سائقو سيارات عامة في دمشق أكدوا لـ"العربي الجديد" انخفاض الكميات المعبأة بموجب القرار الجديد. 

يقول سالم (45 عاماً) وهو سائق سيارة أجرة ضمن دمشق لــ"العربي الجديد": "كنا نعبي بنزين كل شهر 7 مرات وبعد القرار أصبحت 5 مرات، أي خسرنا 50 لتراً شهرياً". ويضيف، "تخيل 25 لتر بنزين لمدة عشرة أيام وهي لا تكفي ليوم عمل واحد". 

ويوضح سالم أن هذا القرار سيخرج الكثير من السيارات العامة (التاكسي) عن العمل جراء تخفيض الكميات، وعجز أغلب السائقين عن شراء البنزين بالسعر الحر من السوق السوداء، نظراً لأن المحطات تمتنع عن تعبئة السيارات العامة بالبنزين غير المدعوم وفقاً لقرار صادر في العام 2020. 

ويشير السائق الأربعيني إلى أنَّ من يستطيع تأمين بنزين السوق السوداء من أصحاب السيارات العمومية سيتقاضى ضعف ما كان يأخذه قبل صدرور القرار، وإلا فإنه سيعمل بخسارة كبيرة. 

بينما يرى محمد المنجد (32 عاماً) وهو سائق سيارة أجرة (تاكسي) أنَّ "رسائل البنزين كانت تتأخر قبل صدور هذا القرار ونادراً ما كانت تأتي الرسالة كل سبعة أيام". ويقول "صدور القرار ربما يمهد لرفع سعر البنزين المدعوم بحجة توفيره في السوق عبر البطاقة الذكية". 

وتوزع المحروقات عبر البطاقة الذكية وفقاً لقرار وزارة النفط والثروة المعدنية التابعة للنظام منذ العام 2018 وتشرف شركة "محروقات" على هذا الأمر.  

ويباع لتر البنزين المدعوم بــ 1100 ليرة سورية، وغير المدعوم 2500 ليرة، وبنزين "أوكتان 95" بـ3 آلاف ليرة، في حين تجاوز سعر لتر البنزين العادي في السوق السوداء الستة آلاف ليرة. 

وتشهد دمشق أزمة مواصلات خانقة وسط نقص المحروقات وامتناع العديد من سائقي السرافيس (وسائل نقل عمومية) عن العمل مقابل بيع مخصصاتهم الشهرية من مادة المازوت بالسوق السوداء وبأسعار مرتفعة. ويأتي قرار تخفيض كميات البنزين بعد موجة غلاء غير مسبوقة في أسعار المواد الغذائية والمواد الأساسية عامة؛ ما زاد من معاناة السوريين المعيشية.

بينما كانت نور أبو فاضل (37 عاماً) وهي أم لطفلين تستقل تاكسي الأجرة من منزلها الكائن في منطقة المزة بدمشق إلى منزل عائلتها في حي باب سريجة بــ7500 ليرة، أصبحت اليوم مضطرة لدفع 12 ألف ليرة مقابل وصولها. 

تقول لـ "العربي الجديد" "زوجي مسافر وأنا أعمل في قطاع خاص وأسبوعياً أذهب لمنزل عائلتي وكنت أدفع شهرياً حوالي الــ 60 ألف ليرة مواصلات". وبعد هذا القرار باتت مضطرة لدفع حوالي 100 ألف ليرة. 

وعلى غرار سالم، يبرر أصحاب سيارات عامة في العاصمة دمشق في حديثهم لـ "العربي الجديد" رفع أجورهم بأنهم يشترون البنزين من السوق السوداء بسعر مرتفع، ما يضطرهم لرفع أجورهم بما يتناسب مع تكلفة لتر البنزين عليهم. إذ يبلغ سعر "تنكة" البنزين بالسوق السوداء 120 ألف ليرة، في حين تُباع بالسعر المدعوم بــ22 ألف ليرة. 

ويرى خبراء اقتصاديون أنَّ قرار تأخير رسائل البنزين، - أو بمعنى أدق تقليل الكميات المعبأة شهرياً للسيارات - سيساهم في ازدهار السوق السوداء للبنزين خصوصاً في ظل نقص التوريدات بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. 

ويعزو الاقتصادي يونس كريم في حديث مع "العربي الجديد"، انخفاض كميات المحروقات بسبب العقوبات الغربية وتوقف المانحين عن إكمال برامجهم حول سورية، ما سيؤدي لانتعاش السوق السوداء للمحروقات كبديل عن محروقات النظام ولكن بأسعار مرتفعة. 

وفي السادس من نيسان/ أبريل توقفت محطات وقود (السومرية والعباسين والجلاء) بدمشق عن تزويد السيارات بالبنزين "أوكتان 95" بعد توقف شركة محروقات عن تزويدها بالوقود. 

ويرجع الاقتصادي يونس كريم  تخفيض كميات البنزين إلى عدم "وجود مخزون من المحروقات لدى النظام نتيجة توقف الشحن من مناطق الإدارة الذاتية إلى مناطق النظام عن طريق القاطرجي والتي تقدر بحوالي عشرة آلاف برميل بسبب الاشتباكات بين قسد والنظام". 

ويتابع كريم: "روسيا رفضت بيع تجار سوريين النفط إلا عبر الدفع المباشر بالدولار وهذا ما لا يتوفر لدى التجار حالياً". ويضيف أن بنية النظام غير المتماسكة حالياً من الناحية الاقتصادية نتيجة الغلاء أدت بالتجار إلى التوقف عن استيراد المحروقات لانعدام قدرة السكان الشرائية". 

كما أن "لبنان لم يعد يؤمن كميات من المحروقات عبر الشحنات الإيرانية والتي تدعم النظام بحصة منها ما دفع لانخفاض كميات النفط المكرر لديه"، يقول كريم. ويتوقع ارتفاع الأسعار بشكل كبير وانعكاس ذلك سلباً على قدرة السكان على التنقل والعمل وتأمين السلع وحتى القيام بالأعمال واستمرار المهن نتيجة رفع كلفة الإنتاج. 

وصنّفت الأمم المتحدة، سورية من بين أكثر 10 دول تعاني من انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم. وقالت إنَّ "12 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي". وجاء ذلك في إحاطة لها في مجلس الأمن الدولي عقدت في 22 فبراير/ شباط، عن خطورة الوضع في سورية.

المساهمون