لماذا يغادر آلاف السعوديين الوظائف الحكومية؟

19 يوليو 2024
السعوديون انفتحوا على العمل في مختلف القطاعات (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -

في الربع الأول من العام الجاري، شهدت السعودية ظاهرة لافتة تتمثل في مغادرة 11 ألف مواطن الوظائف الحكومية بحسب إحصاء وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، من بينهم أحمد الغامدي، الذي كان يعمل في وزارة التربية والتعليم، وقرر ترك وظيفته والانخراط في عمل استثماري خاص به.

أحمد ليس حالة فردية، حسبما رصدت "العربي الجديد"، إذ يمثل هذا العدد الكبير من الموظفين المغادرين مؤشراً يستدعي دراسة الدوافع والأسباب، وعلى رأسها "التقاعد المبكر".

فالعديد من الموظفين يسعون إلى بدء مشاريع استثمارية خاصة بهم، في ظل التطورات الاقتصادية المتسارعة بالمملكة، وهو ما اعتبره خبيران اقتصاديان سياقاً إيجابياً يدعم الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص عمل جديدة وزيادة الإنتاجية، بحسب إفادة خاصة لـ "العربي الجديد".
كما يمثل البحث عن فرص توظيف في القطاع الخاص سبباً آخر لموجة الخروج من الوظائف الحكومية بالسعودية، التي تتبنى سياسات رؤيتها لعام 2030 تحسين أداء القطاعين العام والخاص.

ووفقاً لدراسة أجرتها غرفة الرياض التجارية في مارس/آذار الماضي، فإن القطاع الخاص في السعودية يضم 11.2 مليون موظف، منهم 2.3 مليون سعودي، ما يسلط الضوء على التحدي المزدوج الذي تواجهه المملكة: تحفيز انتقال الكفاءات من القطاع العام إلى الخاص، مع ضمان استمرار عملية "سعودة" الوظائف.

الوظائف الحكومية والتقاعد المبكر

يشير الخبير الاقتصادي، محمد الناير، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن خروج 11 ألف موظف حكومي بالسعودية من وظائفهم في الربع الأول من العام الجاري يعود إلى عدة أسباب، منها التقاعد المبكر.

وتتنوع أسباب التقاعد المبكر بين السياسات والقرارات الحكومية من جانب ورغبة الموظف في بدء عمل استثماري أو خاص من جانب آخر، حسبما يرى الناير، معتبرا سياقاً كهذا إيجابياً إذا اتجه الموظف نحو امتلاك مشروع استثماري أو عمل خاص، حيث يفيد الاقتصاد والإنتاج ويوفر فرص عمل جديدة، بما يضيف قيمة للاقتصاد بشكل عام.
ويشير الناير إلى أن البحث عن فرص توظيف في القطاع الخاص يمثل سبباً آخر للتقاعد المبكر في السعودية، وهو أمر إيجابي أيضاً، ومع ذلك يتطلب هذا الاتجاه إعادة النظر في بيئة العمل والضوابط المرتبطة بها، بما في ذلك التدريب والتأهيل الداخلي والخارجي، وغيرها من العوامل التي تحفز الموظف العام على أداء واجباته، حسب رأيه.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أهمية توفير دخل مناسب للموظف العام في السعودية، بما يلبي احتياجاته الأساسية، مشيرا إلى ضرورة دراسة الحكومة للعوامل المؤثرة على قرار الموظفين بترك وظائفهم الحكومية، لضمان توفير بيئة عمل ملائمة تدعم الاستقرار.


تغييرات جوهرية

من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي، حسام عايش، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن سوق العمل السعودية تشهد تغييرات جوهرية في إطار رؤية 2030، حيث تتبنى المملكة سياسات جديدة تهدف إلى تحسين أداء القطاعين العام والخاص.
ويوضح عايش أن هذه التغييرات تشمل عمليات دخول وخروج الموظفين من الوظائف الحكومية، وهو أمر طبيعي في ظل ظروف التقاعد والتقييم ومتطلبات العمل الحكومي الجديدة.
ويضيف الخبير الاقتصادي أن أسباب ترك الوظائف تتنوع بين العجز الصحي والوفاة والاستقالة، وفي بعض الحالات عدم الصلاحية الوظيفية، لافتا إلى أن معظم المغادرين من وزارتي التربية والصحة، ما يشير إلى أن ظروف خروجهم يفترض أن تكون طبيعية.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن السعودية تعتمد بشكل كبير على العنصر البشري لتحقيق رؤية 2030، ما يستدعي تغييرات وتطويرات في الأداء الوظيفي ونوعية العاملين، مشددا على أن الوظيفة لم تعد ملكاً للموظف مدى الحياة، بل أصبحت خاضعة لمعايير التقييم والإنتاجية والمهنية والمهارات.
ويشير عايش إلى أن هذه التغييرات تهدف إلى خلق بيئة عمل محفزة ورفع مستوى الإنتاجية في القطاع الحكومي، مضيفا أن هناك توجهاً نحو توطين معايير علمية أكثر دقة في التقييم والتوظيف، ما يعني تغييراً في ثقافة العمل الحكومي من مجرد الدوام الشخصي إلى العمل المنتج والقابل للتقييم.
ويلفت الخبير الاقتصادي الانتباه إلى أن معدل البطالة بين السعوديين وصل إلى حوالي 7.7%، وهو قريب من المعدل المنشود في رؤية 2030 البالغ 7%، مشيرا إلى أن القطاع الخاص في السعودية يضم عدداً كبيراً من الموظفين، يصل إلى 11.2 مليوناً، منهم 2.3 مليون سعودي.
ويرى عايش أن هناك إمكانية لإخراج القوى العاملة غير السعودية من القطاع العام لتوفير فرص وظيفية للسعوديين، ويؤكد أن رسالة خروج السعوديين من القطاع العام مزدوجة للقطاعين العام والخاص حول نوعية إشغال الوظائف وضرورة المضيّ قدماً في سعودة القطاع الخاص.
ويحذر الخبير الاقتصادي من أن 42% من مصروفات الموازنة السعودية تذهب للرواتب والأجور، وهو ما حذر منه صندوق النقد الدولي مراراً، ويشير إلى أن هذا الأمر، إلى جانب تراجع أسعار النفط، قد يكون من أسباب العجز في الموازنة.
ويتوقع الخبير الاقتصادي أن يكون القطاع الخاص السعودي مهيأ، خلال السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة، لاستقبال أعداد كبيرة من السعوديين على حساب الموظفين الوافدين والأجانب، مشددا على ضرورة أن يكون هذا القطاع قادراً على لعب الدور الاقتصادي المطلوب منه كرديف للقطاع النفطي وكقصة نجاح للتنمية الاقتصادية، معتمداً على القوى والموارد البشرية المؤهلة.

المساهمون