استمع إلى الملخص
- يعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادة منذ 2019، مع فقدان الليرة 97% من قيمتها وارتفاع التضخم، مما أدى إلى تدهور المعيشة ودفع 80% من السكان تحت خط الفقر، مع نسبة دين إلى الناتج المحلي 300%.
- يتطلب الخروج من الأزمة تشكيل حكومة جديدة لبدء مفاوضات مع الدائنين وصندوق النقد الدولي، مع مراقبة إسرائيلية لتحركات السندات كمؤشر على مسار الحرب.
ارتفعت قيمة سندات لبنان الدولارية بنسبة 40% في الأسبوعين الأخيرين، بعد الضربات التي تلقاها حزب الله والدخول البري للجيش الإسرائيلي إلى جنوبي البلاد. في الواقع، بدأ انعطاف الأسعار في 25 سبتمبر/أيلول الماضي، وهو اليوم الذي امتد فيه إطلاق النار إلى وسط البلاد.
وفق صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية، في بعض الأحيان تكون أسواق رأس المال أول من يدرك التغيرات الاقتصادية الإيجابية نتيجة للظروف الصعبة. في بداية عام 1942، في ذروة الحرب العالمية الثانية، عندما حققت ألمانيا انتصارات في أوروبا وتغلب اليابانيون على الولايات المتحدة، بدأت أسواق رأس المال العالمية في الارتفاع بشكل مستمر، تحسباً لدخول الولايات المتحدة الحرب، مما سيؤدي إلى هزيمة ألمانيا كما حدث بعد ثلاث سنوات.
وفي تقدير "غلوبس"، من المحتمل أن يكون هناك تحرك مماثل يحدث حالياً في سندات حكومة لبنان، التي تعاني من إعسار شديد، وهو ما قد يشير إلى إسرائيل بتغييرات في مؤشراتها الاقتصادية.
فما الذي دفع المستثمرين في لبنان إلى تغيير اتجاههم؟ يتطلع المستثمرون إلى ما هو أبعد من الدمار الناجم عن الحرب، نحو استقرار قريب في البلاد. وتجري الزيادة في أسعار السندات في دورات تداول منخفضة، وحتى بعد ذلك يجري تداول السندات بنسبة 9 سنتات فقط للدولار. هذا السعر يعكس عدم وجود فرصة لسداد السند، ولكن يحمل في طياته توقع تسوية الديون التي سيجري فيها استلام سندات جديدة قد تصل قيمتها الاقتصادية إلى حوالي 20 سنتاً إلى الدولار، وذلك في إطار الترتيبات الاقتصادية وتدفق الأموال من برامج المساعدات، نيابة عن الجهات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، والاستثمارات لإعادة إعمار لبنان.
في الماضي، كان أحد مصادر التمويل بالدولار، الأكثر موثوقية في البلاد، يأتي من ملايين اللبنانيين الذين عملوا في الخارج وأرسلوا الأموال إلى وطنهم، ومع ذلك، انخفضت هذه التحويلات بشكل حاد منذ عام 2011.
وفي الوقت نفسه، لم يقدم المانحون الأجانب المساعدات الموعودة، وهربت الدولارات السائلة القليلة المتبقية من لبنان، وجمدت البنوك عشرات المليارات من الدولارات من الودائع بالعملة الأجنبية، مما أدى إلى إفلاس الحكومة والبنوك، وانهيار العديد من الشركات والأسر.
منذ عام 2019، فقدت الليرة اللبنانية نحو 97% من قيمتها مقابل الدولار، بينما قفز التضخم وانخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى النصف بين عامي 2019 و2021، وتم دفع أكثر من 80% من السكان إلى ما دون خط الفقر.
ووصلت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان إلى معدل قياسي بلغ حوالي 300% حتى نهاية عام 2022. مثل هذه النسبة المرتفعة من الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تعني أنه من المستحيل سداد الدين، وسيتطلب الأمر تسوية صارمة لمحو الغالبية العظمى منه. وسبق أن تخلف لبنان عن السداد في مارس /آذار 2020، عندما تخلف عن سداد ديونه، وتعثرت سندات الدولة البالغة نحو 30 مليار دولار.
انعكاسات الوضع في لبنان
وتوقف لبنان عن نشر البيانات الاقتصادية الرسمية منذ عام 2023 مع استمرار التدهور الاقتصادي، لذا فمن المرجح أن تكون نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي اليوم أعلى بكثير. حتى إن شركة التصنيف فيتش توقفت عن تصنيف البلاد في يوليو/ تموز من هذا العام، في ظل غياب المعلومات المالية الحالية، وهو ما يعكس انهيار مؤسسات البلاد.
إن البدء بالخروج من الأزمة يتطلب اختيار حكومة جديدة تفتح مفاوضات مع الدائنين وصندوق النقد الدولي، لصياغة الإصلاحات الاقتصادية والسياسية المطلوبة لتعزيز تسوية الديون، وضخ مليارات الدولارات اللازمة للمساعدات وفي استثمارات لإعادة الإعمار.
يبدو أن المراقبين الإسرائيليين يعولون على ما يحدث في لبنان لقراءة مسار الحرب وما بعدها، حيث تعتبر "غلوبس" الإسرائيلية أن أسعار سندات الحكومة اللبنانية قد تكون بالنسبة للمستثمرين الإسرائيليين مؤشراً على كيفية إدارة الحرب ونهايتها، ما قد يلقي بظلاله على تخفيضات التصنيف الأخيرة في إسرائيل، ويسمح بزيادة الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير، بطريقة تسمح بتخفيض الديون المتراكمة خلال الحرب بصورة تدريجية مع تقييد نسبة الدين إلى الناتج، وزيادة التصنيف.
لكن هذا السيناريو المتفائل، بحسب "غلوبس" لا يتجسد حالياً في أسعار السندات والأسهم الحكومية في بورصة تل أبيب، لكنه قد يبدأ بالتحقق مع تزايد بوادر ضعف حزب الله وإيران.