سر اهتمام روسيا والغرب بأوكرانيا... فتش عن المصالح

07 ديسمبر 2021
تظاهرات في كييف ضد الحكومة الأوكرانية تتهمها بمحاباة الرأسمالية (Getty)
+ الخط -

بينما يتجه الرئيس الأميركي جوزيف بايدن نحو عقد قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ستكون أوكرانيا من أهم بنود أجندتها، يثار السؤال، لماذا تؤجج أوكرانيا كلّ هذا الصراع بين الكتلة الغربية الرأسمالية التي تقودها الولايات المتحدة وأوروبا، وبين روسيا، وما هي أطماع موسكو في كييف، وما هي مصالح واشنطن في أوكرانيا؟

من الناحية الاقتصادية البحتة لا يبدو الاقتصاد الأوكراني كبيراً حتى يشكل أهمية بالنسبة لأوروبا أو للولايات المتحدة، لكنّه مهم بالنسبة للاقتصاد الروسي الصغير الباحث عن التوسع والأسواق والتمدد الجغرافي والنفوذ الجيوسياسي.

كما أنّ موسكو من الناحية الاستراتيجية تتخوف من انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "ناتو" إذ إنّ أوكرانيا ليست أرضاً جبلية، وإنما تتشكل تضاريسها من أرض منبسطة تسمح بمرور مباشر لقوات لحلف "ناتو" وبالعبور مباشرة إلى داخل روسيا.

وبالتالي تتخوف موسكو من محاصرتها عسكرياً، وتبعاً لذلك تعمل على تغذية الجماعات الانفصالية في مناطق شرقي أوكرانيا التي ترغب في الانفصال عن أوكرانيا.

أوكرانيا لم تتمكن من النمو الاقتصادي السريع والتحديث مثل بقية جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة التي انفصلت عنه وكونت دولاً مستقلة

على الصعيد الاقتصادي، يبلغ حجم الاقتصاد الأوكراني نحو 155.6 مليار دولار، حسب بيانات البنك الدولي لعام 2020، كما يبلغ دخل المواطن الأوكراني نحو 3.984 دولار سنوياً، حسب تقديرات البنك الدولي لعام 2021.
وأوكرانيا دولة ليست كثيفة السكان إذ يبلغ عدد سكانها 44 مليون نسمة، وتعد من الجمهوريات التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي قبل تفكك الإمبراطورية الشيوعية في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وهي من الدول التي عانت من صراع النفوذ السياسي بين الغرب وروسيا، وبالتالي لم تتمكن من النمو الاقتصادي السريع والتحديث مثل بقية جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة التي انفصلت عنه وكونت دولاً مستقلة.

وحسب تحليل بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، فإنّ أوكرانيا تقف حالياً في مفترق الطرق بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي.

وتضاعفت أزمة الاقتصاد الأوكراني خلال النصف الثاني من العقد الماضي بسبب الحرب الأهلية بين من يؤيدون الانضمام لروسيا في جنوب غرب البلاد وبين من يؤيدون بناء علاقة قوية مع روسيا في شمال شرق البلاد.

وبناء على هذه الخلفية، فإن معدل النمو الاقتصادي في أوكرانيا ظل ضعيفاً مقارنة بالدول المجاورة، إذ تمكن الاقتصاد الأوكراني عبر المساعدات المكثفة من واشنطن والدول الأوروبية من العودة للنمو خلال العام الجاري بعدما عانى في العام الماضي من الانكماش بنسبة 4%.

تعاني أوكرانيا من ارتفاع نسبة البطالة والفقر، خاصة في الشمال الشرقي المجاور لروسيا، إذ يرتفع المعدل إلى 10.9%

كما تعاني البلاد كذلك من ارتفاع نسبة البطالة والفقر، خاصة في الشمال الشرقي المجاور لروسيا، إذ يرتفع معدل البطالة في المتوسط إلى 10.9%، لكنه في مناطق دونباس و"جمهوريتي" دونتيسك ولوغانسك، شرقي أوكرانيا يرتفع إلى أعلى من هذا المعدل كثيراً، وفق بيانات البنك الدولي.

وكانت هاتان المنطقتان دونتيسك ولوغانسك انفصلتا عن كييف وكونتا جمهوريتين مستقلتين، لكنّ الحكومة الأوكرانية لم تعترف بهما. وتشجع موسكو الجماعات الانفصالية في شرق أوكرانيا بسبب أن بعضهم ترجع أصولهم إلى القومية الروسية ويتكلمون اللغة الروسية وثقافتهم روسية.

على صعيد أهميتها لأوروبا، كانت أوكرانيا حتى وقت قريب ذات أهمية استراتيجية لأوروبا، إذ إنّ معظم أنابيب الغاز الروسي التي تغذي أوروبا تمر عبر أراضيها، لكنّ أهميتها قلت في السنوات الأخيرة.

وكانت كييف تجني من رسوم مرور الغاز الطبيعي الروسي عبر أراضيها إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي دخلاً سنوياً يقدر بنحو 2.06 مليار دولار سنوياً حتى نهاية العام الماضي، حسب بيانات نشرة " آرغوس" الأميركية المتخصصة في الطاقة، لكن من المقدر أن ينخفض هذا المبلغ إلى 1.27 مليار دولار بين أعوام 2021 و2024.
وتستخدم موسكو سلاح الغاز الطبيعي في مناورتها مع أوروبا مع إضعاف الاقتصاد الأوكراني، منذ العام 2014 الذي غزت فيه شبه جزيرة القرم وتعرضت لعقوبات اقتصادية قاسية.

عملت موسكو على الضغط على الاقتصاد الأوكراني عبر تحويل مسار تصدير الغاز إلى أوروبا، عبر إنشاء خطوط أنابيب لا تعبر الأراضي الأوكرانية

وعملت موسكو على الضغط على الاقتصاد الأوكراني عبر تحويل مسار تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، عبر إنشاء خطوط أنابيب لا تعبر الأراضي الأوكرانية.

من بين هذه الأنابيب "نوردستريم 2" و" تركيش ستريم" وخط "يامال أوروبا " الذي يعبر إلى أوروبا عبر بيلاروسيا وبولندا ويتوزع من ألمانيا إلى أوروبا.

وتبلغ طاقة "يامال أوروبا" نحو 33 مليار متر مكعب، أوما يمثل نحو 20 % من إجمالي امدادات الغاز الروسي لأوروبا، وبالتالي، فإنّ روسيا أبطلت عملياً أهمية أوكرانيا في تجارة الغاز.

وكانت واشنطن ترفض الموافقة على خط أنابيب الغاز "نوردستريم 2" الذي يمد ألمانيا بنحو 55 مليار متر مكعب وما زال ينتظر الترخيص الأوروبي على الرغم من اكتماله.

ويلاحظ أن واشنطن منحت الموافقة لأنبوب "نوردستريم 2" بعد أن تعهدت ألمانيا بأنها لن تترك موسكو تتلاعب بالقرار الأوروبي ولن تدعها تستخدم الغاز لصالح مشاريعها التوسعية في أوكرانيا.

كما تعهدت أوروبا بتعويض أوكرانيا مالياً عن رسوم الغاز التي تفقدها الخزينة في كييف بسبب تحويل مسار أنابيب الغاز إلى أوروبا.

من الناحية التاريخية، تعود أزمة أوكرانيا إلى العام 2014، حينما غزت روسيا شبه جزيرة القرم في فبراير/ شباط وضمتها خلال شهر واحد فقط إلى روسيا في استفتاء جرى في مارس/ آذار 2014 لم تعترف به أوكرانيا.

تعهدت أوروبا بتعويض أوكرانيا مالياً عن رسوم الغاز التي تفقدها الخزينة في كييف بسبب تحويل مسار أنابيب الغاز إلى أوروبا.

وتمثل شبه جزيرة القرم موقعاً مثالياً للأسطول الروسي في البحر الأسود. وهنالك مخاوف من أن تشكل أوكرانيا بؤرة نزاع مسلح بين القوى الغربية وروسيا ما لم يتوصل الرئيسان الأميركي جوزيف بايدن والروسي فلاديمير بوتين المتحالف مع الصين إلى تفاهمات في اللقاء المرتقب.

المساهمون