وسّعت الحكومة اليمنية من اهتمامها وتحركاتها المكثفة مؤخراً للسيطرة على مورد رئيسي ظل طوال سنوات الحرب خارج إطار سيطرتها وإدارتها، في ظلّ ما تواجهه من أزمات اقتصادية زادت حدتها منذ مطلع العام الجاري، مع تشتت الموارد العامة وفقدان المورد الأول نتيجة توقف تصدير النفط والغاز.
واستكملت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات الترتيبات الفنية اليمنية مع المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية "عرب سات"، والمتعلقة بتقديم خدمات الإنترنت والاتصالات عبر الستالايت.
وأكد مصدر حكومي يمني، طلب عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً قررت العمل على استعادة أهم القطاعات العامة الإيرادية في إطار خطة شاملة تم وضعها للتصدي للأزمات الاقتصادية وتحريك القنوات الإيرادية، بما يؤدي إلى تفعيل الدورة النقدية وارتباطها بالبنك المركزي.
وقال المصدر إن خدمات الاتصالات تأتي في طليعة القطاعات الواعدة التي يجب استعادتها ووضع حد لهيمنة الحوثيين على هذا القطاع المهم، الذي تستنزف جماعة الحوثي موارده من أجل تمويل حربها ضد الحكومة الشرعية، مشيراً إلى أنّ الحوثيين يبسطون سيطرتهم على القطاع من خلال ابتزاز الشركات وفرض جبايات عليها.
وتصدرت عملية استعادة هذا القطاع وتطويره جدول أعمال الحكومة اليمنية في أحد اجتماعاتها الأخيرة، وهي من المرات القليلة التي تناقش الحكومة منذ تشكيلها مطلع العام الحالي خطط تنفيذية لتفعيل وتطوير قطاع الاتصالات.
ومن أبرز التقارير التي وقفت معها الحكومة ما يتعلق بخطة التفاهمات القائمة مع المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية "عرب سات" لتغطية الجمهورية اليمنية بالاتصالات والإنترنت عبر الأقمار الصناعية، وكذلك مع شركات الاتصالات في السعودية والإمارات وسلطنة عمان، ضمن الجهود المستمرة لتطوير القطاع.
ويتم الإعداد من قبل الجهات المعنية لإطلاق مشروع لتغطية مختلف المحافظات بخدمة الإنترنت، إذ يعمل فريق فني على تحديد المناطق التي ستتم تغطيتها في المرحلة الأولى.
ويعتقد المحلل الاقتصادي ياسر العزاني أن تفاهمات حلّ أزمة استيراد الوقود الأخيرة والتي جاءت برعاية دولية قادتها سلطنة عُمان، قد تمهد للاتفاق حول إدارة قطاعات اقتصادية عديدة، من بينها قطاع الاتصالات.
ويتطرق العزاني في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن توفر الوقود بكميات مناسبة في مختلف المناطق اليمنية يحل إحدى أهم الأزمات التي واجهتها شركات الاتصالات ومختلف الخدمات التي يقدمها هذا القطاع، إلى جانب الجهود الجارية لحل مشكلة الكهرباء في مناطق الواقعة افتراضياً تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً وهو ما يسمح بتطوير شبكات الإنترنت وخدمات الاتصالات الأخرى في مناطق الحكومة اليمنية.
بدوره، يقول الخبير في مجال الاتصالات، رمزي شيبان، إن قطاع الاتصالات يعاني من تهالك الشبكات وتردي خدماته، بينما أصبح عرضة فقط للاستغلال والابتزاز وليس للاستثمار والتطوير في أكثر القطاعات الاقتصادية الواعدة على مستوى العالم.
ويضيف شيبان لـ"العربي الجديد" أنّ اليمن يعاني من انخفاض معدل خدمات الاتصالات وارتفاع أسعار المكالمات الدولية التي تعد أعلى بكثير من المعايير الإقليمية، وكذلك تردي خدمات الإنترنت، ما يشكّل عائقاً رئيسياً أمام قطاع الأعمال، إضافة إلى أن معدل انتشار خدمات الهاتف النقال في اليمن لا تزال منخفضة ومتردية بحسب المعايير الدولية، وتتركز أساساً في المدن الرئيسية.
ويعاني المشتركون في خدمات الاتصالات من ارتفاع تكاليفها بشكل كبير وتدني جودة الخدمات والذي حد كثيراً من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مع وجود فجوة رقمية كبيرة بين المناطق الريفية والحضرية.
وتظهر بيانات حديثة صادرة عن وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات أن عدد المشتركين في خدمة الهاتف النقال في الجمهورية اليمنية يصل إلى نحو 18.6 مليون مشترك، تتصدرها شركة "يمن موبايل" الحكومية بنحو 7.4 ملايين مشترك، تليها "سبأفون" بنحو 6 ملايين مشترك، إذ كانت الشركة مملوكة لرجل الأعمال الشيخ حميد الأحمر، قبل انتقالها إلى رجال أعمال قبل بداية الحرب بفترة وجيزة، ومن ثم احتدام الصراع عليها وبسط الحوثيين السيطرة عليها.
وتأتي شركة "إم تي إن" في الترتيب الثالث بحوالي 4.9 ملايين مشترك، فيما واجهت شركة "وأي" آخر شركات الهاتف النقال المنضمة إلى السوق اليمنية في عام 2007 صعوبة في المنافسة مع تدني حصتها من المشتركين والذين لا يتجاوزون 1.5 مليون مشترك.
ويقدر تقرير صادر عن الشركة اليمنية للاتصالات خسائر قطاع الاتصالات جراء الحرب بنحو 100 مليار ريال (الدولار يعادل 1100 ريال في مناطق سيطرة الحكومة) نتيجة الاستهداف المباشر لأكثر من 500 موقع وشبكة اتصالات منها 333 محطة إرسال هوائية الخاصة بالتغطية لهواتف النقال التابعة لشركة "يمن موبايل" الحكومية والشركات الخاصة الأخرى. وتشمل الأضرار مباني وأبراجاً ومحطات وتجهيزات السنترالات.
ويضاف قطاع الاتصالات إلى العديد من المجالات التي يشتد الصراع بين الحكومة والحوثيين للسيطرة على مواردها، إذ طاول الصراع القطاع المصرفي والموانئ والرسوم الجمركية على الواردات وغيرها.
ويعيش اليمن على وقع تجاذبات مصرفية خطيرة تهدد بانهيار البنوك العاملة في البلاد، مع إصرار الحكومة على انتقال المراكز الرئيسية للبنوك من العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إلى عدن التي اتخذتها الحكومة عاصمة مؤقتة لها منذ نهاية عام 2016.
وحسب بيانات رسمية، يتكون القطاع المصرفي في اليمن من 17 بنكاً، منها 4 بنوك إسلامية. ويتسم السوق المصرفي بالتركز، حيث تسيطر 3 مصارف على أكثر من 50% من إجمالي أصول وودائع البنوك، وهي اليمن الدولي والتضامن الإسلامي والتسليف التعاوني الزراعي "الحكومي" (كاك بنك)، فيما تمتلك 5 مصارف حوالي 73% من إجمالي فروع البنوك في البلاد.
وتشكو الحكومة من شح الموارد المالية التي أدت بدورها إلى انهيار الريال اليمني مقابل الدولار ليلامس 1100 ريال للدولار الواحد في مناطق سيطرة الحكومة، بينما يستقر في مناطق نفوذ الحوثيين عند نحو 600 ريال للدولار.
ومع انسداد آفاق الحل داخلياً وغياب أي توجه دولي لإنقاذ الاقتصاد اليمني، سيكون على المواطن دفع ثمن الانهيار المريع للريال، إذ تفقد آلاف الأسر اليمنية قدرتها الشرائية مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية ومختلف الخدمات إلى معدلات قياسية، عما كانت عليه مطلع العام الجاري.