سباق عالمي على إنتاج الرقائق الإلكترونية... أين العرب؟

28 مايو 2024
مصنع لإنتاج الرقائق الإلكترونية في مقاطعة جيانغشي الصينية، 28 أكتوبر 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بدأت أزمة أشباه الموصلات بسبب إغلاقات جائحة كورونا في نهاية 2020، مؤثرة على الصناعات العالمية بما في ذلك الإلكترونيات، السيارات، والمعدات العسكرية، مما أكسبها أهمية عالمية.
- الطلب المتزايد على الرقائق الإلكترونية، بزيادة تجاوزت 10% سنويًا، دفع الدول للتنافس في تمويل صناعتها ودعم إنتاجها، خاصة بعد تأثيرات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
- الاستثمارات الضخمة في صناعة الرقائق تشهد تنافسًا عالميًا بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، بينما تظل الدول العربية مركزة على قطاع الخدمات مع فرص لتعزيز مكانتها في الصناعات المتقدمة.

كانت أزمة أشباه الموصلات، أو ما يعرف بالرقائق الإلكترونية، من أهم تداعيات الإغلاق الذي سببه انتشار فيروس كورونا بنهاية عام 2020، وقد تسببت في إغلاق العديد من المصانع العالمية الكبرى لبعض الوقت، خاصة أن هذه الشريحة الصغيرة التي لا يتجاوز سعرها دولارا أو اثنين فقط تعد مكونا ضروريا في جميع أنواع الأجهزة والمعدات، من الحواسيب والهواتف الذكية إلى المعدات الطبية، ولها الكثير من الاستخدامات في السيارات والمركبات ذاتية الدفع، وهو الأمر الذي أكسب أزمتها زخما عالميا باعتبار أنها تدخل كذلك في إنتاج الأسلحة والمعدات العسكرية، بداية من الأسلحة التقليدية إلى الصواريخ عابرة القارات.

وعلى الرغم من كون هذه الرقائق أصغر منتج في العالم، حيث لا يتعدى حجمها 5 نانومتر، إلا أنها الأكثر طلباً في عصر الثورة الصناعية الرابعة، وتخوض الدول سباقاً محموماً في تمويل صناعتها ودعم إنتاجها للتحكم في سلاسل توريدها وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية، التي يمكن أن تتعطل في حال انتشار الأوبئة أو التوترات الدولية أو الحروب كما حدث سابقا، خاصة بعد ارتفاع الطلب عليها بنسبة تزيد عن 10% بشكل سنوي خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي تكامل مع أزمات سلاسل الإمداد والتوريد لتي أعقبت أزمة كورونا وكذلك مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ليزيد من اهتمام الدول الكبرى بهذه الصناعة.

ومنذ عام 2020، بدأت واشنطن في فرض قيود على تصدير الشركات الأميركية تكنولوجيا الرقائق إلى بكين، واتفقت مع حلفائها في أوروبا ومع كوريا الجنوبية واليابان وتايوان، على تقليل تعاونهم مع الصين في هذا المجال، وفي مطلع إبريل/نيسان الماضي قامت إدارة بايدن بمراجعة القواعد التي تهدف إلى عرقلة وصول الصين إلى رقائق الذكاء الاصطناعي وأدوات صنع الرقائق الأميركية، كجزء من جهد أكبر لتقييد صناعة الرقائق في بكين بسبب مخاوف الأمن القومي.

أمر علق عليه متحدث باسم وزارة التجارة الصينية بالقول إن الولايات المتحدة وسعت مفهوم الأمن القومي، وراجعت القواعد بشكل تعسفي، وشددت إجراءات الرقابة، وأن ذلك لم يؤدِّ فقط إلى وضع المزيد من العقبات وفرض عبء امتثال أكبر على الشركات الصينية والأميركية التي ترغب في العمل معاً اقتصادياً وتجارياً بشكل طبيعي، لكنه خلق أيضاً قدراً كبيراً من عدم اليقين بالنسبة لصناعة أشباه الموصلات العالمية.

عموما يمكن القول إنه في ظل الصراع علي امتلاك التكنولوجيا المصنّعة للرقائق الإلكترونية، تتوسع الآن ما يشبه التحالفات بين فريق من الدول تقوده الولايات المتحدة، وآخر تقوده الصين، سعيا لانفراد كل فريق بهذه التكنولوجيا التي يمكن وصف من يسيطر عليها بأنه سيكون "الأقوى في التاريخ" خلال الفترة المقبلة.

تمويلات سخية لبناء مصانع جديدة للرقائق

طبقا لبيانات رابطة تصنيع أشباه الموصلات وشركة "بوسطن كونسالتينغ غروب" الأميركية فإن الولايات المتحدة تخطط لمضاعفة إنتاجها ثلاث مرات للاستحواذ على 28% من الإنتاج بحلول عام 2032، كما كشفت الدراسات أن نصيب الولايات المتحدة من هذه الصناعة كان سينكمش إلى 8% لولا تطبيق برامج تمويل حكومية مثل قانون الرقائق والعلوم الصادر في العام 2022.

وقد خصص القانون 39 مليار دولار من المنح، علاوة على 75 مليار دولار من القروض وضمانات القروض، و25% من الإعفاءات الضريبية، بهدف إقناع الشركات ببناء مصانع على الأراضي الأميركية، وكنتيجة لهذا القانون تعهدت الثلاث شركات الأكبر عالميا في تصنيع الرقائق بإقامة مصانع لها على الأراضي الأميركية، وهي شركات "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ" و"سامسونغ إلكترونيكس" و"إنتل".

ولم تكن الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تعمل على تعظيم تطلعاتها في مجال تصنيع الرقائق، إذ تقوم الصين ببناء نحو 31 منشأة جديدة تعمل بنهاية العام الجاري 2024 خاصة بأجزاء من سلاسل توريد الرقائق، كما قررت الصين أيضا جمع أكثر من 27 مليار دولار لإنشاء أكبر صندوق للرقائق في البلاد، في خطوة لتسريع تطوير التقنيات المتطورة لمواجهة القيود الأميركية المتزايدة في المجال.

وفي ذات الإطار أعلن وزير المالية الكوري الجنوبي أن بلاده تعد برنامجاً لتوفير أكثر من 10 تريليونات وون (7.3 مليارات دولار) لتعزيز صناعة أشباه الموصلات المحورية في البلاد، وتسعى كوريا التي تعد من أكبر منتجي رقائق الذاكرة في العالم، للهيمنة في هذا المجال من خلال استثمار 470 مليار دولار في مجموعة ضخمة من مصانع أشباه الموصلات، ولدعم الخطة، اقترحت الحكومة تدابير تشمل حوافز ضريبية للاستثمارات. وخصصت اليابان مؤخراً نحو خمسة تريليونات ين (33 مليار دولار) لإنعاش صناعة الرقائق لديها، وذلك في محاولة لاستعادة بريق الصناعة التي كانت تهيمن عليها لمدة أربعة عقود سابقة بإنتاج نصف الإنتاج العالمي، وقد انخفض هذا الرقم مؤخراً إلى أقل من 10% فقط.

العالم العربي يلهث وراء الخدمات

اعتبرت الدول الصناعية الكبرى صناعة أشباه الموصلات ضمن أولويات الأمن القومي، وأنفقت بسخاء على عمليات البحث والتطوير والتصنيع، وقدمت الحوافز المغرية لجذب المصانع الكبرى لإنشاء فروع على أراضيها، وللأسف لا تزال الدول العربية ينصب اهتمامها التنموي بصورة رئيسية على قطاع الخدمات خاصة النقل والسياحة، وذلك على الرغم من امتلاك دول المنطقة المكونات الأساسية اللازمة لهذه الصناعة الإستراتيجية من رؤوس الأموال والخبرات الفنية والتكنولوجية وحتى الرمال البيضاء والعناصر الأرضية العناصر الرئيسية في التصنيع. وضعت بعض الدول العربية لنفسها خططا طموحة للتطوير التنموي والكثير منها لا ينقصها رأس المال وبإمكانها الاستفادة من حالة التجاذب الحاد بين الصين والولايات المتحدة، وكذلك استثمار علاقاتها المتميزة مع بلدان شرق آسيا في جذب مصنع أو أكثر للبلاد العربية في أولوية استراتيجية لإعادة التموضع في المرحلة القادمة.

حان الوقت لتمتلك الدول العربية، خاصة النفطية منها، استراتيجية وطنية للتصنيع، يكون في القلب منها بضع صناعات استراتيجية متطورة اعتمادا على توافر رأس المال، مع تبني أطر متكاملة لتلك الصناعات مثل بناء قاعدة تعليمية وبحثية خادمة لتلك الصناعات وتطويرها، مع تكثيف العلاقات التسويقية اللازمة لشغل الحصص السوقية الكافية لاستيعاب ذلك الإنتاج، وبهذا فقط ستمتلك بدائل حقيقية لأموال ونفوذ النفط بما يحافظ على مكانها ومكانتها حاليا ومستقبلا.

المساهمون