كشف الجفاف الذي شهده المغرب في العام الحالي هشاشة الأمن الغذائي بسبب عدم استقرار المحاصيل والارتهان لتأمين جزء كبير من الغذاء للسوق الخارجية.
ويعاني المغرب من الجفاف في العام الحالي بعدما بلغت التساقطات المطرية 199 ملم حتى مايو/ آيار الماضي، مسجلة تراجعا بنسبة 44 في المائة قياسا بالمتوسط المسجل على مدى ثلاثين عاما.
ويؤثر ضعف التساقطات المطرية والثلجية في العام الحالي على مخزون المياه في السدود الذي بلغ حتى، أول من أمس، 26.9 في المائة، مقابل 42.2 في المائة في الفترة نفسها من العام الماضي.
ودفع الجفاف المغرب إلى تبني مخطط استعجالي بحوالي مليار دولار لحماية المواشي وتدبير ندرة المياه وتأمين العلف وإعادة جدولة مديونية المزارعين.
كان من تداعيات الجفاف الذي ضرب المغرب في العام الحالي، انهيار محصول الحبوب الذي يقدر بـ3.4 ملايين طن، بعدما كان في العام الماضي في حدود 10.3 ملايين طن.
ذلك تراجع سيفضي بالمملكة إلى تحمل فاتورة ضخمة على مستوى الواردات من تلك السلعة في العام الحالي، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار في السوق الدولية.
ورغم تأمين المغرب في الأعوام الأخيرة لمجمل احتياجاته من اللحوم والبيض والخضر والفواكه عبر الإنتاج المحلي، إلا أن سلعا أساسية أخرى واسعة الاستهلاك مثل الحبوب والزيوت والسكر يؤمن جزءا منها عبر الاستيراد.
وتجلى أن تحقيق الأمن الغذائي مكلف جدا في سياق الجفاف والتوترات حول العرض في السوق الدولية. فقد قفزت المشتريات من السلع الأساسية من الخارج إلى مستويات تنذر بتدهور العجز التجاري في العام الحالي.
وتشير التفاصيل التي يوفرها مكتب الصرف الحكومي إلى ارتفاع قيمة واردات القمح من 861 مليون دولار في النصف الأول من العام الماضي إلى 1.33 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الحالي، بينما قفزت مشتريات الشعير من 34 مليون دولار إلى 317 مليون دولار.
وأفضى تراجع حاد في زراعة النباتات الزيتية في الأعوام الأخيرة إلى ارتفاع فاتورة واردات زيوت الصويا الخام أو المكررة بنسبة 99.3 في المائة في يونيو/ حزيران الماضي لتقفز إلى 447 مليون دولار.
وينتظر أن يؤثر خفض مياه الري عن مزارعي البنجر في منطقة دكالة مثلا من أجل توجيه مخزون السدود لتوفير مياه الشرب على إنتاج السكر وتعظيم واردات الخام والمكرر منه التي زادت حتى يونيو بنسبة 52.5 في المائة لتصل إلى 384 مليون دولار.
ويفضي ارتفاع درجات الحرارة التي وصلت إلى مستويات قياسية وضعف مخزون المياه في السدود إلى التأثير على بعض المزروعات مثل الحمضيات والزيتون التي ينتظر الشروع في جنيها في الخريف المقبل، والتي تعتمد على السقي وأمطار بداية الموسم في أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني.
غير أن الفني في القطاع الزراعي، ياسين أيت عدي، يتوقع في حديثه لـ"العربي الجديد" أن يتأثر محصول الزيتون في العام الحالي بالجفاف وارتفاع درجات الحرارة، حيث ينتظر أن تكون المردودية ضعيفة، خاصة إذا لم تستفد الأشجار في أمطار بداية الموسم الزراعي في الخريف المقبل.
تشير البيانات إلى ارتفاع قيمة واردات القمح من 861 مليون دولار في النصف الأول من العام الماضي إلى 1.33 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الحالي
ويشير إلى أن الجفاف الذي يعرفه المغرب من شأنه أن ينعكس سلبا على العديد من الخضر والفواكه التي يتم جنيها في الربع الأخير من العام الجاري، حيث يعرض جزء منها في السوق المحلية ويصدر الجزء الآخر إلى السوق الأوروبية التي ينتظر أن يتأثر فيها الطلب بفعل التضخم والركود.
إلا أن الخبير الزراعي محمد الهاكش، يبدي انشغالا أكثر بالسيادة الزراعية للمغرب أكثر من الأمن الغذائي، الذي كان الاعتقاد سائدا قبل الجفاف وتأثيرات التغيرات المناخية الحادة، بأن يمكن تأمينها عبر التوجه للسوق الخارجية.
ويشدد الهاكش في حديثه لـ"العربي الجديد" على أن الجفاف والأزمة الأخيرة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا يطرحان على المغرب توجيه سياسته الزراعية نحو ما يحقق له سيادته الغذائية، حيث يؤكد على ضرورة العمل على ضمان ما يشكل جوهر قفة الأسر من قمح وزيوت ولحوم وسكر.