"يا فرحة ما تمت، أخذها الغراب وطار"، هذا المثل ينطبق إلى حد كبير على ما يحدث حاليا في سوق الحبوب العالمي، فعقب توقيع روسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة وتركيا اتفاق إسطنبول يوم الجمعة الماضي والذي يقضي باستئناف ضخ صادرات الحبوب الأوكرانية انخفضت أسعار القمح بنحو ستة بالمئة عقب الإعلان عن الاتفاقية مباشرة، وزادت التوقعات بحدوث انفراجة في أزمة الغذاء العالمية.
واستقبلت أسواق الحبوب العالمية النبأ بإيجابية شديدة خاصة مع تعهد كل الأطراف الموقعة على الاتفاق بضمان توفير ممرات آمنة لتصدير الحبوب وحماية سفن الشحن في البحر الأسود، وتخفيف روسيا حصارها للموانئ الأوكرانية الواقعة على البحر الأسود.
انخفضت أسعار القمح بنحو 6% عقب الإعلان عن الاتفاقية مباشرة، وزادت التوقعات بحدوث انفراجة في أزمة الغذاء العالمية
وتوقع تجار الغلال مزيداً من تراجع الأسعار عقب الحديث عن قرب تدفق صادرات الحبوب للأسواق الدولية، وإعادة فتح ثلاثة موانئ أوكرانية على البحر الأسود لتصدير الحبوب، وإعادة تصدير ما يزيد عن 20 مليون طن من القمح الأوكراني.
كما توقعت حكومات الدول المستوردة للغذاء التقاط الأنفاس بعد قفزات قياسية في أسعار القمح والذرة والشعير والزيوت لم تصل إليها الأسواق منذ أكثر منذ سنوات طويلة.
لكن حدث ما لم يتوقعه كثيرون إذ قصفت القوات الروسية يوم السبت ميناء أوديسا الأوكراني الواقع على البحر الأسود والذي يعد أحد منافذ تصدير القمح الرئيسية في أوكرانيا.
ورغم أن روسيا سارعت اليوم الاثنين لتؤكد أن الضربة الصاروخية كانت لأهداف عسكرية وأنها لن تؤثر على تصدير الحبوب الأوكرانية، فإن أسعار القمح ارتفعت بشكل حاد.
فقد أثار الهجوم الصاروخي الروسي القلق والشكوك حول ما إذا كان من الممكن دخول اتفاق إسطنبول حيز التنفيذ، وتوفير ممرات آمنة لصادرات الحبوب من أوكرانيا مع استهداف روسيا لميناء التصدير أوديسا الذي كانت تتواجد به 9 سفن وقت الهجوم منها 4 سفن كانت محملة بالذرة، أم أن الحال سيبقى على حاله من تعطش الأسواق العالمية الشديد للحبوب، وتحفظ الدول المنتجة في تصدير منتجاتها الزراعية مثل الهند وأستراليا وغيرها.
أسعار القمح ارتفعت بشكل حاد عقب قصف القوات الروسية ميناء أوديسا على البحر الأسود وأحد منافذ تصدير القمح الرئيسية في أوكرانيا
قفزة أسعار القمح مجدداً لم تأتِ على خلفية قصف ميناء أوديسا فقط، بل جاءت أيضاً مع حديث موسكو عن ضرورة ربط استئناف صادرات القمح برفع العقوبات الغربية، وتمسك روسيا بالقمح كسلاح تقذفه من وقت لآخر في وجه العالم الذي يعاني نقصاً في الحبوب، كما تستخدم سلاح الغاز ضد أوروبا.
دليل ذلك التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من قلب مصر أكبر مستورد للقمح والزيوت في العالم يوم الأحد الماضي، حيث جدد الحديث عن ضرورة رفع العقوبات الغربية المفروضة على بلاده، وانتقد سعي الغرب لتصدير قمح أوكرانيا وتجاهل قمح روسيا".
صحيح أن الوزير الروسي قدم تطمينات لمصر بخصوص إمدادات الحبوب الروسية خلال زيارته للقاهرة، لكن ما يحدث على أرض الواقع هو أن هناك حالة من عدم اليقين بشأن تنفيذ روسيا بنود اتفاق استئناف صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، أو على الأقل التحايل عليها وعرقلتها.
مخازن بعض الدول من الغلال قارب على النفاد، ولم تعد بعض الدول تمتلك السيولة الكافية لاستيراد الأغذية بالأسعار المرتفعة
اللحظات المقبلة فارقة، فإما أن تستأنف أوكرانيا تصدير ما بين 20 و25 مليون طن قمح وتلبي عطش الأسواق العالمية، وإما أن يشهد العالم قفزات أخرى في الأسعار يصاحبها أزمة غذاء ربما لم يمر بها منذ سنوات طويلة، خصوصًا أن مخازن بعض الدول من الغلال قارب على النفاد، وأنه لم تعد بعض الدول تمتلك السيولة الكافية لاستيراد الأغذية بهذه الأسعار المرتفعة، وأكبر دليل ما حدث في سريلانكا.