روسيا وأوروبا... مشروع إفراج متبادل عن الأرصدة

19 سبتمبر 2023
الشركات الغربية حققت أرباحاً بقيمة 18 مليار دولار في روسيا العام الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

تسير روسيا على خطى طهران في الإفراج عن أرصدتها المجمدة في الخارج ولكن ليس بتبادل السجناء مع الولايات المتحدة الأميركية، وإنما بالإفراج عن مليارات الدولارات من أرباح الشركات الغربية المحبوسة في موسكو، مقابل فك الغرب تجميد أصول كبار رجال الأعمال الروس التي تعجز أوروبا تحديداً عن التصرف فيها للكثير من العقبات.

وأظهرت مؤشرات على مدار الأيام القليلة الماضية إمكانية تخفيف القبضة المتبادلة بين موسكو والغرب على الأموال التي يتوقع ألا تقتصر على أموال رجال الأعمال الروس وإنما تمتد في مراحل لاحقة إلى أصول البنك المركزي الروسي نفسه، لا سيما وأن الشركات الغربية التي واصلت العمل في روسيا منذ غزو أوكرانيا نهاية فبراير/ شباط من العام الماضي حققت أرباحاً بمليارات الدولارات، لكن الكرملين منعها من الوصول إلى الأموال في محاولة لتضييق الخناق على الدول التي يسميها "غير صديقة".

وتقدر القيمة الإجمالية للأصول الروسية المجمدة في الخارج بنحو 280 مليار دولار، معظمها موجود في الاتحاد الأوروبي، بحسب بيانات صادرة عن وزارة الخزانة الأميركية في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الجاري.

في المقابل تشير بيانات جمعتها كلية كييف للاقتصاد، أوردتها صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أمس الاثنين، إلى أن أرباح الشركات الغربية في روسيا وصلت إلى 18 مليار دولار خلال 2022 وحده من إجمالي أرباح الشركات الأجنبية العاملة في البلد والذي بلغ 20 مليار دولار.

وقال أندريه أونوبرينكو نائب مدير التطوير في كلية كييف للاقتصاد: "ربما زادت الأرقام بشكل كبير منذ ذلك الحين، على الرغم من أنه من غير الممكن تقييم حجمها بالضبط لأن معظم الشركات الدولية العاملة في روسيا تكشف فقط عن نتائجها المحلية سنوياً".

وظلت الأرباح المحلية لشركات من "بي بي" النفطية إلى "سيتي غروب" المصرفية العالمية محتجزة في روسيا منذ فرض حظر على توزيع أرباح الأسهم في العام الماضي على الشركات من البلدان التي وصفتها موسكو بـ"غير الصديقة"، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وجميع أعضاء الاتحاد الأوروبي.

وقال الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات الكبرى إن "عشرات المليارات من الدولارات عالقة في روسيا.. ولا توجد طريقة لإخراجها". ولا يعكس حجم الإيرادات والأرباح الأهمية الدائمة للشركات الغربية بالنسبة للاقتصاد الروسي فحسب، بل يعكس أيضًا المعضلة التي تواجهها هذه الشركات بشأن ما يجب فعله بعملياتها في الدولة المنبوذة.

وتحاول العديد من الشركات الأجنبية بيع فروعها الروسية، لكن أي صفقة تتطلب موافقة موسكو وتخضع لتخفيضات كبيرة في الأسعار. وفي الأيام الأخيرة، أعلنت شركتا "بريتيش أميركان توباكو" البريطانية لمنتجات التبغ والسجائر و"فولفو" السويدية لصناعة الشاحنات عن اتفاقيات لنقل أصولهما في البلاد إلى مالكين محليين.

ومن بين الكيانات المصنفة على أنها تتبع دول غير صديقة ولا يزال ينشط في روسيا، بنك "رايفايزن" النمساوي، الذي كشف عن أكبر أرباح لعام 2022 في البلاد بقيمة ملياري دولار، وفقاً لبيانات كلية كييف للاقتصاد. وعلى الرغم من أن "رايفايزن"، أكبر بنك غربي يعمل في روسيا، إلا أنه "ليس لديه إمكانية الوصول" إلى أرباحه في البلاد، كما لم يشطب قيمة الأعمال.

وحققت المجموعتان الأميركيتان "فيليب موريس" لصناعة السجائر والتبغ، و"بيبسيكو" للمشروبات والأغذية أرباحاً بقيمة 775 مليون دولار و718 مليون دولار على الترتيب. كما بلغت أرباح الوحدة الروسية من شركة سكانيا السويدية لصناعة الشاحنات 621 مليون دولار في عام 2022.

وتظهر الأرقام أن الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها حققت أكبر أرباح إجمالية بلغت 4.9 مليارات دولار، تليها الشركات الألمانية والنمساوية والسويسرية بمبلغ 2.4 مليار دولار، و1.9 مليار دولار، ومليار دولار على الترتيب. وتقوم كلية كييف للاقتصاد بجمع بياناتها من مصادر تشمل سجل الشركات الروسية والتقارير الإخبارية وبيانات الشركات.

وتزيد الأموال التي يتعذر الوصول إليها من التكاليف التي تواجهها الشركات الدولية نتيجة لتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا. وذكرت فايننشال تايمز الشهر الماضي أن الشركات الأوروبية أبلغت عن شطب أصول وخسائر بقيمة لا تقل عن 100 مليار يورو (107 مليارات دولار) من عملياتها في روسيا منذ اندلاع الحرب قبل نحو 18 شهراً.

وقالت مجموعة الطاقة الألمانية "فينترسهال"، التي صادر الكرملين أعمالها الروسية إن لها نحو ملياري يورو مجمدة بسبب قيود توزيعات الأرباح، مضيفة في مؤتمر مع المستثمرين الشهر الماضي: "لقد تبددت الغالبية العظمى من الأموال النقدية التي تم توليدها في مشاريعنا المشتركة الروسية منذ عام 2022.. لم يتم دفع أي أرباح من روسيا للعام الماضي".

وقالت ألكسندرا بروكوبينكو الباحثة غير المقيمة في مركز "كارنيغي روسيا أوراسيا" ومقره برلين: "بالنظر إلى الرغبة القوية لدى الكيانات الأجنبية في استعادة أرباحها، فمن المرجح أن تستكشف روسيا استخدامها كوسيلة ضغط لحث السلطات الغربية على إلغاء تجميد الأصول الروسية".

ونهاية أغسطس/آب الماضي، قال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، في اجتماع حكومي ترأسه فلاديمير بوتين حول التنمية الاستراتيجية والمشاريع الوطنية في البلاد إنه جرى إعداد مسودة بشأن مبادلة أصول المستثمرين الأجانب المجمدة في روسيا، بأصول المستثمرين الروس المجمدة في الغرب، مضيفا أن من المقرر في المرحلة الأولى تحرير حسابات أجنبية بقيمة 100 مليار روبل (حوالي 1.03 مليار دولار). كما لمح البنك المركزي الروسي في يونيو/حزيران الماضي، إلى إمكانية تبادل أصول المستثمرين الأجانب من دول العقوبات المجمدة في روسيا، بأصول المستثمرين الروس المجمدة في الاتحاد الأوروبي.

ويبدو أن هناك تجاوباً أوروبيا، فقد وافق الاتحاد الأوروبي قبل أيام على رفع العقوبات المفروضة على ثلاثة من كبار رجال الأعمال الروس، في أبرز عمليات الشطب منذ بدء الصراع. المليارديرات المعنيون هم فرهاد أحمدوف ورجل الأعمال غريغوري بيريزكين وألكسندر شولغين، الرئيس السابق لشركة التجارة الإلكترونية أوزون. ولم يقدم الاتحاد الأوروبي أسباباً رسمية لقراره شطب رجال الأعمال الذين أكد المسؤولون أسماءهم.

وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ما يقرب من 1800 فرد وكيان رداً على الحرب منذ عام 2014. وتتم مراجعة الإجراءات وتمديدها كل ستة أشهر، وأي تغييرات تتطلب إجماع الدول الأعضاء الـ 27 في الكتلة.

المساهمون