روسيا أفلست أم لم تفلس.. ما الحقيقة؟

28 يونيو 2022
الغرب يستغل عناد بوتين ويعلن إفلاس روسيا /Getty
+ الخط -

هناك حالة غريبة تحدث حالياً في عالم إفلاس الدول، يجب التوقف عندها كثيراً، وتتعلق بما أثير عن إفلاس روسيا، وأن هذه هي أول حالة إفلاس تسجلها روسيا منذ عام 1918، وأن آخر مرة سقطت فيها روسيا في حالة تخلف عن السداد أمام دائنيها الأجانب كانت منذ أكثر من قرن مضى، عندما تنكر البلاشفة في عهد فلاديمير لينين في عام 1918 لعبء الديون المذهل في حقبة القيصر.

فالغرب، عبر ماكينة تضم مؤسسات التصنيف الائتماني وبنوك الاستثمار ووسائل الإعلام وغيرها، شنّ حملة شرسة على روسيا بداية هذا الأسبوع، حيث سارع ليعلن إفلاسها وتعثرها مالياً.

بل وراح يروّج ذلك وبكثافة في أسواق المال الدولية وبين الدائنين الدوليين والمستثمرين، والحجة المعلنة هي توقف حكومة بوتين عن سداد أعباء دين مستحق عليها بقيمة 100 مليون دولار، وكان واجب السداد يوم الأحد الماضي، وأن روسيا بات ينطبق عليها ما ينطبق على الدول المفلسة.

آخر مرة سقطت فيها روسيا في حالة تخلف عن السداد أمام دائنيها الأجانب كانت منذ أكثر من قرن مضى

بالطبع، فإن الغرب يستهدف من هذه الخطوة زيادة الضغوط على الاقتصاد الروسي، وتجفيف مصادر تمويل حرب أوكرانيا، وإثارة رعب المستثمرين الأجانب والمحللين على حد سواء، والحيلولة دون وصول موسكو إلى أسواق المال الدولية للحصول على قروض جديدة.

ولذا كان إصرار الغرب على التذكير بالأزمة المالية الروسية وانهيار الروبل في عام 1998، والتي نتج عنها تخلف حكومة الرئيس بوريس يلتسين عن سداد 40 مليار دولار من ديونها المحلية، واعلان تجميد سداد الديون الخارجية.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

ومساء أمس الاثنين خرجت علينا وكالة التصنيف الائتماني العالمية "موديز" لتزيد الضغوط على موسكو، وتعلن أن روسيا تخلفت بالفعل عن سداد ديون خارجية مستحقة على سندات سيادية، بل وتؤكد أنّ من المحتمل حدوث المزيد من حالات التخلف عن السداد في مدفوعات تستحق مستقبلاً.

وسبقتها وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأميركية والتي نشرت عدة تقارير تؤكد وقوع روسيا في شباك الإفلاس، والتعثر عن سداد أعباء الديون الخارجية.

في المقابل، تنفي روسيا توقفها عن سداد الديون الخارجية، وتؤكد قوتها المالية ومتانة احتياطياتها من النقد الأجنبي، لكنها في المقابل تؤكد أنها ترفض شروط الدائنين المتعلقة بأسلوب السداد، وتشترط أن يكون السداد بعملة الروبل، وأن يجري السداد من احتياطيات نقدية تمتلكها بقيمة 300 مليار دولار وتحتجزها البنوك الغربية في إطار العقوبات الغربية المفروضة على حكومة بوتين منذ غزو أوكرانيا.

الغرب استغل العناد والتلكؤ الروسي ومخالفة شروط سداد الدين الخارجي بالدولار، وراح يهيل التراب على الاقتصاد الروسي

ببساطة، نحن أمام دولة توقفت بالفعل عن سداد ديونها الخارجية في المواعيد المحددة، رغم أنها تمتلك احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي تتجاوز 600 مليار دولار، وإيرادات ضخمة من صادرات النفط والغاز تجاوزت مائة مليار دولار منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وبالتالي فهي غير عاجزة عن سداد 100 مليون دولار، ومفلسة حتى لو من الناحية الشكلية.

وفي المقابل، فإن الغرب استغل العناد والتلكؤ الروسي ومخالفة شروط سداد الدين الخارجي بعملة الاقتراض نفسها، وهي الدولار، وراح يهيل التراب على الاقتصاد الروسي ويشوه صورة روسيا ويبرزها أمام العالم على أنها دولة هشة اقتصادياً لا تفي بالتزاماتها قبل الدائنين الدوليين، وبالتالي ليست محل ثقة المقرضين حتى تحصل على تسهيلات وقروض جديدة.

ما يحدث حالياً هو بمثابة خلطة عجيبة، تعنت روسي وتلكؤها عن السداد، وابتزاز غربي بقيادة الولايات المتحدة، وفي كل الأحوال، نحن أمام معركة عضّ الأصابع.

فالكل يستخدم أسلحته الفتاكة حتى لو كانت غير مشروعة ولا تقوم على حقائق بل على مبالغات وعملية ابتزاز، ولذا قد نشهد خلال الأيام المقبلة رداً قوياً من روسيا على خطوة إعلان إفلاسها بتوقفها عن ضخ النفط والغاز لأوروبا، وهذا القرار سيقلب الموازين في كل دول العالم وليس داخل القارة العجوز فقط.

المساهمون