تشهد أسواق قطاع غزة حالة من الركود غير الطبيعي، بفعل الحالة الاقتصادية العامة التي يمر بها القطاع نتيجة تواصل الحصار الإسرائيلي، إلى جانب الارتفاع الملحوظ في أسعار العديد من المواد الغذائية الرئيسية.
وباتت طرقات الأسواق أقل ازدحامًا خلال الفترة السابقة بفعل العديد من التحديات الصعبة التي باتت تواجه الواقع الاقتصادي السيئ، والذي أثر على القدرة الشرائية للمواطنين، وانعكاس ذلك سلبًا على التُجار وحركات البيع والشراء داخل الأسواق والمحال التجارية.
وتأثرت الأسواق بما تضم من المحال التجارية التي تبيع المواد الغذائية، والحلويات والبقوليات والملابس وبسطات الخضار والفواكه، وغيرها جراء تردي الأوضاع الاقتصادية، وإحجام المواطنين عن الشراء بشكل ملحوظ.
ويشتكي الباعة داخل الأسواق من الوضع العام، والذي شهد حالة من التردي غير المسبوق، بفعل التحديات المُركبة التي باتت تواجه الحركة التجارية، في الوقت الذي تُثار فيه الأنباء عن تشديد الإجراءات الحكومية داخل الأسواق، ما يزيد من الأعباء المُلقاة على عاتق الباعة والتُجار.
ويقول الخبير الاقتصادي، مازن العجلة، إن الوضع الاقتصادي في قطاع غزة يشهد حالة من الانكماش نتيجة ثلاثة عوامل رئيسية، أولها العامل التراكمي طويل المدى، والذي أثر بشكل واضح على القدرة الشرائية، أما الثاني فيرجع إلى العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وتأثيره الكبير على الحركة التجارية، خصوصًا بعد إغلاق معبر كرم أبو سالم لمدة شهر، ما انعكس على القطاع الخاص وعلى مجمل حركات البيع والشراء، فيما يرجع السبب الثالث إلى تواصل تداعيات جائحة كورونا، التي ما زالت تعصف بالاقتصاد الفلسطيني، وتتسبب في زيادة معدلات الفقر والبطالة.
ويوضح العجلة في حديث مع "العربي الجديد" أن العوامل الرئيسية جاءت بالتزامن مع عدد من التحديات المتواصلة الخاصة بالرواتب ومخصصات الأسر الفقيرة، والتي خلقت مجتمعة حالة من ضعف الطلب على السلع، ما يُعد مؤشرًا على ضعف النمو الاقتصادي، والذي يتسبب فيه أيضًا انخفاض الأجور، وانعدام فرص العمل.
ووفق العجلة فإن تلك العوامل، التي تسببت في إرباك الحالة التجارية، تضغط على مستويات المعيشة، وتتسبب في التدهور الحاصل، وحالة الركود الكبيرة، وارتفاع الأسعار ظاهرة موجودة وتأتي نتيجة تطاول أمد الأزمة، وتزايد نسب البطالة، ووجود مشاكل هيكلية تتعلق بالسلع والخدمات، مؤكدًا أن البدء بعملية إعادة الإعمار يمكن أن يساهم بالتخفيف من حدة البطالة والأزمة.
وعم الركود أرجاء أسواق القطاع، بفعل تأثر الحركة التجارية، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وبعض السلع الأساسية والمهمة، إذ باتت تلك السلع خارج قدرة واستطاعة المواطن، الذي يعاني بالأساس من حالة اقتصادية صعبة بفعل تردي الأوضاع المعيشية، وانعدام فرص العمل، وغياب الأفق الاقتصادي.
من جانبه؛ يوضح الخبير الاقتصادي، رائد حلس، أن الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة يعيش ظروفًا صعبة، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، بفعل تأثيرات تشديد الحصار الإسرائيلي، والذي تمثل في ارتفاع الأسعار والسلع الأساسية، والذي "لا يتناسب بالمطلق مع حجم الفقر والبطالة المرتفعة في قطاع غزة، الذي يعيش ظروفًا معيشية صعبة للغالية"، مبينًا أن ارتفاع الأسعار كذلك ساهمت فيه الأنباء التي تحدثت عن فرض ضرائب من حكومة غزة على بعض البضائع.
وقال: "رغم نفي الوزارة إلا أن هناك ارتفاعا حقيقيا في بعض الأسعار، في الوقت الذي يتعطل فيه قرابة 366 ألف عامل فلسطيني عن العمل".
ويعزو الخبير الاقتصادي حلس في حديث مع "العربي الجديد" الركود الحاصِل إلى جُملة من الأسباب، في مقدمتها سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على الموارد، ما تسبب بتردي الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب غياب أفق صرف رواتب كاملة في قطاع غزة. ويضيف: "رغم تلقي موظفي السُلطة رواتبهم كاملة، إلا أن قرابة 80% ملتزمون بسداد قروض شهرية".
ويشير حلس إلى أن ذلك الواقع، إضافة إلى عدم صرف مخصصات الشؤون الاجتماعية، للأسر التي تعاني الفقر المدقع، علاوة على التأثير المُباشِر للحصار والاعتداءات الإسرائيلية المُتكررة وجولات التصعيد، "أدت إلى حالة من عدم القدرة على النهوض".
وشهدت أسواق ومتاجر قطاع غزة ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار بعض السلع الأساسية والمواد الغذائية والتموينية مثل العدس والسكر والزيت والقمح منذ أسابيع، إلا أن وزارة الاقتصاد في غزة أرجعت ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية في أسواق قطاع غزة، إلى "ارتفاع أسعار تلك البضائع عالميا، إلى جانب ارتفاع أجرة نقلها بسبب جائحة كورونا".
وتأتي تلك التحديات المتزايدة أمام المواطن الفلسطيني، والتُجار والباعة، في ظل تفاقم نسب البطالة وتخطيها حاجز 60%، ونسب الفقر التي قفزت عن نسبة 80%.
ويصفها مُختصون بأنها "نِسب غير مسبوقة"، بات يواجهها الاقتصاد الفلسطيني، وذلك نتيجة تفاقم التأثير الاقتصادي للحصار الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ عقد ونصف العقد، وتأثيره الذي طاول مختلف نواحي الحياة.