استبق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذكرى الحادية عشرة لثورة 25 يناير، بتوجيه رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، ووزير المالية محمد معيط، يوم الثلاثاء الماضي، برفع الحد الأدنى للأجور من 2400 جنيه إلى 2700 جنيه (الدولار = نحو 15.7 جنيها)، وذلك للعاملين في الجهاز الإداري للدولة اعتباراً من العام المالي 2022- 2023، الذي يبدأ في الأول من يوليو/تموز المقبل.
ووجه السيسي كذلك الحكومة بإقرار علاوة دورية للموظفين المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية بنسبة 7% من الأجر الوظيفي، وأخرى خاصة للعاملين غير المخاطبين بالقانون بنسبة 13% من الراتب الأساسي، علماً أنّ إعلان هذه القرارات عادة ما يكون في شهر مارس/آذار من عام، ارتباطاً بعرض مشروع الموازنة العامة الجديدة للدولة على مجلس النواب، قبل ثلاثة أشهر من بدء سريانها بموجب الدستور.
يدرك المصريون جيداً انخفاض قيمة دخولهم، مقارنة بما كانت عليه قبل الانقلاب العسكري في عام 2013
وبطبيعة الحال، استهدف السيسي من وراء إعلان رفع الحد الأدنى للأجور للموظفين الحكوميين، قبل تطبيقه فعلياً بنحو 6 أشهر، قطع الطريق على أي دعوة للاحتجاج في ذكرى الثورة، لا سيما بعد تنظيم وقفات احتجاجية داخل مبنى التلفزيون الرسمي (ماسبيرو)، للمطالبة بصرف المستحقات المالية المتأخرة للعاملين في المبنى، وكذلك لأصحاب المعاشات (الرواتب التقاعدية)، على خلفية تردي أوضاعهم المعيشية نتيجة غلاء الأسعار.
وارتفع الحد الأدنى للأجور في مصر من 1200 جنيه إلى 2000 جنيه في عام 2019 ثم إلى 2400 جنيه في 2021، وأخيراً إلى 2700 جنيه.
إلّا أنّ القيمة الشرائية لهذا المبلغ تراجعت بصورة كبيرة بفعل آثار التضخم، وموجات الغلاء التي لم تتوقف في مصر منذ قرار تحرير سعر صرف العملة المحلية (الجنيه)، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
ويدرك المصريون جيداً انخفاض قيمة دخولهم، مقارنة بما كانت عليه قبل الانقلاب العسكري في عام 2013، حيث كان يبلغ سعر صرف الدولار نحو 6.96 جنيهات مقارنة بـ15.74 جنيهاً حالياً، أي أن الحد الأدنى للأجور حينها (1200 جنيه) كان يعادل 172.4 دولاراً، مقابل 171.5 دولاراً (2700 جنيه) بعد الزيادة الأخيرة.
ليس ذلك فحسب، بل إنّ "المجلس القومي للأجور" في مصر، برئاسة وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد، وافق أخيراً على طلبات أكثر من 6 آلاف منشأة بشأن إرجاء تطبيق الحد الأدنى للأجور، المُحدد بقيمة 2400 جنيه فقط اعتباراً من 1 يناير/كانون الثاني 2022، في قطاعات مثل السياحة، وتصدير الملابس الجاهزة والمنسوجات، والمدارس الخاصة، وشركات الأوراق المالية، ومتاجر البيع بالتجزئة، والرعاية الصحية، والمقاولات ومواد البناء، والصيدلة، وخدمات الأمن والحراسة، وإلحاق العمالة في الخارج، وذلك بحجة الظروف الاقتصادية الناجمة عن أزمة تفشي فيروس كورونا.
مع ارتفاع قيمة الفواتير الشهرية لاستهلاك الكهرباء والغاز والمياه للمنازل، بات المصريون يقتطعون ربع دخلهم على الأقل لسدادها
ومع ارتفاع قيمة الفواتير الشهرية لاستهلاك الكهرباء والغاز والمياه للمنازل، بات المصريون يقتطعون ربع دخلهم على الأقل لسدادها، خصوصاً الفقراء منهم ومحدودي الدخل.
إذ ارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 860% منذ تولي السيسي الحكم، والغاز بنسبة تصل إلى 2400%، إضافة إلى ارتفاع أسعار البنزين 8 مرات منذ عام 2014، ومضاعفة أسعار مياه الشرب للمتر المكعب من 36 قرشاً (الجنيه 100 قرش) إلى 225 قرشاً.
وحسب خبراء اقتصاد، فإن تعويماً مرتقباً ينتظر الجنيه خلال الفترة المقبلة، نتيجة تحذيرات بنوك استثمار عالمية من أن العملة المصرية مرشحة للهبوط، ومعرضة لضغوط في ظل مخاطر تتعلق بتقلبات في التدفقات الأجنبية خلال الأشهر المقبلة.
في حين قرر البنك المركزي المصري منح البنوك العاملة في السوق المحلية "سيولة طارئة" بسعر فائدة لا يقل عن 5%، حال عدم قدرتها على توفير السيولة من سوق الإنتربنك (شبكة داخلية تربط بين الأنظمة البنكية).
وشدد البنك المركزي على أن عمليات منح السيولة الطارئة لا تحول دون حقه في اتخاذ الإجراءات الأخرى المُسندة إليه قانوناً، مع التزام البنك الحاصل على السيولة الطارئة بموافاته بتقرير شهري موضحاً به عدة معايير، بينها الملاءة المالية مع تضمين كافة الأصول التي يمكن للبنك المركزي استخدامها كضمانات، وكافة التطورات والإجراءات المُتخذة من قبل البنك لإعادة موقف السيولة لديه لوضع مستقر.
ويواجه السوق المصري أزمة دولارية شبيهة بالتي حدثت قبل تعويم الجنيه أواخر عام 2016، خصوصاً مع احتلال مصر المركز الثاني (بعد الأرجنتين) بين أعلى الدول اقتراضاً من صندوق النقد الدولي، والتحذيرات التي أطلقها الأخير في كتابه الدوري، بشأن مواجهة الاقتصادات الناشئة فترات من الاضطراب مع رفع البنك المركزي الأميركي معدلات الفائدة الأساسية، وتباطؤ النمو العالمي بسبب متحور "أوميكرون" الجديد من فيروس كورونا.