الاهتمام هنا بالموازنة يأتي لأسباب عدة منها أن السعودية صاحبة أكبر اقتصاد عربي وواحدة من دول مجموعة العشرين ذات الاقتصاديات الكبرى، وهي أكبر منتج للنفط في العالم من داخل منظمة أوبك، كما تعد موازنة المملكة الأكبر في المنطقة من حيث الإيرادات والنفقات والعجز أيضاً.
كما أن أرقام الموازنة السعودية الجديدة تعطي مؤشرات قوية للمستثمرين المحليين والأجانب والشركات الدولية المتعاملة مع السعودية عن توجهات المملكة الاقتصادية والمالية للعام الجديد، وما إذا كانت ستعتمد السياسة الانكماشية من ترشيد نفقات وتجميد مشروعات وغيرها كما جرى في العام الجاري 2016، أم ستعتمد سياسة انفتاحية وتوسعية لتحريك الاقتصاد القومي ودعم المشروعات المولدة لفرص العمل وزيادة الإنتاج وأنشطة التصدير.
وتحظى موازنة عام 2017 كذلك باهتمام خاص من المستثمرين الأجانب، فهي أول ميزانية يتم اعتمادها في إطار خطة "رؤية 2030" التي تسعى المملكة من خلالها من التحول لدولة نفطية تعتمد كلية على النفط في إيراداتها من النقد الأجنبي إلي دولة تعتمد على مصادر أخرى متنوعة منها التصدير والسياحة والخدمات والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
كذلك اكتسبت موازنة العام الجديد زخماً من كونها أنه تم إعدادها وأسعار النفط لا تزال على حالها، ولم تتحسن بالشكل المطلوب، ولم يدخل اتفاق أوبك الأخير حيز التنفيذ، ولذا كان الكثير يتوقع زيادة انكماش الاقتصاد السعودي في العام 2017، بسبب تهاوي أسعار النفط، وعدم تحسنها كثيراً في 2017، وزيادة العجز المالي الذي تجاوز في ميزانية 2016 نحو 297 مليار ريال (79.2 مليار دولار).
لكن المؤشرات التي أعلنتها السعودية اليوم تبدو متفائلة للكثيرين خاصة المستثمرين، إذ إن من أبرز ملامحها عجز مالي أقل وزيادة أكبر في الإنفاق، وحسب الأرقام المعلنة فإن العجز المقدر في موازنة عام 2017 هو 53 مليار دولار.
وبنظرة لأرقام الموازنة الجديدة، نلحظ أن حكومة المملكة أعطت من خلالها رسائل عدة للأسواق والمستثمرين، الأولى أنه رغم استمرار تهاوي أسعار النفط إلا أن العجز المالي للموازنة لم يزد، بل تراجعت قيمته بما يعادل 26 مليار دولار.
الرسالة الثانية هي أن الحكومة تدعم سياسة التوسع الاقتصادي في العام القادم لا سياسة الانكماش، وأنها ستزيد الإنفاق الحكومي لتعزيز النمو الاقتصادي الضعيف، وبالتالي فإن على الشركات أن تتوسع في استثماراتها وتستفيد من المليارات التي ستضخها الحكومة داخل الأسواق في العام الجديد.
الرسالة الثالثة، هي أن الحكومة ستسرّع من وتيرة برنامج الخصخصة في2017 وأن هذا البرنامج سيمتد لقطاعات حيوية وحساسة منها المرافق العامة والرياضة والصحة والتعليم والنقل ومطاحن الدقيق وخدمات البلديات.
هذا عن الرسائل، فماذا عن التكلفة التي سيتحملها المواطن السعودي والعمالة الوافدة مقابل تحسين أرقام موازنة عام 2017، خاصة مع توجه حكومة المملكة نحو زيادة أسعار الوقود وفرض ضرائب خاصة على تحويلات العمالة الوافدة التي تتجاوز 100 مليار دولار سنويا؟