استمع إلى الملخص
- يُعتبر الذكاء الاصطناعي وتطبيقات التواصل الاجتماعي أدوات رئيسية في عمليات الاحتيال، حيث تُستخدم تقنيات متقدمة مثل "البوتات الذكية" ونسخ مقلدة من ChatGpt، مع 70% من العمليات تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
- الفئات العمرية الأصغر وكبار السن هم الأكثر عرضة للاحتيال، حيث يميل الجيل زد لاستخدام التكنولوجيا بكثافة، بينما يفتقر كبار السن إلى الوعي الرقمي، مما يجعلهم أهدافًا سهلة.
تجاوزت خسائر الاقتصاد البريطاني من الاحتيال المالي سبعة مليارات دولار، بعدما تعزز دوره مستفيداً من تقنيات الذكاء الاصطناعي ومواقع التواصل الاجتماعي. فعلى مدى عقود، ظلت عمليات الاحتيال المالي على الأفراد في بريطانيا أسيرة أدوات بسيطة، مثل خطاب بريدي على عنوان بيتك أو اتصال على هاتفك المنزلي يحمل أخباراً سارة، كاختيار عنوانك بالقرعة لجولة فاخرة عبر البحار مع زوجك أو زوجتك، أو إقامة في فنادق الدرجة الأولى في رحلة إلى نيويورك ولاس فيغاس، أو هبة مالية لأول المتصلين.
وكل المطلوب وقتها كان إرسال شيك بمبلغ مالي صغير لضمان جدية الحجز والمشاركة. وبالطبع كان ينتهي الأمر عند ذلك، فلا هبة مالية ولا جولة سياحية. لكن تطور تكنولوجيا الاتصال أدى لتطور سبل الاحتيال، فغالبية البريطانيين يتابعون حساباتهم المصرفية عبر هواتفهم المحمولة، كما أن مشاركة المعلومات اليقينية للأفراد مثل تواريخ الميلاد وعناوين الإقامة صارت أمراً عادياً ربما يفعله المرء لأكثر من مرة في اليوم الواحد، دون تأكيد إلى أي مستقر ستذهب تلك المعلومات. وكل ذلك أدى لدفع بعمليات الاحتيال المالي الرقمي في بريطانيا إلى مستويات غير مسبوقة.
ويشير التقرير الأخير لخدمة التظلمات المالية (FOS) إلى أن عدد الشكاوى من عمليات الاحتيال الإلكتروني في بريطانيا سجل رقماً قياسياً في الربع الماضي (إبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران) وبلغ 8700 شكوى مقارنة بحوالي ستة آلاف شكوى في الفترة نفسها من العام الماضي. كما يكشف التقرير عن أن أكثر من نصف عمليات الاحتيال على الأفراد يتم عبر التحويلات المصرفية والدفع المباشر، وهي التحويلات التي تتم عبر الحساب البنكي من الهاتف أو الكمبيوتر عادة.
قبل شهر تلقت (س) وهي طبيبة عربية تعمل في مستشفى لندني رسالة نصية في السابعة مساء – اعتقدت أنها من ابنتها التي تدرس في برمنغهام "أهلاً ماما، لقد غيرت رقم هاتفي بعدما فقدت موبيلي، أنا بخير لا تقلقي، هذا رقمي الجديد". وبعد دقائق جاءتها رسالة ثانية من نفس الرقم "ماما، حسابي المصرفي مربوط على رقمي القديم، ولا بد من سداد الإيجار غداً، هل بوسعك تحويل مبلغ الإيجار الليلة على رقم الحساب التالي لصاحبة المنزل؟ سأرد لك المبلغ بعد تفعيل رقمي الجديد، أرجوك ماما بسرعة لتجنب غرامة التأخير".
وتقول (س) متحدثة عن تجربتها لـ"العربي الجديد": حتى لو كنت شخصاً خارق الذكاء فإنك في موقف كهذا وأنت منخرط في عملك، لن تفكر إلا في سلامة طفلك، وبالفعل كنت على وشك تحويل المبلغ للحساب المذكور في الرسالة لولا أنني تذكرت أن ابنتي تزور خالتها لمدة أسبوع.. وعندما اتصلت بها قالت إنها لم تفقد هاتفها ولم تطلب أي أموال".
ويرى بات هيرلي، رئيس قطاع المصارف في FOS التي تعد جهة ذات طبيعة رقابية، "إن المحتالين يطورون أساليبهم باضطراد وهذا ما تكشفه عينات الشكاوى التي تتلقاها الهيئة". كذلك يشير إلى أن عدد الشكاوى التي تصلهم أسبوعياً تتجاوز 500 شكوى. رغم ذلك، يضيف: "فإن نتيجة التحقيق في الشكوى تعتمد على أمرين.. السلوك الشخصي للمستهلك والشركة الوسيطة (البنك) الذي نفذ عملية الدفع وما إذا كان كل منهما قد اتخذ الضمانات الكافية".
وتتكفل البنوك، في الغالب، بدفع تعويضات لضحايا عمليات الاحتيال إذا قلت قيمتها عن 414 ألف جنيه إسترليني (546 ألف دولار) من خلال آلية " تقنين أنظمة الدفع". أما الاستثناءات فهي أن تكون عملية الاحتيال قد حدثت خارج البلاد أو أن يكون الضحية قد أثبت إهمالاً في إجراءات السلامة الإلكترونية.
الذكاء الاصطناعي في قفص اتهام الاحتيال المالي
يقر خبراء الأمن السيبراني بأن تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي يلقى على كاهلهم بمزيد من التحديات في مكافحة الاحتيال المالي عبر الإنترنت. وحسب تقرير لشركة DBO للأمن والتحقيقات السيبرانية فإن شيوع تقنيات الذكاء الاصطناعي مكن المحتالين من صياغة وتطوير أدوات تواصل "مقنعة" مع الضحايا. وحسب التقرير فقد سارعت شبكات الاحتيال إلى تطوير نسخة مقلدة من ChatGpt كما سخرت "البوتات الذكية" كوسيلة تواصل وإقناع مع الضحايا من خلال برامج دردشة تبدو بشرية.
ويقول خبير الأمن السيبراني حازم فياض، مؤسس ومدير شركة Transformology XR في غلاسكو في حديث لـ"العربي الجديد"، إن تطور الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُستخدم أيضاً لتعزيز الأمن الإلكتروني، مثل تطوير أنظمة متقدمة للكشف عن الاحتيال واكتشاف السلوكيات المشبوهة بشكل مبكر. لكن مع هذا التطور، يجد المحتالون دائماً طرقاً جديدة لاستغلال التكنولوجيا في صالحهم.
أما تطبيقات التواصل الاجتماعي فيتزايد الاعتماد عليها من قبل شبكات الاحتيال للوصول إلى المستهدفين والاطلاع على هوياتهم وعاداتهم ومعارفهم. وفي العام الماضي حذر مصرف باركليز، وهو أحد أكبر البنوك البريطانية، من أن 70% من عمليات الاحتيال تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة ومواقع التسوق الإلكتروني. أما بنك TSB وهو من البنوك البريطانية الكبرى فقال في بيان في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إن أكثر من 50% من عمليات الاحتيال التي تعرض لها عملاؤه قد حدثت على منصات التسوق الإلكتروني، خاصة فيسبوك Marketplace.
وحسب معلومات التقرير الأخير لـ"FOS" فإن عدداً كبيراً من الضحايا خلال الربع الماضي من العام المالي - بلغ 1500 شخص - تعرّضوا للاحتيال بعروض استثمار مغرية على وسائل التواصل الاجتماعي ودفعوا للمحتالين المجهولين ببطاقاتهم الائتمانية بشكل مباشر. وهي من الحالات القليلة التي لا يغطيها نظام المخاطر المصرفي.
وتعلق آبي توماس الرئيس التنفيذي لهيئة التظلمات المالية على ما ورد في التقرير بالقول إن ارتفاع عدد الشكاوى من حالات الاحتيال أمر مؤسف، خاصة أن بعض أساليب الاحتيال تعتبر "معقدة ومقنعة إلى حد كبير". كما تشير إلى أن كثيرين يشعرون بالخجل من أن يعترفوا بوقوعهم ضحايا لهذه الممارسات ما يجعلهم يحجمون عن الإبلاغ عنها.
ثمن باهظ وفئات مستهدفة بعمليات الاحتيال المالي
تفشي ظاهرة الاحتيال المالي وصل على مستوى مقلق حسب تقرير آخر لمنظمة DNS فيدريشن ريسيرش لأبجاث أمن الإنترنت. وتقدر المنظمة أن ما يعادل 11% من البالغين في بريطانيا أو حوالي ستة ملايين شخص، قد تعرضوا لنوع من أعمال الاحتيال وخسارة الأموال على الانترنت. وتقدر المنظمة في تقرير أصدرته في فبراير/شباط الماضي النزيف المالي الذي لحق بالحسابات المصرفية بما يعادل 6.5 مليارات جنيه إسترليني، وهو ما يعادل سبعة أضعاف الميزانية المطلوبة للتصدي لمشكلة التشرد في المملكة المتحدة حسبما يشير التقرير.
وتُجمع التقارير الصادرة عن مؤسسات مصرفية وأخرى عاملة في أمن الإنترنت على أن أنظمة الاحتيال الرقمية تستهدف مختلف الأعمار، لكنها تشير إلى أن بعض الفئات العمرية أكثر عرضة للخداع من غيرها. وحسب دراسة لمصرف "نات ويست" (NatWest)، فإن سبعة من كل عشرة بريطانيين قد تعرضوا لمحاولة احتيال أو أكثر عبر هواتفهم الذكية أو حواسيبهم في العام الماضي.
ويرى خبير الأمن السيبراني حازم فياض في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الفئتين الأكثر استهدافاً هما الأصغر سناً بين البالغين أي Gen Z والفئة الأكبر فوق 55 عاماً، وحسب فياض فإن الجيل زد "يميل لاستخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي بكثافة، مما يجعلهم أكثر عرضة للتفاعل مع روابط غير آمنة أو تطبيقات مشبوهة. كما أنهم يميلون للاندفاع والمشاركة بشكل واسع في الأنشطة الرقمية، وهذا قد يزيد من احتمالات تعرضهم للاختراقات".
أما كبار السن، فيقول فياض إنه ربما يعوزهم الوعي الرقمي أو الخبرة التقنية، بالإضافة إلى ثقتهم الزائدة أحياناً بالآخرين. ويتم استهداف هذه الفئة غالباً في عمليات الاحتيال التي تعتمد على الهندسة الاجتماعية، مثل رسائل البريد الإلكتروني الاحتيالية أو المكالمات الهاتفية التي تدعي أنها من بنوك أو مؤسسات رسمية.
وتمثل الفئة العمرية بين 18-24 هدفاً لعمليات الاحتيال على مواقع الشراء نظراً لما يعتقد أنه ولع من أفراد هذه الفئة باقتناء ماركات عالمية من الملابس والأكسسوارات بأسعار معقولة. وتبدأ معظم العروض المزيفة عبر مواقع وسائل التواصل بروابط تقود إلى مكان شراء غير حقيقي حيث يدفع المستهدفون قيمة سلع لن تصلهم أبداً.
ويعلق خبير مكافحة الاحتيال المالي في "تات ويست" ستيوارت سكينر في تقرير صادر عن مؤسسته هذا الشهر بالقول إن "أنظمة الاحتيال الرقمي تنتعش على وسائط التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة مثل واتساب، حيث يبتكر المحتالون المزيد منها كل يوم، ما يصعب على المستخدمين إمكانية اكتشافها".
ويزداد الأمر صعوبة بالنسبة للجيل الأكبر، أو الفئة العمرية فوق الخامسة والخمسين، وحسب تقرير مجموعة DNS لأبحاث أمن الإنترنت، فإن هذه الفئة هي الأكثر خسارة عندما تقع ضحية للاحتيال ووصل متوسط مبلغ الخسارة في مرة الاحتيال الواحدة في هذه المجموعة ما يزيد عن 2100 إسترليني، مقارنة بمبلغ 1270 إسترلينياً للفئة العمرية بين 36- 54 ومبلغ 851 جنيهاً لمن هم دون الخامسة والثلاثين.