رئيس مجلس الخدمة العراقي يفتح لـ"العربي الجديد" ملفات هموم التوظيف والإصلاحات المطلوبة

22 اغسطس 2023
رئيس مجلس الخدمة الاتحادي في العراق محمود محمد التميمي (العربي الجديد)
+ الخط -

قال رئيس مجلس الخدمة الاتحادي المعني بملف الخدمة العامة والتوظيف في العراق محمود التميمي في حوار مع "العربي الجديد" إن كتلة بشرية كبيرة في الوظيفة العامة تشكل عبئاً على موازنة البلد النفطي، وأوضح أن 10% من مواطنيه يعملون في القطاع الحكومي، فيما العراقيون أكثر ميلاً للوظيفة الحكومية باعتبارها أكثر ضماناً لهم.

وأوضح أن العراق بدون قانون ينظم عمل ملف الخدمة وهياكله الإدارية منذ عام 1960، فيما شدد على أهمية إعادة النظر في هذه الهياكل بسبب التضارب بالصلاحيات والقرارات، كاشفاً في الوقت نفسه عن نسبة العراقيين العاملين بالقطاع الحكومي، ومشيراً في الوقت نفسه إلى وجود تعاون مع مصر في ملف الخدمة العامة.

وهذا نص الحوار مع التميمي:

بداية.. ما هي مهام وصلاحيات المجلس وهل تقدمون خدمات لتطوير أداء الموظفين؟

صلاحيات المجلس نص عليها قانونه رقم 4 لسنة 2009 في المادة 9/أولاً وتتضمن تنظيم شؤون الوظائف العامة في العراق من ناحية التعيين في المؤسسات الحكومية وإعادة التعيين ووضع الهياكل والأوصاف الوظيفية واقتراح التشريعات الخاصة بهذا الملف، وكل ما من شأنه التماس مع الخدمة العامة بشكل مباشر أو عبر المشاركة مع الجهات القطاعية بموجب القوانين، وخاصةً وزارتي التخطيط والمالية، وكذلك نعمل على تقديم خدمات التدريب والتأهيل والتطوير عبر معهد التطوير والتدريب للخدمة العامة الذي ينتظر تشريع قانون خاص به لتنظيم الدور والصلاحيات الممنوحة لهُ، ونحن ماضون في هذا الاتجاه ونعتزم القيام به عبر كوادر متخصصة بهدف رفع جودة وانتاجية الموظفين.

قلتم في وقت سابق إن هناك مشكلة في هيكل النظام الإداري في العراق، أين يكمن الخلل وهل يحتاج إعادة تنظيم أم إعادة هيكلة؟

يجب إعادة النظر في القرارات التي نظّمت الهياكل الإدارية المعمول بها حالياً، خاصة أن غالبيتها مرتبطة بقانون الخدمة المدنية العامة الذي شرع في عام 1960 وبات من الضروري تشريع قانون جديد، ومن مستلزمات النجاح في الإدارة مراجعة هياكل المؤسسات الحكومية، ونعتقد بوجوب أن يتم ذلك كل 5 سنوات لمواكبة التطور العالمي في النظم الإدارية والتي تشهد تحقيق قفزات في طرق الإدارة والتنظيم واستغلال الموارد وتم تكليفنا من قبل الحكومة بإعادة النظر في هيكلية مؤسسات حكومية عراقية بالتعاون مع منظمات عربية ودولية بالاستفادة من خبرات الدول الشقيقة والصديقة.

كذلك نحن كمجلس نرى أن أهم المشكلات التي نعاني منها تأتي بسبب البيئة التشريعية لملف الخدمة العامة، إذ إنّها بحاجة لإعادة نظر وتتحدد صلاحيات كل جهة معنية بهذا الملف وهنالك تشريعات تعيق عملنا.

إذاً، العراق منذ 63 عاماً بدون قانون ينظم الخدمة المدنية ويواكب التطورات العالمية في النظم الإدارية، ما هي انعكاسات ذلك؟

يجب تشريع قانون جديد يواكب التطور في النظم الإدارية عالمياً وما هو موجود من قدرات مادية وبشرية في البلاد، وكانت هناك نسخة حكومية مقدمة إلى البرلمان وتم سحبها من الحكومة الحالية لتعديلها وتنضيجها، ويجب كذلك إصدار تشريعات أخرى تدعم ملف الخدمة العامة، كقوانين الملاك وانضباط موظفي الدولة وإلغاء قرارات سابقة تعود لعقود وهذه كلها منظومة واحدة لا يمكن فصل جزء عن الآخر منها.

القانون الذي تنظر الحكومة فيه حالياً سيزيل العديد من الإشكاليات، وأهمها قضية الصلاحيات، إذ إنّها في ملف الخدمة العامة متناثرة بين مجلس الخدمة ووزارتي المالية والتخطيط وديوان الرقابة المالية والوزارات والهيئات والمحافظات، وكل وحدة من وحدات الإنفاق هذه لديها صلاحيات ويحدث تضارب في بعض الأحيان في القرارات المتخذة، وإرادة المشرع العراقي انصرفت نحو تشكيل مؤسسة معنية بملف الخدمة العامة متمثلة بمجلس الخدمة الاتحادي لتنظيم هذه العملية.

كيف تقرأون الترهل في الجسد الوظيفي الموجود في العراق وهل يمكن إيجاد حلول أم أن الوقت قد فات؟

هنالك كتلة بشرية تشكّل عبئاً على الدولة والموازنة، ومعالجة الموقف تتطلب رؤية إدارية في كل مؤسسة تستغل ما موجود من موارد عبر توظيفها بالطريقة التي تتناسب مع القابليات مع ضرورة تطوير القدرات، هنالك دول ليست لديها موارد طبيعية وعوضتها بالموارد البشرية الموجودة وحققت قفزات اقتصادية.

ما حجم الدرجات الوظيفية التي أشرف عليها المجلس منذ تأسيسه في عام 2019؟

المجلس تأسس في نهاية السنة المالية في عام 2019، وبعدها لم تكن هنالك موازنة عام 2020 وأول تكليف لنا بالتوظيف كان في موازنة 2021 والخاصة بتعيينات وزارة الصحة وكانت محدودة جداً، ثم أتى عام 2022 الذي لم تكن فيه موازنة أيضاً.

واقتصر الموضوع على إصدار قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية، وكلّفنا بملف تعيينات تعيين الأوائل الثلاثة على الكليات وحملة الشهادات العليا (الماجستير والدكتوراه)، وبعدد 43 ألف درجة وظيفية من أصل 74 ألفاً التي تم استكمالها بقرارات من جهات أخرى.

من مجموع 720 ألف درجة وظيفية أضيفت إلى موازنة 2023، ما حجم ما أشرفتم عليه كجهة مكلفة بملف التعيينات؟

لدينا تكليفات في موازنة 2023 المشرعة حديثاً كإدارة ملف تعيين الأقليات وإعادة التعيين في مؤسسات الدولة واستكمال تعيين الأوائل وحملة الشهادات العليا والتي اقتصر دورنا عليها بموجب قانون الدعم الطارئ على الـ 43 ألف درجة وظيفية التي أشرنا إليها، أما البقية فلم يتم تكليفنا بها، ودورنا يتم بما تثبته الموازنة من تكليف لمجلس الخدمة فقط.

فوضى التعيينات بعد 2003 وشيوع المحسوبية في التوظيف كيف أثّرا في بنية مؤسسات الدولة؟

كل تعيين يحيد عن القوانين والمعايير الموضوعة يؤثر سلباً.

كيف تنظرون لمسألة عدم وجود قاعدة بيانات واضحة تشمل جميع موظفي العراق؟

الموضوع في طريقه للحل عبر مشروع منصة الرقم الوظيفي الذي تبتنه وزارة التخطيط، وهي وصلت فيها إلى مرحلة متقدمة جداً، وهو سيوضح أعداد الموظفين الكلية وأنواعهم ومستوياتهم العلمية وقدراتهم، وهذا الموضوع مهم جداً، لأن كل مشروع يخطط له يحتاج إلى بيانات دقيقة لتوظيف الموارد البشرية فيه بأفضل صورة وبمواقعها الصحيحة، وبطبيعة الحال سيستفيد منه كل الجهاز الإداري في الدولة، ومن ضمنه مجلس الخدمة.

محدودية دور القطاع الخاص في توفير الوظائف لماذا تستمر وتدفع العراقيين إلى الوثوق بالوظيفة الحكومية حصراً، وهو ما يستمر بالضغط على الدولة؟

سوء تنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل في القطاع الخاص مشكلة أساسية، التفتت إليها الحكومة الحالية عبر تشريع قانون الضمان الاجتماعي للعمال، إذ إنه يوفر الحماية للطرفين، ونعتقد أن تطبيقه سيحدث نقلة نوعية تشجع العراقيين على الذهاب للقطاع الخاص بحثاً عن الوظائف، حالياً هم يذهبون للقطاع الحكومي لأنه أكثر ضماناً واستقراراً ومدخوله ثابت، والمطلوب نقل امتيازات الوظيفة الحكومية لوظائف القطاع الخاص، وهو ما يمكن أن يعمل عليه قانون الضمان الاجتماعي للعمال.

إن نسبة 10% من العراقيين تعمل في القطاع الحكومي، وهذه نسبة عالية جداً، بينما لا تتجاوز 2% في الدول المتقدمة، وللقطاع الخاص في العراق فرص كبيرة، إذ إن الدولة تنفتح نحو تنفيذ الكثير من المشاريع المهمة والاستراتيجية، ومن بينها مشروع طريق التنمية والمدن الصناعية الذي يتواصل إنشاؤه.

هنالك فائض من خريجي كليتي الصيدلة وطب الأسنان يصل إلى 30 ألفاً، لماذا يظهر فائض بتخصصات وشحّ في أخرى رغم حاجة سوق العمل؟

يجب أولاً تحديد حاجة الدولة من جهة والسوق من جهة أخرى لوظائف معينة، لتلبية هذه الحاجة عبر خياري زيادة التوظيف فيها أو فتح كليات ومعاهد لتوفير خريجين لتغطية الطلب، وبالمقابل تقلص الكليات والمعاهد في التخصصات الأقل طلباً، وهذا يعتمد على البيانات التي تقدمها الوزارات طلباً للوظائف، وعلى سبيل المثال وزارة الصحة بحاجة لتخصصات من الكوادر التمريضية والصحية داخل دوائرها الحالية أو المشاريع التي يتم افتتاحها ووفق ما يتم تخصيصه من وظائف.

الحكومة خاطبت الوزارات والهيئات قبل أكثر من شهر لتزويدها بالبيانات للمناورة بين الموظفين وإجراء مناقلات في الموارد البشرية من دائرة فيها فائض بأعداد وتخصصات لأخرى لديها شحة بغية سد النقوصات وجعل الإمكانات البشرية في أماكنها الصحيحة.

هنالك شكاوى من محدودية إمكانات أطباء وكوادر تمريضية تسببوا في مشكلات صحية لمرضى وصلت إلى مستوى حصول وفيات، كيف يجرى تعيين هؤلاء؟

تعيين خريجي الكليات الطبية يتم وفق قانون رقم 6 لسنة 2000 وهو ألزم الدولة بتعيين خريجيها في المؤسسات الصحية، ويخضعون لقانون التدرج الطبي لصقل مهاراتهم وتضاف إليهم مهارات أخرى جديدة وهناك من تبقى إمكاناتهم محدودة، وهنالك إجراء يجب أن يأخذ دوره الحقيقي يتمثل باستمارة التقييم التي تمنح للإدارات ويتم على ضوئها وضع تقييم لكل موظف، وللأسف هي ما زالت شكلية أكثر من كونها موضوعية ويفترض على أساسها تحديد مؤهل الموظف أما البقاء في العنوان الوظيفي نفسه أو الارتقاء به أو إعادة تدريبه لتطوير مهاراته وهذا نظام يجب أن يعمل به وتقام بموازاته دورات تطوير قدرات مستمرة للموظفين لرفع قدراتهم ومهاراتهم وهذا إجراء معمول به في كثير من الدول ويجب أن يأخذ دوره بشكل أكبر في العراق.

هل تعتقدون أن الموظف العراقي مُنتج لمستوى مقبول أم أن تطويره واجب لرفع كفاءته وإنتاجيته؟

الموضوع نسبي ويرتبط مباشرةً بأسلوب الإدارة ومدى نجاحه في كل دائرة وعلى ضوء إمكانات الموظف وتطوير أدائه.

وقعتم مذكرة واتفاقية مع الجانبين المصري والأردني في الشهرين الأخيرين ما مضمونهما؟

مع الجانب المصري وقعنا مذكرة تفاهم تتعلق بملف الوظيفة العامة بشكل عام والتنظيم الإداري، الأخوة في مصر قطعوا أشواطاً مهمة في مجال إدارة الموارد البشرية ولديهم الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وهو واحد من المؤسسات العريقة ومن الممكن الاستفادة من خبراتهم في العراق وبالمقابل هم أعجبوا بتجربة مجلس الخدمة الاتحادي في ملف توظيف الأوائل وحملة الشهادات وطلبوا الاستعانة بنا من ناحية استخدام النظم الحديثة وقواعد البيانات.

أما الجانب الأردني فقد وقعنا اتفاقية تبادل المعلومات والمعرفة في الوظيفة والخدمة العامة مع ديوان الخدمة هناك، وهو من المؤسسات المهمة والعريقة، وهم لديهم اتفاقات في جانب التدريب والتطوير مع منظمات دولية وأوروبية رصينة ومن الممكن الاستفادة من الخبرات والاتفاقات مع الدول العربية واحدة من أدوات التواصل.

سيرة ذاتية

يُشار إلى أن محمود محمد عبد محمد التميمي من مواليد بغداد 1977، وحائز على بكالوريوس قانون من كلية القانون في جامعة بابل، وقبل ترؤسه مجلس الخدمة الاتحادي، كان عضوا في مجلس رؤساء الهيئات المستقلة برئاسة مجلس الوزراء، وعضواً في لجنة اعداد استراتيجية الموازنة المالية العامة.

المساهمون