ذهب سورية الأخضر: توقعات متضاربة لموسم الزيتون بعد عام من الندرة

03 سبتمبر 2022
توقعات بارتفاع إنتاج هذا الموسم (فيليب ديسمازس/ فرانس برس)
+ الخط -

"لن تسعف وفرة إنتاج الزيتون المستهلكين، والأرجح أن تبقى أسعار الزيت مرتفعة"، هكذا بدأ محمد طالب، العامل السابق في مكتب الزيتون بمدينة إدلب، حديثه مع "العربي الجديد"، مدعماً رأيه بثلاثة أسباب: الأول ما سماه خلل الإنتاج هذا العام، "في حين تبشر محافظات الساحل السوري بموسم وفير، نرى الموسم في محافظتي إدلب وحلب، وهي كبرى مناطق الإنتاج، متوسطاً أو دون ذلك".

والسبب الثاني "استمرار التصدير، لأن حكومة بشار الأسد ستجد بزيت هذا العام فرصة لتحصيل القطع الأجنبي". وأما السبب الثالث برأي طالب، فهو غلاء الأسعار بشكل عام، والزيوت تحديداً بعد الحرب على أوكرانيا، في ظل تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار إلى نحو 4500 ليرة وارتفاع معدل أسعار السلع والمنتجات بأكثر من 60 في المائة هذا العام "الأرجح أن يبقى الزيت حلماً ولا نستبعد بيعه بالغرام كما فعلت حكومة الأسد العام الماضي، وقت باعت الزيت بمظروفات زنتها 20 غراماً".

يشير طالب إلى أن الموسم المقبل يبقى من المواسم الجيدة، خاصة إذا ما قيس على إنتاج العام الماضي، وقت تراجع الإنتاج إلى نحو 560 ألف طن، وهو نصف إنتاج سورية قبل عشر سنوات، مبيناً أن "شجرة الزيتون بشكل عام تثمر عاماً وتضعف في الموسم اللاحق، والتقديرات هذا العام تعتبر جيدة بالعموم".

تفاوت التقديرات

وكان مكتب الزيتون في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في دمشق قد قدر أخيراً إنتاج محصول الزيتون لموسم 2022 بنحو 820 ألف طن، بزيادة 260 ألف طن عن الموسم الماضي. وأظهرت التقديرات الأولية تراجع الإنتاج بشكل أساسي في محافظة حلب مقابل زيادة ملحوظة في محافظتي اللاذقية وطرطوس بنحو 366 ألف طن بما يعادل 40 في المائة من إجمالي الإنتاج.

وتم تقدير إنتاج الزيتون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام (حلب وإدلب وحماة والرقة والحسكة ودير الزور) بما يبلغ 238.6 ألف طن، وهي تشكل نحو 26 في المائة من مجمل الإنتاج. لكن مزارع الزيتون في محافظة إدلب ظافر عبد اللي رأى أنه من المبكر التكهن بموسم الزيتون بدقة، لأن الحر انعكس جفافاً في الثمار، ما قد ينسف جميع التوقعات إن لم تتم سقاية الأشجار مرتين على الأقل قبل القطاف.

وشرح عبد اللي خلال اتصال مع "العربي الجديد" اختلاف توقيت القطاف بين مدن الساحل ومدن الشمال "إذ قلما يتم جني محصول الزيتون في شمال سورية (ادلب وحلب) قبل المطر، لأن سقاية الأشجار مكلفة جداً بواقع وصول سعر ليتر المازوت في محافظة ادلب إلى 1.011 دولار للمازوت المستورد ونحو 0.586 دولار للمكرر محلياً.

ولفت عبد اللي إلى ارتفاع تكاليف إنتاج زيت الزيتون هذا العام، بواقع انقطاع التيار الكهربائي وغلاء المحروقات، وهي مستلزمات أساسية لمعاصر الزيتون التي في العادة تتقاضى زيتاً مقابل عمليات العصر "إن شاء المزارع"، ما يعني برأيه استمرار غلاء أسعار الزيت الذي ارتفع بعد موسم 2021 الشحيح بنسبة 125 في المائة وسجلت صفيحة الزيت (16 ليتراً) نحو 300 ألف ليرة سورية.

تراجع الإنتاج

وحول إنتاج سورية بعد الحرب أشار عبد اللي، الحاصل على جائزة صاحب أفضل حقل زيتون في عام 2009 على مستوى القطر، إلى أن الإنتاج كان على عتبة 1.1 مليون طن، يزيد قليلاً أو ينقص حسب إنتاج المحافظات. وتابع: "لكن الحرب وسيطرة قوات نظام الأسد على مزارع شرقي مدينة إدلب، وهي كبرى مناطق الإنتاج بسورية، وعدم العناية بالأشجار من حراثة وتقليم وسقاية ومكافحة حشرات، أثرت كثيراً على الإنتاج".

وأضاف أنه "لولا دخول مدن جديدة في عملية زراعة شجر الزيتون، مثل درعا جنوبي سورية، لتراجع الإنتاج بشكل كبير، لأنه في الماضي كانت الزراعة تتركز بمدينتي إدلب وحلب في الشمال وطرطوس واللاذقية غربي سورية على الساحل". وكانت سورية قد احتلت المرتبة الخامسة عالمياً بإنتاج الزيتون عام 2011، بعد إسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا، والأولى عربياً، إثر تجاوز إنتاجها من الزيتون تونس مع بلوغه مليون طن، ووصل قبلها إلى 1.2 مليون طن، قبل أن يتراجع تصنيفها إثر هبوط الإنتاج الذي بلغ أدناه العام الماضي بعد موسم شحيح، واحتراق ما نسبته 5 في المائة من أشجار الزيتون بمدن الساحل السوري، ما أخّر سورية في التصنيف العالمي، بعد دخول تونس والمغرب قبلها إلى القائمة.

ويبلغ عدد أشجار الزيتون في سورية، وفق إحصائية وزارة الزراعة، نحو 106 ملايين شجرة، منها 82 مليوناً مثمرة، وتتوزع زراعة الزيتون في المنطقة الشمالية: إدلب وحلب، بنسبة 46 في المائة، وفي المنطقة الوسطى: حمص وحماة، بنسبة 24 في المائة، وفي المنطقة الساحلية: طرطوس واللاذقية، بنسبة 18 في المائة، وفي الشرقية: دير الزور والحسكة والرقة، بنسبة 2 في المائة، لتدخل مناطق الجنوب: درعا والسويداء حديثاً وبوتيرة زراعة عالية، بنسبة 10في المائة، ما أوصل الإنتاج المتوقع إلى أكثر من 800 ألف طن هذا العام من الثمار ونحو 125 ألف طن من زيت زيتون.

كنز غير مستثمر

ورأى الاقتصادي السوري نبيه السيد علي أن لدى سورية "كنزاً زراعياً لم تعرف استثماره يوماً"، لأن الزيت، خلال مواسم الوفرة أو الندرة، يصدر من دون عملية التعليب والتغليف التي يمكن أن تخلق قيماً مضافة في الاقتصاد.

وأشار إلى أن لبنان يستورد بعض الزيت السوري، لكنه يعيد تعبئته بقوارير صغيرة وجاذبة، فيربح ربما أكثر من المصدر الأساسي. كما أن الزيتون بإسبانيا وفرنسا واليونان "ثروة وطنية" يتم التعامل مع أشجاره وثماره وزيته عبر خطط مدروسة، ويتلقى المزارعون الدعم والرعاية، لأنهم يسوقون بلداً وطعماً ويعودون إلى بلادهم بالسمعة والعائد المالي.

أما التعامل مع مزارعي الزيتون في سورية فلا يزال، وفق السيد علي، بمنتهى الاستخفاف، عبر رفع أسعار المبيدات الحشرية والمشتقات النفطية، ما يهدد الإنتاج وترتيب البلاد عالمياً. وأضاف السيد علي، وهو عضو غرفة تجارة إدلب السابق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الأسعار، بالغالب، لن تتراجع، بل من المتوقع أن تزيد عن أسعار العام الماضي، "فعدا عن تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار من 3600 ليرة العام الماضي إلى 4500 ليرة اليوم، فإن حكومة النظام ستعتبر الزيتون هذا العام فرصة لجني الدولار، على اعتبار الزيت السوري مطلوباً إقليمياً ودولياً، وقد سبق أن أكدت وزارة الاقتصاد أن 85 في المائة من صادرات سورية زراعية حالياً.

وتوقع أن يتعدى سعر صفيحة الزيت 400 ألف ليرة سورية، وهذا السعر أعلى بكثير من قدرة المواطن الشرائية، ما يعني حرمانه من إنتاج بلده، كما يحصل بالنسبة للفاكهة والخضر ولحم الخرفان، التي تصدر إلى دول الخليج العربي. وختم: "نحن في سورية، وبواقع سيطرة حكومة بشار الأسد، يجوز فينا بيت الشعر "كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهرها محمول".

المساهمون