تنطلق أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي في دافوس الإثنين، وسط مخاوف أطلقها كبار رجال الأعمال والساسة من أنحاء العالم، المشاركين في أعماله، من أزمة حادة في معيشة الدول النامية، مدفوعة بارتفاع حاد في الأسعار ومعدلات بطالة، وركود، وسباق بين الاقتصادات الكبرى، تهدد بحروب جيواقتصادية مخيفة.
استبق المنتدى المنعقد بسويسرا في الفترة من 16 إلى 20 يناير/ كانون الثاني الجاري بإصدار "تقرير المخاطر الاقتصادية العالمية 2023" والذي يحذّر من "عاصفة اقتصادية" تدفع الدول الناشئة، من بينها مصر ودول عربية عديدة، إلى مزيد من المعاناة مع احتياجاتها المعيشية، في ظل أزمات ديون خانقة وعدم قدرة الحكومات على توفير التمويل والاستثمارات اللازمة للنمو، ووقوعها فريسة للقروض، ما يحول دون قدرتها على توفير الثقة لدى المستهلكين والحد من اضطرابات الأسواق، بما يهدد بوقوع انفجارات سياسية.
أزمة تكلفة المعيشة
يتوقع المشاركون أن تحدث على مدى العامين المقبلين أزمة بتكلفة المعيشة، والانكماش الاقتصادي، والحرب الجيواقتصادية، وفجوة بالعمل المناخي، والاستقطاب المجتمعي.
تم تصنيف أزمة تكلفة المعيشة العالمية على أنها أشد المخاطر العالمية حتى عام 2025، مع ارتفاع أسعار الغذاء والإسكان واستمرار الاضطرابات في تدفقات الطاقة والغذاء من روسيا وأوكرانيا وفرض حوالي 30 دولة قيوداً أو حظر التصدير، على الغذاء والطاقة العام الماضي، مع زيادة أسعار السلع والطاقة.
استطلع التقرير رؤية 1200 خبير، من أهم خبراء المخاطر في العالم، أدلو بآرائهم، عبر شبكة المنتدى الاقتصادي العالمي المتنوعة، خلال الفترة من 7 سبتمبر/ أيلول إلى 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
شارك خبراء المركز المصري للدراسات الاقتصادية بمصر في إعداد ملفات بالتقرير، باعتبار المركز ممثلاً لآراء الدول الناشئة الأكثر تأثراً بسوء الأوضاع المعيشية وأزمة الديون وتداعيات الحرب في أوكرانيا.
ذكر التقرير أن "أزمة تكلفة المعيشة" ستكون أعظم خطر عالمي على مدى العامين المقبلين، وتبلغ ذروتها على المدى القصر، لتسبب تآكل التماسك الاجتماعي والهجرة القسرية واسعة النطاق، والمزيد من الركود والاختلاف والضيق.
ويتوقع المشاركون في التقرير مواجهة الحكومات والبنوك المركزية ضغوطاً تضخمية صعبة، حتى عام 2025، لاستمرار الآثار الاقتصادية المترتبة على انتشار وباء كوفيد، واستمرار الاختناقات الناجمة عنه، واحتمال استمرار ونشوب حرب طويلة في أوكرانيا، تشعل المزيد من الحرب الاقتصادية التي تؤثر على سلاسل التوريد، وتدفع بآثارها السلبية على التوقعات الاقتصادية.
وأوضح الخبراء أن سوء المعايرة بين السياسات النقدية والمالية لدى الدول سيزيد من احتمال حدوث صدمات سيولة، مما يشير إلى انكماش اقتصادي طويل وضغوط الديون، بما يؤدي إلى استمرار التضخم المدفوع بالعرض إلى الركود التضخمي شديد، وغير مسبوق مع مستويات عالية تاريخياً من الجمهور.
ديون وفائدة مرتفعة
وبيّن التقرير أن الديون ستساهم في التشرذم الاقتصادي العالمي والتوترات الجيوسياسية، وإعادة هيكلة صادمة في ضائقة الديون على نطاق واسع، للسنوات العشر المقبلة.
كما توقع الخبراء نهاية عصر أسعار الفائدة المنخفضة، حتى لو شهد بعض الاقتصادات هبوطاً أكثر ليونة من المتوقع، لتخلف تداعيات كبيرة على الحكومات والشركات والأفراد.
يترتب على نهاية عصر الفائدة المنخفضة أن تشعر الجماعات الأكثر ضعفاً في المجتمع والدول الهشة بالفعل بالآثار غير المباشر، مما يساهم في ارتفاع الفقر والجوع والاحتجاجات العنيفة وعدم الاستقرار السياسي وحتى انهيار الدولة.
وستؤدي الضغوط الاقتصادية وفقاً للتقرير إلى تآكل المكاسب التي حققتها الأسر متوسطة الدخل، مما يحفر السخط والاستقطاب السياسي والدعوات إلى تعزيز الحماية الاجتماعية في جميع أنحاء العالم.
كما ستؤدي أزمات الغذاء الوقود والتكاليف إلى تفاقم نقاط الضعف المجتمعية بينما يؤدي انخفاض الاستثمارات في التنمية البشرية إلى تآكل المرونة في المستقبل.
وجه المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس تحذيراً من تفاقم أزمة تكلفة المعيشة والانكماش الاقتصادي، وتحولها إلى كوراث عالمية، تؤثر على استقرار الدول، بخاصة النامية والغارقة في الديون خلال السنوات العشر المقبلة.
وتخاطر الضغوط المستمرة في جانب العرض بتحويل أزمة تكلفة المعيشة الحالية إلى أزمة إنسانية أوسع في غضون العامين المقبلين بالعديد من الأسواق المعتمدة على الواردات.
ويحذر التقرير من عدم قدرة الأسواق الناشئة على تحمل الضغوط الاقتصادية بما يدفع بمزيد من الإحباط لدى المواطنين، واتساع الفجوة في القيم والمساواة، ويشكل تحدياً وجودياً للأنظمة السياسية في جميع أنحاء العالم.
أزمة الحماية الاجتماعية
وأشار إلى أن العصر الاقتصادي الجديد الناتج عن الاختلاف المتزايد بين البلدان الغنية والفقيرة هو أول تراجع في التنمية البشرية منذ عقود، وهو ما يتطلب توازناً من الحكومات بين حماية شريحة واسعة من المواطنين، من أزمة تكلفة المعيشة دون تضمين التضخم وتلبية تكاليف خدمة الديون، حيث تتعرض الإيرادات لضغوط من الانكماش الاقتصادي والانتقال العاجل إلى بيئة جيوسياسية مستقرة.
ويتناول التقرير مجموعة مخاطر "تبدو جديدة تماماً، ومألوفة بشكل مخيف" مع بداية عام 2023، مشيراً إلى عودة المخاطر القديمة التي تتضح في التضخم وأزمة تكلفة المعيشة والحروب التجارية وخروج رأس المال من الأسواق الناشئة والاضطرابات الاجتماعية واسعة النطاق، والمواجهة الجيوسياسية وشبح الحرب النووية، التي لم يشهدها سوى عدد قليل من قادة الأعمال وصانعي السياسات العامة، في هذا الجيل.
أوضح التقرير أن هناك تضخيماً للمخاطر القديمة، من خلال التطورات الجديدة في مشهد المخاطر العالمية، بما في ذلك مستويات الديون التي لا يمكن تحملها، وبروز عصر جديد من النمو المنخفض وتراجع الاستثمار العالمي والعولمة وانخفاض الموارد البشرية.
ويشير التقرير إلى التقاء المخاطر الاجتماعية والاقتصادية حتى عام 2025، والتي سيظهر أثرها في تكلفة المعيشة والاستقطاب الاجتماعي والسياسي وإمدادات الغذاء والطاقة والنمو الضعيف والمواجهة الجيوسياسية.
ويبيّن التقرير أن عصر النمو والاستثمار المنخفض والتعاون المحدود يزيد من تقويض المرونة والقدرة على إدارة الصدمات المستقبلية، وحالة عدم اليقين المتزايدة.
ويتناول التقرير الأزمات العديدة التي سيترتب عليها النقص في الغذاء والماء والمعادن، وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المرتبطة.
مخاوف الحروب
يحذر التقرير من نتيجة التشرذم الجيوسياسي بأن يؤدي إلى الحروب وزيادة خطر نشوب صراعات متعددة المجالات، إذ أصبحت الحرب الاقتصادية هي القاعدة، مع تزايد الاشتباكات بين القوى العالمية، وتدخل الدول في الأسواق، على مدى العامين المقبلين، واستخدام سياسات اقتصادية دفاعية لبناء الاكتفاء الذاتي والسيادة من القوى المتنافسة والتوسع بها في شكل هجومي لتقييد صعود الآخرين.
ومع تصاعد التسلح الجيواقتصادي يتوقع التقرير أن ترتفع الأسعار وتشكل النقاط الجغرافية الساخنة المهمة للنظام المالي والاقتصادي العالم، مصدر قليل متزايد، مع ارتفع المواجهات الاقتصادية بين الدول، يظهر أثرها في زيادة الانفاق العسكري، وسباق التسلح والحروب السيبرانية.
كما سيزداد عدم المساواة والاختلاف في جميع الاقتصادات، في قطاع التكنولوجيا، توسع مخاطر المعلومات المضللة، لا يمكن السيطرة عليها، والتحكم بها، وارتفاع الجرائم السيبرانية، التي ستحاول تعطية الخدمات الحيوية القائمة على التكنولوجيا، مع توقع هجمات على مشروعات المياه والنظم المالية والأمن العام والنقل والطاقة والبنية التحتية، للاتصالات المنزلية والفضائية وتحت سطح البحر.
ويذكر أنه في ظل أزمة تمويل القطاع العام والمخاوف الأمنية المتنافسة فإن القدرة على استيعاب الصدمات العالمية تتقلص، على مدى السنوات العشر المقبلة، حيث ستتقلص قدرة البلدان، على توفير حيز مالي للاستثمار في النمو المستقبلي والتكنولوجيات الخضراء والتعليم، والرعاية الصحية والخدمات العامة، مع اضمحلال بطيء في البنية التحتية، مع نمو تقلبات وصدمات في مجالات متعددة ومتوازية، تساعد من خطر تعدد الأزمات بعمق، تدفع إلى مزيد من التآكل الاجتماعي والجيوسياسي والاقتصادي.
وأكد تقرير المخاطر الذي يصدره المنتدى سنويا، حدوث تشرذم اقتصادي وتكنولوجي لن يتحمله سوى عدد محدود من اقتصادات العالم، تخلق رياحا معاكسة للتعاون العالمي، الذي غالبا ما يمثل حاجزا لهذه المخاطر العالمية
توقع التقرير أن تؤدي أزمة إمدادات الطاقة والإمدادات الغذائية، وارتفاع التضخم، إلى توسيع تأثير أزمة الغلاء، عبر المجتمعات بما يضر بسبل عيش أوسع شريحة من السكان، ويزعزع استقرار المزيد من اقتصادات العالم، وخاصة المجتمعات الضعيفة تقليديا والدول الهشة.