"لم أفهم مقصد القرار فهو جائر بكل المقاييس"، هكذا وصف المستشار الاقتصادي أسامة قاضي قرار حكومة بشار الأسد تخفيض سعر القمح والشعير للموسم المقبل إلى ما دون سعر الموسم السابق "قياساً بتغيّر سعر الدولار"، بل وإلى أقل من السعر العالمي الذي تستورد به القمح.
ويشرح لـ"العربي الجديد": "هذا ما أثار استغرابنا، إذ كيف تتوسل حكومة الأسد رجال الأعمال بالداخل لينوبوا عنها في استيراد القمح بالدولار، وتقيّد الفلاح بسعر أقل؟". ويضيف قاضي أن نقطة الغموض الأكبر هي في خسائر الفلاحين الذين تكبدوا تكاليف السقاية لأن النظام لا يمنح المازوت بسعر مدعوم للفلاحين، سوى 25 في المائة من حاجتهم، في حين يقدم للمنشآت السياحية 80 في المائة من حاجتها بالسعر المدعوم.
كما زادت عليهم تكاليف الإنتاج الزراعي، من سعر بذار ومبيدات وري و أجور عمالة، لأن ما يسمى دعما للأسمدة والبذار هو جزئي أو معدوم، وفق القاضي. وكانت حكومة النظام السوري قد حددت، الأسبوع الفائت، سعر شراء محصولي القمح والشعير من المزارعين للموسم الزراعي 2023 بواقع 2300 ليرة سورية لكيلوغرام القمح، و2000 ليرة لكيلوغرام الشعير. وأضافت الحكومة خلال بيان، أن هذه التسعيرة جاءت نتيجة حساب كلفة الإنتاج الحقيقية في ظل الدعم المقدم للقطاع الزراعي من بذار ومحروقات وأسمدة.
وتأتي تسعيرة موسم الحبوب للموسم المنتظر أقل مما كانت عليه في العام الماضي، إذا ما قيس السعر بالدولار وليس بالليرة السورية، إذ لم يزد سعر صرف الدولار خلال موسم حصاد القمح في العام الفائت عن 4000 ليرة، في حين يزيد سعر الدولار بدمشق اليوم عن 7900 ليرة سورية. وكانت حكومة بشار الأسد قد اشترت موسم القمح في العام الماضي بسعر 1700 ليرة، مدعية منح مكافأة إضافية بنحو 300 ليرة سورية لمن يسلم القمح من خارج مناطق سيطرة الأسد، ليصبح السعر النهائي 2000 ليرة سورية.
لكن حكومة الأسد "تدفع ثمن تسعيرها المنخفض"، بحسب المهندسة الزراعية بتول أحمد، التي تؤكد لـ"العربي الجديد"، أن حصة النظام من الموسم السابق لم تزد عن 500 ألف طن، في حين زادت حصة مناطق "الإدارة الذاتية" عن 800 ألف طن، ووصل محصول المناطق المحررة، شمال غربي سورية، إلى نحو 200 ألف طن "وكثير من الفلاحين بمناطق الأسد لم يسلموا المحصول رغم الملاحقات وسجن البعض".
وتضيف المهندسة السورية أن مناطق سيطرة الأسد تحتاج "بالحد الأدنى" إلى مليوني طن قمح استهلاك عبر خبز الأفران وصناعة الحلويات والمعكرونة وسوى ذلك، ما اضطر حكومة الأسد لاستيراد أكثر من مليون طن قمح خلال العام الماضي، منها 500 ألف طن من روسيا والبقية كلف النظام التجار باستيرادها من دول منتجة أخرى، لكن تلك الكميات مع المحصول لم تكف السكان بدليل ندرة وغلاء الخبز.
وترى أحمد أن تسعيرة النظام لهذا العام أقل ولا شك من تكاليف إنتاج كيلوغرام القمح التي قدرتها بنحو 2500 ليرة "إذا ما أخذنا بالحسبان أجور الحصاد والنقل، بواقع ندرة المازوت وارتفاع سعره، كما أن كلفة حصاد الدونم بالحصادة يزيد عن 40 ألف ليرة سورية، وأما إذا توجه الفلاحون للحصاد اليدوي بهدف الاستفادة من التبن كأعلاف، فإن كلفة حصاد الدونم تصل لنحو 90 ألف ليرة بواقع ارتفاع أجور العمالة".
وتعاني سورية من عجز كبير بمادة القمح بعد تراجع الإنتاج من أكثر من 3.5 ملايين طن قبل الثورة عام 2011، إلى نحو مليون طن في الموسم السابق، بحسب تصريحات صحافية لرئيس اتحاد الفلاحين بحكومة الأسد أحمد صالح الإبراهيم، الذي قال إن "الكميات الإجمالية لإنتاج القمح بين 1 و1.2 مليون طن".
كما أن المعاناة على الأرجح ستستمر، بحسب أحمد، إذ لم تزد المساحة المزروعة بالقمح لموسم 2023 عن مليون هكتار "أقل بـ20 في المائة من العام الماضي، وذلك بسبب انحباس الأمطار وتراجع منسوب مياه نهر دجلة من الطرف التركي"، متوقعة ألا يزيد الإنتاج بمناطق سيطرة الأسد عن 800 ألف طن، ما يعني عجزا بأكثر من مليون طن واستمرار الغلاء والندرة ومعاناة السوريين.
ويعتبر مدير مؤسسة الحبوب بحكومة المعارضة السورية حسان محمد أن تسعير الحبوب من حكومة الأسد "سابق لأوانه، لأن التكاليف لم تحصر بعد، لأن الموسم لم يكتمل، نحن أمام ما بين 45 و55 يوماً لجني المحصول وحصاد القمح والشعير".
ويشير المهندس محمد في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن مؤسسة الحبوب التابعة للمعارضة لم تحدد تسعير الموسم المقبل للقمح والشعير و"ننتظر ريثما تتضح كافة التكاليف"، ولكن حين تسعّر فسيكون أعلى من السعر العالمي ومن سعر حكومة الأسد "لأن تخسير الفلاحين ينعكس على أسرهم وردود فعل بعدم زراعة القمح بالمواسم المقبلة، فهناك زراعات أخرى أكثر ربحية ولا تحتاج لأمطار كثيرة مثل اليانسون وحبة البركة".
ويضيف مدير مؤسسة الحبوب أن تسعيرة المعارضة في الموسم الماضي كانت أعلى من تسعيرة حكومة الأسد، إذ طرحت 475 دولاراً للطن الواحد، ما يعني وصول سعر الكيلوغرام إلى نحو 1900 ليرة سورية، وهو سعر صاف من دون أي حسومات، في حين نظام بشار الأسد طرح سعر الكيلوغرام 1700 ليرة، مع مكافأة 300 ليرة، ولكن هناك حسما بنحو 15 في المائة لقاء ما يدعيه نظام الأسد إعادة الإعمار وإعانة أسر الشهداء.