خريطة النفط في سورية نحو التبدل... اقتسام أم صدام؟

07 ديسمبر 2024
قوات أميركية تقوم بدوريات قرب حقول نفط في الحسكة، 3 سبتمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- السيطرة على حقول النفط والغاز: منذ 2011، تسيطر قوات سوريا الديمقراطية بدعم أمريكي على معظم حقول النفط والغاز في شمال وشرق سوريا، بينما يحتفظ نظام الأسد ببعض الحقول الصغيرة، مما يمنح قسد مكاسب استراتيجية واقتصادية ويثير مخاوف من صراعات إقليمية.

- التفاوض والمكاسب الاقتصادية: تبرز أهمية التفاوض حول حقول النفط، حيث قد تتفاوض "هيئة تحرير الشام" مع قسد لتجنب المواجهة العسكرية، بينما تطالب المعارضة بتوزيع عادل للثروات رغم تأجيل الموضوع حالياً.

- تراجع إنتاج النفط السوري: انخفض إنتاج النفط من 380 ألف برميل يومياً في 2011 إلى أقل من 150 ألف برميل حالياً، مما حول سوريا من مصدر للنفط إلى مستورد وأثر على الاقتصاد السوري.

طفت مناطق إنتاج النفط في سورية إلى بؤرة الضوء في ظل سيطرة المعارضة السريعة على عدة مدن كبرى، لاسيما حلب وحماة، الأمر الذي يعيد احتمال تبدل خريطة إنتاج النفط والغاز من جديد، بعد أن تبدلت مرات عدة، منذ اندلاع الثورة في مارس/آذار 2011.

وتبدو السيطرة على حقول النفط والغاز بالغة الأهمية هذه المرة في ظل حاجة المعارضة إلى تأمين الإمدادات وتدبير احتياجات المناطق التي جرى انتزاعها من النظام، بعد أن سيطرت على أكثر من 20% من مساحة سورية أخيراً، والتي تشير التقديرات إلى أن 6 ملايين سوري يقطنونها، فضلا عن توفير مصدر للتمويل.

ووسط الأهمية الاستراتيجية لمنابع الطاقة في سورية تتزايد المخاوف من تحول مناطق الإنتاج التي تتركز في شمال وشرق البلاد، إلى بؤر صراع تتدخل فيها أطراف إقليمية ودولية، حيث تسيطر قوات سورية الديمقراطية "قسد" حالياً على معظم المواقع الإنتاجية بدعم أميركي، حيث تشرف الولايات المتحدة التي تشرف عملياً، على أكبر حقلين في محافظة دير الزور (شرق سورية) وتسيطر "قسد" على حقول "رميلان" في محافظة الحسكة (شمال شرق)، بينما لم يبق لنظام بشار الأسد، إلا بعض الحقول الصغيرة، قليلة الإنتاج في ريف حمص الشرقي (وسط البلاد) ومحافظة دير الزور.

كشف مصدر خاص من قوات سورية الديمقراطية لـ"العربي الجديد" أن "هيئة تحرير الشام" كبرى الفصائل السورية المقاتلة والتي تقود غرفة عمليات المعارك "لمحت إلى مسألة التشارك في مواقع النفط والغاز"، مضيفا أنه "من غير مستبعد أن تكون حقول الرميلان أحد محاور التفاوض خلال الفترة المقبلة بين الهيئة وقسد" لأن كلا الطرفين، حسب المصدر، "لا يريدان المواجهة العسكرية، وقد يتجنبان الصدام".

قسد حريصة على المكاسب

وتبدو قسد حريصة على المكاسب التي جنتها خلال سنوات ماضية فيما يتعلق بحقول النفط والغاز أو حتى مصادر المياه ومحطة الكهرباء الحرارية التي وصلت إليها في شرقي حلب خلال الأيام الماضية بعد هروب قوات النظام السوري، الأسبوع الماضي. لكن وزير الاقتصاد فيما تعرف بالحكومة السورية المعارضة، عبد الحكيم المصري، رأى في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن بقاء مصادر مياه الشرب أو توليد الكهرباء في ريف حلب الشرقي بيد "قسد" مستحيل، بعد أن استغلت فراغ هروب النظام وانشغال الثوار بتحرير حلب، ودخلت المنطقة.

وحول التفاوض بشأن الآبار النفطية والسيطرة على مواقعها، قال المصري: "لا يمكن التفاوض على مقدرات سورية والشعب، ولابد من استعادتها ليعاد توزيع واقتسام الثروات لكل الشعب السوري بعدل"، مضيفا أنه ليس من العدالة أن تستأثر قسد بالنفط وأرباح بيعه، في حين يعاني السوريون في باقي المناطق من الندرة والبرد وقلة المحروقات، "لكن هذا الموضوع مؤجل اليوم بواقع التبدلات الدراماتيكية على الأرض وسرعة تقدم الثوار".

وتشير التقديرات إلى أن إنتاج النفط السوري كان يبلغ نحو 380 ألف برميل يومياً عام 2011، بينما تراجع إلى أقل من 150 ألف برميل حالياً، موزعة على مناطق سيطرة الميليشيات الكردية "قسد" ونظام الأسد.

تواصلت "العربي الجديد" مع مسؤولين عن حقول "رميلان" في قوات سورية الديمقراطية، وأرسلوا ما وصفوه بوثيقة حول توزع الآبار جغرافياً والإنتاج في فترة ما قبل الثورة وحالياً. ووفق الوثيقة كانت حقول محافظة دير الزور تنتج في الماضي حوالي 130 ألف برميل يومياً، مما شكل ثلث الإنتاج النفطي السوري حينذاك، بينما يُقدر إنتاج الحقول الواقعة في المحافظة تحت سيطرة "قسد" حوالي 15 ألف برميل يومياً، يُباع معظمها للنظام السوري عبر وسطاء مثل شركة "القاطرجي" بأسعار تتراوح بين 20 و30 دولاراً للبرميل. أما الحقول تحت سيطرة النظام في المحافظة ذاتها، فيُقدر إنتاجهما بحوالي سبعة آلاف برميل يومياً.

أهم هذه الحقول حقل العمر النفطي: يقع على بعد 10 كيلومترات شرق مدينة الميادين. ويُعد من أكبر الحقول النفطية في سورية، وبلغ إنتاجه حوالي 80 ألف برميل يومياً في التسعينيات، بينما حالياً يُقدر إنتاجه بحوالي 20 ألف برميل يومياً ويقع تحت سيطرة "قسد". يليه حقل "كونيكو" الواقع شرق مدينة دير الزور وتسيطر عليه "قسد" وكان يُستخدم في السابق لإنتاج الغاز الطبيعي بمعدل 13 مليون متر مكعب يومياً، لكنه حالياً متوقف عن الإنتاج. حقل الجفرة ويقع شرقي مدينة دير الزور أيضاً، وهو حقل ذو إنتاج قليل، وكان قبل الثورة ينتج نحو 2000 برميل، واليوم نحو 1000 برميل، ويقع تحت سيطرة "قسد".

كذلك هناك حقل "التنك" الواقع في بادية الشعيطات في ريف دير الزور الشرقي، وكان إنتاجه قبل عام 2011 نحو 40 ألف برميل يومياً والإنتاج الحالي لا يتجاوز 1000 برميل يومياً وهو تحت سيطرة النظام. وحقل "التيم" الواقع قرب مدينة الموحسن جنوب مدينة دير الزور، وكان ينتج حوالي 50 ألف برميل يوميًا قبل عام 2011، في حين يُقدر إنتاجه الحالي بحوالي 2500 برميل يوميًا، ويخضع لسيطرة النظام.

وهناك حقل "الورد" الواقع قرب قرية الدوير في ريف دير الزور الشرقي، كان إنتاجه السابق حتى عام 2011 نحو 50 ألف برميل يوميًا وتراجع الإنتاج الحالي إلى نحو خمسة آلاف برميل يوميًا، وهو تحت سيطرة النظام.

أما آبار ومواقع إنتاج النفط في محافظة الحسكة، فتكشف وثيقة "قسد" أن حقول الرميلان التي تقع في أقصى شمال شرق سوري، تأتي أولاً. وهي تضم حوالي 1322 بئراً نفطية و25 بئر غاز في حقول السويدية المجاورة، كان إنتاجها نحو 90 ألف برميل، بينما تراجع إنتاجها مجتمعة إلى نحو 9 آلاف برميل يومياً، في حين ينتج معمل غاز السويدية 13 ألف أسطوانة غاز يومياً، و500 ألف متر مكعب تغذي محطات توليد الكهرباء. كما تضم محافظة الحسكة حقول الجبسة التي كان إنتاجها السابق بنحو 2500 برميل نفط يومياً، تراجع اليوم إلى نحو 2000 برميل، إلى جانب معمل الغاز المتوقف. ووفق الوثيقة فإن كافة الحقول في محافظة الحسكة، تحت سيطرة "قسد".

أما محافظة حمص، وسط سورية، فتضم حقولاً عدة أبرزها (الشاعر، الهيل، آراك، حيان، جحار، المهر، أبو رباح) ولا يزيد إنتاجها مجتمعة على تسعة آلاف برميل يومياً، وهي تحت سيطرة نظام الأسد. وتتوزع مواقع النفط في محافظة الرقة (شمال وسط سورية)، على حقل الثورة النفطي، الواقع جنوب غربي محافظة الرقة، وحقول الوهاب والفهد ودبيسان والقصير وأبو القطط وأبو قطاش، جنوب غربي الرقة، قرب بلدة الرصافة، وهي آبار ذات إنتاج قليل بالماضي ويقدر إنتاجها حالياً مجتمعة بنحو 2000 برميل يومياً.

توزع السيطرة وتبدلها

بعد أن كانت جميع مواقع وآبار النفط والغاز، تتبع نظام الأسد، تبدلت خريطة السيطرة مرات عدة، منذ اندلاع الثورة في مارس/ آذار 2011، إذ سيطر الثوار على مناطق إنتاج النفط، بعد انسحاب قوات بشار الأسد عام 2012 من مناطق شمال شرق سورية، ليسيطر تنظيم الدولة "داعش" أواسط عام 2013 على مناطق إنتاج الطاقة، وليتقاسم لاحقاً السيطرة والإنتاج، مع "المليشيات الكردية" حتى سبتمبر/أيلول 2017 وقت سيطرت قوات سورية الديمقراطية "قسد" على مدن الحسكة والرقة بالكامل وشرقي دير الزور، التي تضم أكبر 11 حقلاً للنفط.

وتابعت "قسد" مدعومة من الولايات المتحدة، السيطرة على معمل غاز "كونيكو"، أكبر مؤسسة لإنتاج الغاز الطبيعي في ريف دير الزور الشمالي الشرقي، والسيطرة على حقل "الجفرة" النفطي، ومن ثم، نهاية عام 2017 على حقل "العمر"، أكبر حقل في سورية وبعده على حقول نفط التنك، والورد، وعفرا، وكوري، وجرنوف، وأزرق، وقهار، وشعيطات، وغلبان شرقي دير الزور، والتي تمثل ثلث مصادر الطاقة في سورية، ليبلغ الإنتاج الذي تسيطر عليه قوات سورية الديمقراطية نحو 35 ألف برميل يومياً، وتبرم نهاية عام 2017، اتفاقاً مع نظام الأسد، يحصل بموجبه النظام على 65% من العوائد، و"قسد" على 20%، قبل أن تتمدد "قسد" وتسيطر على حقول نفط الجبسة، وكببة، وتشرين في الحسكة، ومحطة الجبسة لتوليد الطاقة الكهربائية باستخدام الغاز الطبيعي، لتبلغ نسبة سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" على أكثر من 70% من مصادر الطاقة في سورية، بسيطرتها على نحو 1400 بئر نفطية، بحسب مصادر في "هيئة الطاقة في مقاطعة الجزيرة" التي تتبع ما تعرف بـ"الإدارة الذاتية" في شمال شرق سورية.

في حين يسيطر نظام بشار الأسد، على حقل الشاعر للنفط وحقل جحر للغاز الطبيعي في دير الزور، وعدد من الحقول الصغيرة غرب الفرات. ليصل الإنتاج الذي يسيطر عليه نظام الأسد بحسب بيانات وزارة النفط والثروة المعدنية في دمشق إلى 5560 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ويرتفع إنتاج النفط من أقل من 10 آلاف برميل نفط عام 2016 إلى نحو 25 ألف برميل نفط، بحسب تصريحات سابقة لوزير النفط السابق في حكومة الأسد، علي غانم.

من الوفرة إلى الندرة

تقول مصادر غير رسمية أن إنتاج سورية من النفط، أكثر بكثير مما كان يعلنه النظام، بيد أنه في البيانات الرسمية قبل الثورة عام 2011 ونقلاً عن وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة الأسد، وقتذاك، سفيان العلاو: بلغ إنتاج سورية خلال عام 2010 ما يقارب 141 مليون برميل من النفط، بمعدل يومي يصل إلى 386 ألف برميل، وبزيادة قدرها 9407 براميل يومياً مقارنة مع عام 2009.

ولكن، بواقع تسليم نظام الأسد آبار النفط لداعش ومن ثم للتنظيمات الكردية، تحولت سورية من بلد مصدر لنحو 150 ألف برميل نفط يومياً، إلى مستورد بنحو 200 ألف برميل لزوم الاستهلاك المحلي "لكن النظام لا يستطيع استيرادها ما يسبب قلة العرض التي نراها"، كما قال الخبير الاقتصادي السوري المتخصص في شؤون النفط، عبد القادر عبد الحميد لـ"العربي الجديد" الذي يرى أن تبدل خريطة النفط وتراجع الإنتاج "أهم ما عرّى النظام اقتصادياً"، إذ كان يشكل إنتاج النفط قبل الثورة، نحو 24% من الناتج الإجمالي لسورية و25% من عائدات الموازنة و40% من عائدات التصدير.

وأضاف عبد الحميد أن أعلى إنتاج كان عام 1996 وقت بلغ نحو 600 ألف برميل "كادت سورية أن تدخل منظمة أوبك"، وكان يزيد عن ضعف الحاجة المحلية التي تقدر، بنحو 4.5 ملايين لتر من البنزين، و6 ملايين لتر من المازوت، و7000 طن من الفيول، و1200 طن من الغاز.

بدوره، رأى الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض، نصر الحريري، أن خريطة النفط السوري "معقدة جراء المواقع والسيطرة، ولكن، بعد سيطرة الثوار حالياً على مناطق كبيرة في سورية، يمكن أن يعاد رسم خريطة السيطرة على الحقول الموجودة ومعظمها في مناطق شرقي نهر الفرات، الواقعة تحت سيطرة قسد"، مضيفا أن نظام بشار الأسد لا يسيطر سوى على بعض الحقول شرقي حمص وبعض الحقول قليلة الإنتاج في محافظة دير الزور، في حين لا تسيطر المعارضة على أي موقع أو بئر إنتاج حتى اليوم، وتمول مستهلكيها من تركيا أو ما يهرّب من مناطق "قسد".

وأضاف الحريري لـ"العربي الجديد" أن الوجود الأميركي قرب مواقع النفط وكذلك الصراع الإقليمي المتمثل في تركيا وإيران وروسيا على مواقع النفوذ والثروات، ربما يعيق سيطرة المعارضة أو يؤخره.

وحول سيناريوهات الخريطة المقبلة، بواقع التطورات وتوسع سيطرة المعارضة، أشار رئيس الائتلاف السابق إلى أن النفط أحد أهم العوامل الحاسمة التي تؤثر على توازن القوى بين الأطراف، سواء محلية أو إقليمية أو دولية، وربما تؤثر أطراف إقليمية ودولية بقاء الفوضى، لفترة ما، لتحقيق فوائد ومصالح محددة الأجل، ولكن تبقى قضايا الجغرافيا وما تحتويه من موارد، مرهونة بسيطرة المعارضة والحل السياسي الدائم في سورية.

المساهمون