عادت أزمة أسعار الخبز إلى الواجهة مجدداً في عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية، إثر رفض المخابز التقيد بتسعيرة جبرية فرضتها الحكومة أخيراً، ليقدم العديد من أصحاب هذه المنشآت على الإغلاق، في محاولة لإثناء الحكومة عن قرارها الذي يقول أصحاب مخابز إنه لا يراعي الكلف المرتفعة التي يتحملونها، خاصة مع ارتفاع أسعار الدقيق والمواد الأولية الأخرى التي تدخل في الإنتاج، بينما تؤكد مصادر حكومية أن القرار يراعي أيضا ظروف الكثير من المواطنين الذي يكابدون من أجل توفير قوت يومهم.
وتلزم الحكومة المخابز ببيع رغيف الخبز بنحو 30 ريالاً بدلا من 40 ريالاً التي فرضتها معظم المخابز منذ حوالي شهر، إذ لم يستقر سعر الرغيف في عدن ومختلف محافظات جنوب اليمن منذ مطلع العام الماضي.
وأفضى آخر خلاف على التسعيرة بين هذه المنشآت العاملة في بيع الخبز والجهات الحكومية المختصة، مطلع العام الحالي، إلى توقيع اتفاق بين الطرفين يسمح للمخابز برفع سعر رغيف الخبز وقرص الروتي (نوع من الخبز) إلى 30 ريالاً بدلاً من 25 ريالاً التي كانت محددة من قبل الجهات المختصة سابقاً.
يقول فواز نجيب، مالك أحد المخابز في عدن، لـ"العربي الجديد"، إن "المخابز تتكبد خسائر فادحة بسبب الارتفاعات المتواصلة لأسعار المواد الأساسية، خصوصاً الدقيق والمواد الداخلة في إنتاج الرغيف، مثل الزيوت وغيرها من السلع".
ويضيف نجيب أن "عملية البيع منذ أشهر تتم بدون أي هامش ربح، والبيع بالتسعيرة المحددة أمر غير مجد على الإطلاق، في ظل العديد من الأزمات التي تواجهها المخابز، مثل أسعار غاز الطهي الذي دأب العديد من المخابز على الاعتماد عليه بدلاً عن الديزل".
وتدفع التقلبات المتواصلة في أسعار الدقيق وتفاوتها من منطقة لأخرى المنشآت العاملة في بيع رغيف الخبز إلى مراجعة التسعيرة وتقييم التكلفة التي ترى أنها تفوق قدرتها على تحملها.
وتكفل الاتفاقيات الرسمية التي يتم التعامل بها عادة في اليمن حصول المخابز على أسعار تفضيلية للدقيق بفارق 1500 ريال عن سعره المتداول في الأسواق، والحصول على الوقود من قبل شركة النفط الحكومية بالسعر الذي تحدده الشركة مع نسبة تفضيلية بسيطة، بمقابل التزام المخابز بيع رغيف الخبز (50 غراما) للمستهلك بقيمة 20 ريالاً.
وبينما تبرر المخابز رفع أسعارها بزيادة ثمن المواد الأولية، يشكو المواطن خالد إبراهيم، من سكان منطقة الشيخ عثمان شمال عدن، في حديث مع "العربي الجديد"، من ارتفاع قياسي في أسعار المواد الغذائية إلى مستويات عالية دفعت بالكثير إلى التخلي عن عدد كبير من السلع، وبالتالي، ليس بالإمكان التخلي عن الخبز.
كما يشير المواطن جميل الحسني إلى أن هناك غشاً تجارياً في أوزان رغيف الخبز وأقراص "الروتي" المسطحة التي تزداد نحافة من فترة لأخرى، وهو ما ضاعف من موازنة المواطنين لتوفيرها.
وينعكس الاضطراب الحاصل في سعر صرف العملة اليمنية في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً على بروز أزمات غذائية ومعيشية حادة تعيشها معظم المدن، ضاعفها انتشار فيروس كورونا وما رافقه من تبعات اقتصادية وانخفاض المخزون الغذائي مع تراجع الاستيراد ونفاد الاحتياطي النقدي من البنك المركزي.
ويُحمّل مصدر حكومي المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً، مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية والخدمات العامة بسبب عرقلته عمل الحكومة، حيث واجهت تحديات جسيمة لم تسمح لها بالعمل منذ تشكيلها.
وتخضع عدن ومناطق في جنوب اليمن لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، شريك الحكومة في التشكيل الوزاري الذي جرى نهاية العام الماضي.
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي اليمني مصطفي جازم، لـ"العربي الجديد"، إن حل معظم الأزمات المتكررة، والتي تشتد من وقت لآخر مثل أزمة الخبز والوقود والعملة، يتطلب توافقا سياسيا شاملا بين مختلف الأطراف، إذ ينعكس توسع هوة الخلافات بينها إلى مضاعفة هذه الأزمات ووصولها إلى مستويات لم يعد باستطاعة أحد تحملها.
وتؤكد تقارير أممية أن اليمن يشهد أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم، استناداً إلى وثيقة النظرة العامة للاحتياجات الإنسانية لعام 2021، الصادرة عن الأمم المتحدة في فبراير/ شباط الماضي، إذ تشير إلى أن أكثر من 20.7 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات الإنسانية.
وتستمر أسعار السلع الغذائية في الارتفاع بشكل قياسي، بينما تتلاشى القدرات الشرائية لأغلب المواطنين وسط انعدام السيولة المالية، حتى أضحت الكثير من الأسر تحت وطأة الديون وأعباء إيجارات المساكن التي تأتي في طليعة الأعباء التي يواجهونها، إضافة إلى متطلبات الحياة المعيشية التي غدت حملاً ثقيلاً يعجز كثير من اليمنيين عن تحمله.