حقيقة التعويم الرابع للجنيه المصري

27 فبراير 2023
بنك فرنسي يتوقع تراجع جديد في قيمة الجنيه المصري/ Geety
+ الخط -

إذا صدقت تلك التوقعات فإننا أمام موجات تعويم للجنيه المصري لا تنتهي إلا لو اتخذت الجهات المسؤولة في الدولة خطوات جدية وبشكل عاجل وصارم لوقف هذا التهاوي ووضع نهاية لتدحرج العملة نحو الأسوأ.

من أبرز تلك الخطوات الحد من الاقتراض الخارجي، وزيادة موارد الدولة الدولارية والاستخدام الكفء لها، وتنشيط قطاعات استراتيجية مثل السياحة والصادرات وتحويلات المغتربين والاستثمار المباشر، والحد من الواردات خاصة لسلع لها بديل محلي ولا تمثل قيمة مضافة للسوق.

كما أن الأمر يتطلب علاج مشكلة عجز الميزان التجاري المزمنة، والتوقف عن تخصيص الموارد والقروض الدولارية لتمويل مشروعات لا تدر عائدا بالنقد الأجنبي ويمكن تمويلها بالعملة المحلية.

ليس من المقبول مواصلة تأسيس أكبر دار للأوبرا وأضخم مدينة للملاهي في منطقة الشرق الأوسط وتشييد مقار حكومية جديدة بقروض خارجية

فليس من المقبول مواصلة تأسيس أكبر دار للأوبرا وأضخم مدينة للملاهي في منطقة الشرق الأوسط وتشييد مقار حكومية بالعاصمة الإدارية الجديدة بقروض خارجية.

يصاحب تلك الخطوات الملحة إعادة الثقة لدى حائزي الدولار وطمأنتهم على أموالهم المودَعة لدى البنوك، خاصة هؤلاء الذين سحبوا مدخراتهم الدولارية من البنوك ووضعها في البيوت وتحت البلاطة، في ذروة اضطرابات سوق الصرف والتخفيضات المتواصلة في قيمة الجنيه، وانتشار شائعات قوية حول قرب إفلاس الدولة، وهذه نقطة يمكن العودة لها لاحقا لأهميتها.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وعودة للتوقعات فخلال الأسبوع الجاري عادت التكهنات الخاصة بحدوث تراجع جديد في قيمة الجنيه على الرغم من أنه لم يمض سوى أسابيع قليلة على قرار التعويم الأخير والذي فقدت العملة على إثره نحو 25% من قيمتها. كما فقدت 50% خلال عام، بعد خفض قيمتها ثلاث مرات.

وظهرت توقعات من قبل بنوك عالمية منها سوسيتيه جنرال، أحد أكبر المصارف الفرنسية، تتحدث عن تراجع مرتقب آخر في قيمة العملة بنسبة تصل إلى 10%، ليصل سعر الجنيه إلى متوسط 34 جنيها للدولار الواحد قبل نهاية الشهر المقبل.

بل وتذهب بعض المؤسسات المالية إلى التوقع بحدوث تعويم رابع في فترة لا تزيد عن العام، وإذا صدقت هذه التوقعات فإننا نعتبر أن ما حدث خلال الفترة الماضية هو بمثابة التقاط أنفاس وهدنة مؤقته للجنيه الذي تلقّى ضربات موجعة من الدولار.

سوسيتيه جنرال يتوقع تراجع مرتقب آخر في قيمة العملة بنسبة 10%، ليصل سعر الجنيه إلى 34 جنيها للدولار قبل نهاية مارس

وقبل أسابيع قال تقرير صادر عن بنك "إتش إس بي سي HSBC"، إن تغيرات أسعار الصرف في السوق المصرية، قد تنتهي عند بلوغ الدولار مستوى 30 - 35 جنيهاً على المدى القصير.

وبغض النظر عن تلك التوقعات وما إذا كانت تلك المؤسسات على علم ببيانات لا نعرفها، وأرقام تخص المالية المصرية والتدفقات النقدية وحجم الالتزامات الحقيقية غير متاحة للجميع، فإن هناك أمورا يجب أن نضعها نصب أعيننا إذا ما تحدثنا عن مستقبل الجنيه في الفترة المقبلة.

خارجيا، يواصل البنك المركزي الأميركي سياسة رفع أسعار الفائدة، لتهدئة مخاطر التضخم الجامح، وهو ما يضغط على عملات كل الدول الناشئة ومنها الجنيه المصري.

بل إن هناك توقعات بأن يصل سعر الفائدة الأميركية إلى 6% سنويا، وهو ما يعني نزوح ما تبقى من أموال ساخنة من الأسواق الناشئة خاصة عالية المخاطر، وزيادة كلفة الاقتراض الخارجي على الدول التي تعتمد على الخارج في سد الفجوة التمويلية لديها.

إقليميا، لا يزال هناك بطء في التدفقات النقدية من قبل المستثمرين الخليجيين لشراء أصول مصرية لأسباب عدة منها ترقب حدوث مزيد من التراجع في قيمة الجنيه المصري، وبالتالي الاستحواذ على تلك الأصول بسعر أفضل وأقل، وما يتعلق بظهور خلافات تخص تقييم الأصول المعروضة للبيع.

كما أن دول الخليج في انتظار تطبيق الحكومة المصرية الالتزامات التي تعهدت بها لصندوق النقد مقابل الحصول على القرض الأخير، ومنها الحد من مشاركة الدولة والمؤسسة العسكرية في إدارة الاقتصاد، وضمان المزيد من الشفافية حول الأوضاع المالية للشركات المملوكة للدولة والشركات غير المدرجة في البورصة.

الجنيه سيواصل تذبذبه وتعرضه لمزيد من الضغوط الخارجية والداخلية إلى أن تتخذ الجهات المسؤولة خطوات جدية لكبح الدولار الجامح

داخليا، لا تزال السوق المصرية تعاني من شح في النقد الأجنبي، ولا تزال السوق السوداء تطل برأسها في سوق الصرف، ولا تزال عملية اكتناز الدولار والذهب من قبل بعض المدخرين مستمرة رغم تراجعها بشدة، ولا يزال بعض المودعين متخوفين من تكرار السيناريو اللبناني، وبالتالي يحتفظون بما لديهم من سيولة بعيدا عن البنوك.

في ظل هذه الاعتبارات وغيرها فإن الجنيه المصري سيواصل تذبذبه وتعرضه لمزيد من الضغوط الخارجية والداخلية إلى أن تتخذ الجهات المسؤولة خطوات جدية لكبح الدولار الجامح.