عبر تعليق تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من جانب 18 دولة، بينها الولايات المتحدة وألمانيا، وفرنسا وبريطانيا، تواصل إسرائيل وحلفاؤها توسيع رقعة الحرب جغرافيّاً، خارج قطاع غزة، حيث يتضرر من القرار اللاجئون الفلسطينيون الذين يتلقون خدمات الوكالة في لبنان وسورية والأردن، بجانب الأراضي المحتلة في الضفة والقدس.
ويفاقم تعليق التبرعات أزمة التمويل المستمرة منذ عشر سنوات، وبين أسبابها، توسع مهام الوكالة نتاج التحديات المستجدة في مجال عملها، وثانياً محدودية المساهمات وكونها طوعية، وأيضا تأثرها بالتوجهات السياسية. وتظل معضلة استدامة المنظمة وأعمالها قائمة، حيث تشكل مساهمات الدول الطوعية حوالي 90% من الميزانية، أما باقي المخصصات فتأتي من الجمعية العامة للأمم المتحدة وتبرعات من هيئات دولية أخرى.
ورغم نداءات متكررة خلال ثلاث سنوات مضت، إلا أن المخصصات الموجهة إلى الوكالة الأممية لا تكفي المهام، خاصة مع ارتفاع عدد اللاجئين، وزيادة احتياجاتهم، بجانب تغيرات وأزمات سياسية واقتصادية في دول يعيش فيها اللاجئون.
ويعد تعليق التمويل لأونروا من جانب حلفاء إسرائيل وبينها الدول الاستعمارية التقليدية أداة عقاب وحصار اقتصادي، إذ يهدد بتراجع الخدمات، كما سيساهم عجز التمويل حال استمراره، في تمرير مخطط إسرائيل في إبعاد أونروا عن الأراضي المحتلة وقطاع غزة خصوصاً، وهو يساعد الاحتلال في تنفيذ مخططاته.
ويكشف مجمل المشهد، الترابط بين دولة الاحتلال وحلفائها سياسياً، والمدعومة بالتفاعلات الاقتصادية، سواء حجز الموارد وعقاب الفلسطينيين أو الدعم الاقتصادي والعسكري والسياسي غير المحدود لإسرائيل. وتأتي حملة التحريض الإسرائيلية على الوكالة، ضمن آليات اقتصادية للسيطرة، بما فيها حصار كل إمكانيات للعيش، ومنع أي موارد يتحصل عليها السكان تساعدهم على البقاء، هذا في ظل العدوان الذي يتطلب استجابة أوسع في جهود الإغاثة.
أوضاع اللاجئين في غزة والضفة
بحسب بيانات متفرقة لأونروا، يعيش حوالي ثلث اللاجئين في 59 مخيماً رسمياً، ما يزيد على 1.5 مليون لاجئ، وترتفع بينهم معدلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي، ويعانون عموماً هشاشة اقتصادية.
في أراضي فلسطين التاريخية، هناك 27 مخيماً رسمياً (19 في الضفة، و8 مخيمات بغزة) تعرضت لأزمات متشابكة. في غزة تزداد المعاناة مع عوامل بينها الانقسام الفلسطيني، وتكرار العدوان، واستمرار الحصار الإسرائيلي، وهو ما يحد من فرص تطوير الأنشطة الاقتصادية، وفي ظل ذلك، يعيش في المخيمات نصف مليون، دمرت خلال الحرب أغلب مساكنهم جزئياً أو كلياً.
وتعرضت أحياء في مخيم جباليا شمال غزة، وهو أكبر المخيمات في غزة للتدمير، وكذلك مخيم الشاطئ المكتظ بالسكان، والبريج وسط القطاع، أما مخيم خانيونس فما زالت معاناته مستمرة حتى اليوم، ويتعرض للقصف باستمرار، وعموماً يزيد عدوان الاحتلال من الاحتياج الشديد إلى الإيواء والمساعدات الغذائية.
وقبل العدوان بعام، تلقى مليونان و200 ألف من سكان القطاع، خدمات متنوعة، وهم يتعرضون اليوم لتداعيات الحرب من النزوح والتجويع والعطش، وهو ما يزيد الحاجة إلى الاستجابة الإنسانية وجهود الاغاثة.
وتتحول مؤسسات أونروا (خاصة المدارس، والتي يبلغ عددها 278) إلى مأوى لاستقبال النازحين. وخلال الأسبوع الأول للحرب لجأ نحو 300 ألف إلى مؤسسات الوكالة، ثم تضاعفت الأعداد بحثاً عن مكان آمن نسبياً.
ومع استمرار قصف كل مناطق القطاع، نزح أغلب السكان إلى الجنوب، ونقلت أونروا معظم أنشطتها إلى هناك، لكنها قيدت أعمالها، وتعرضت مقراتها للاعتداء وقتل عشرات العاملين فيها، والقبض على نازحين احتموا بمؤسساتها.
كما قلص الاحتلال خلال شهر فبراير/شباط الجاري مرور المساعدات من معبر رفح، حيث تتسلم الوكالة مواد الإغاثة، وتعرضت رفح للقصف أيضاً وطاول خيام النازحين.
ويواجه اللاجئون في الضفة والقدس، فضلاً عن المصاعب الاقتصادية، هدم المنازل والاعتقال المتكرر، وتوسع الاستيطان.
وتعرضت مخيمات الضفة وبعض القرى للاستهداف بالتزامن مع العدوان على غزة، حيث نفذ الاحتلال اقتحامات في مخيم بلاطة في نابلس، وعين السلطان في أريحا، ودير عمار شمال غرب رام الله، بالإضافة إلى اقتحامات لمخيم جنين الصامد.
وخارج فلسطين، يعاني اللاجئون أيضاً، إذ يواجه لبنان وسورية انهياراً اقتصادياً، وإن كان الوضع في الأردن أحسن حالاً، لكن تبقى الهشاشة الاقتصادية سمة غالبة للاجئين، بجانب انكماش اقتصادي في مجمل البلاد المستضيفة، هذا بخلاف ظرف اقتصادي عالمي مأزوم، إذ تشهد أسعار الأغذية والحبوب ارتفاعاً، مع الحرب الأوكرانية، غير تبعات أزمة الجائحة سابقاً.
حصار أدوار المناصرة والإغاثة
في ظل هذه الظروف، تصبح أدوار وكالة أونروا من تقديم الخدمات التعليمية والصحية والإغاثية ودور المناصرة غاية في الأهمية. وتستحوذ الخدمات الصحية والتعليمية على النسبة الأكبر من الميزانية حالياً، ما يقارب 72 في المائة (58 للتعليم، 15 للصحة)، هذا بجانب برامج المساعدات، والإيواء المؤقت، وترميم المنازل.
كما استوعبت مدارس أونروا عام 2022 نحو 544 ألف طفل، بينما هناك 140 مركزاً للرعاية الصحية الأولية، يستقبل ملايين الحالات سنوياً، بجانب برامج الأمن الغذائي، والدعم النفسي الاجتماعي.
كل ذلك إضافة إلى خدمات الإعمار والإيواء، والأخيرة يقف التمويل فيها عائقاً، وتحاول أونروا التعاون مع منظمات أممية أخرى، وهيئات المجتمع المدني والقطاع الخاص في تنفيذها، مع ذلك تواجَه بتضييقات على دخول مواد البناء، لا تقتصر على قطاع غزة المحاصر.
تضغط إسرائيل وحلفاؤها، على وكالة أونروا، وتستكمل حملة دعاية ضدها، بغرض شل أدوار الإغاثة والمناصرة، وهو هدف قديم يتجدد مع حملة الهجوم على الوكالة بغرض تصفية وجودها.
وتواصل إسرائيل عبر هذا النهج، حصارها لكل الموارد التي تبقي الفلسطينيين وقضيتهم على قيد الحياة.
بينما تعمل الوكالة منذ إنشائها في ديسمبر/كانون الأول 1949 بقرار أممي، على تعزيز وضع اللاجئين وقدراتهم، ما يزيد من الصمود والقدرة على العيش، وهو ما لا تريده إسرائيل بالتأكيد، بجانب رغبتها في التخلص من قضية اللاجئين عامة، لذا؛ ليس في مصلحة الاحتلال، أن توفر أي جهة خدمات تعليمية وصحية، أو دعم الأمن الغذائي، والاقتصادي وخدمات التعليم والصحة.
وتظهر بيانات الوكالة، تمييز كثير من أبناء مجتمعات اللجوء تعليماً، وبعضهم أصبح بين نابغين ومبتكرين معروفين دولياً.
كما يتصل القرار بملامح الاقتصاد السياسي للحرب الشاملة، إذ تستخدم دولة الاحتلال، كل ما أمكن من سياسات وأدوات اقتصادية بهدف إخضاع الفلسطينيين وقيادتهم، وبين ذلك تدمير البنى التحتية، وقطع خدمات الطاقة والمياه، ومنع كل الموارد التي تعين سكان القطاع على البقاء أحياء، ذلك ضمن آليات للسيطرة منها منع حركة الأفراد والبضائع، وكذلك منع وصول المساعدات.
ويفرض القرار أيضاً ضغطاً على مجمل الشعب الفلسطيني، عقاباً على مقاومته للعدوان، ولشل أي إمكانية مستقبلية للعيش في القطاع ضمن سياسة الأرض المحروقة، وهي إحدى أدوات اقتصاد الحرب التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة، وتستهدف تهجير سكانه إلى الخارج.