حرب موانئ ضد إسرائيل... ماليزيا تمنع سفن الاحتلال والمتعاملين معه

إسطنبول
عدنان عبد الرزاق
عدنان عبد الرزاق
عدنان عبد الرزاق مراسل العربي الجديد في سورية
كوالالمبور

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
21 ديسمبر 2023
حظر ماليزي لسفن الاحتلال
+ الخط -

لم يكد يمر يومان على إعلان الولايات المتحدة الأميركية عن تحالف لمواجهة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ضد السفن الإسرائيلية والمبحرة نحو إسرائيل، حتى أطلت جبهة جديدة ضد التجارة البحرية الإسرائيلية، ولكن من دون سلاح، حيث قررت ماليزيا منع السفن الإسرائيلية والمتجهة إلى تل أبيب من دخول موانئها، ما قد يحمل تأثيرات موجعة لإسرائيل والمتعاملين معها نظراً لأهمية الموانئ الماليزية في آسيا، كما قد تشجع هذه الخطوة دولاً أخرى على انتهاج نفس الأمر للضغط على إسرائيل وداعميها لوقف العدوان الإجرامي على قطاع غزة.

ويأتي الحظر الماليزي في وقت تشهد فيه التجارة البحرية الإسرائيلية القادمة من آسيا اضطرابات بالغة بالأساس بفعل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، التي أجبرت السفن الإسرائيلية وغيرها التي تنقل بضائع إلى موانئ إسرائيل على تغيير مساراتها ما يكلفها وقتاً ومالاً أكثر، فضلا عن ارتباك تجارة دول أخرى بعدما أقدمت عدة شركات شحن على تغيير مساراتها أو تعليق مرورها تماماً في البحر الأحمر منها أربع شركات أوروبية تشكل نحو 54% من إجمالي التجارة العالمية. وهذه الشركات هي "ميرسك" (Maersk) الدنماركية، و"لويد" (Peg-Lloyd) الألمانية، و" سي إم إيه سي جي إم" (CMA CGM) الفرنسية، و"إم إس سي" (MSC) السويسرية.

وأعلنت الحكومة الماليزية في بيان نشرته وكالة الأنباء الماليزية "برناما"، أمس الأربعاء، أنها قررت منع السفن الإسرائيلية والسفن التي ترفع العلم الإسرائيلي من الرسو في موانئها بأثر فوري، كما فرضت على أي سفينة متجهة إلى إسرائيل منع تحميل البضائع في الموانئ الماليزية.

كذلك منعت كوالالمبور شركة الشحن الإسرائيلية "زيم" من الرسو في أي ميناء ماليزي. وقال رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم إن "هذا المنع هو رد على تصرفات إسرائيل التي تنتهك المبادئ الإنسانية الأساسية وتنتهك القانون الدولي بالمجازر الوحشية المستمرة ضد الفلسطينيين". وأضاف إبراهيم، وهو أيضاً وزير المالية، وفقا للبيان، أن الحكومة واثقة من أن القرار لن يؤثر على الأنشطة التجارية الماليزية.

ضربة اقتصادية إضافية لإسرائيل

وتمثل هذه الخطوة ضربة اقتصادية إضافية لإسرائيل، نظراً للأهمية التجارية التي تحظى بها ماليزيا في جنوب شرق آسيا وتجارة الترانزيت التي تمر عبرها. وحققت ماليزيا فائضاً تجارياً للعام الـ 25 على التوالي العام الماضي، إذ سجلت صادراتها إلى الأسواق الرئيسية، بما في ذلك الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، أرقاماً قياسية، وفقاً لبيانات وزارة التجارة الدولية والصناعة، حيث قفزت الصادرات بنسبة 25% على أساس سنوي في 2022 لتصل إلى 1.55 تريليون رينغيت ماليزي (355 مليار دولار)، مدعومة بشحنات المنتجات الكهربائية والإلكترونية والبترول والغاز الطبيعي المُسال وزيت النخيل.

ويتوفر لدى ماليزيا 10 موانئ يحظى العديد منها بأهمية بالغة بالنسبة لحركة التجارة القادمة من آسيا والمتجهة إلى أوروبا ودول الشرق الأوسط وأميركا الشمالية والجنوبية. ويعد ميناء "كلانج" الرئيسي في الدولة وأحد أكبر الموانئ في جنوب شرق آسيا عموماً. ويقع الميناء على بعد 38 كيلومترا جنوب غرب العاصمة كوالالمبور، عند مضيق مالاكا الذي يربط بين المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي.

ويقدم الميناء خدمات شحن الحاويات والبضائع العامة والسائبة والحاويات الصغيرة والنفط والغاز الطبيعي المسال. بالإضافة إلى ذلك يتميز بوجود محطة للحاويات تتسع لأكثر من 8 ملايين حاوية سنوياً، ومحطة للنفط والغاز تتسع لما يزيد عن 30 مليون طن سنوياً، ويعتبر مركزاً رئيسياً للتجارة العالمية والتجارة بين المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي، وفق البيانات الرسمية.

كما يحظى ميناء "بينانغ" الذي يقع في مدينة بينانغ بولاية بيراك شمال غرب البلاد، بأهمية كبيرة أيضا كونه يتيح الوصول إلى الأسواق العالمية بسهولة، حيث يربط بين البلدان المجاورة في جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ، ويعتبر مركزاً لتداول البضائع في المنطقة، لاسيما المواد الكيميائية والغذائية والحبوب والمعادن والحاويات والمنتجات الإلكترونية.

كذلك يوجد ميناء "جوهور" في جنوب البلاد، على الضفة الشرقية لمضيق جوهور الذي يفصل شبه الجزيرة الماليزية عن جزيرة سنغافورة، ما يجعله واحداً من أكثر الموانئ حيوية في جنوب شرق آسيا. ويعتبر مركزاً للتجارة والصناعة والسياحة في المنطقة، حيث يمر به معظم التجارة البحرية في المنطقة. وتعد الصين وسنغافورة وإندونيسيا وتايلاند والفيليبين وفييتنام وأستراليا ونيوزيلندا من بين أكبر الشركاء التجاريين للميناء. وتحظى الموانئ السبعة الأخرى بميزات كبيرة للتجارة العالمية، لاسيما ميناء "لوموت" الواقع شمال كوالالمبور، حيث يتم استخدامه كمرفأ للشحن البحري والإفراج عن البضائع في جميع أنحاء المنطقة والعالم.

صعوبات أمام "حارس الازدهار"

والاثنين الماضي أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، تشكيل تحالف دولي لحماية التجارة في البحر الأحمر، يتألف من عشر دول هي الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وكندا، وإيطاليا، والبحرين، وهولندا، والنرويج، وسيشل، وإسبانيا. ويبدو أن واشنطن واجهت صعوبة في إقناع الكثير من الدول للانخراط في تحالفها، حيث كانت قد أعلنت في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الجاري أن التحالف المستهدف يشمل 36 دولة.

والعملية التي تقودها أميركا مع الدول التسع الأخرى والتي أُطلق عليها "حارس الازدهار"، ستنفذ دوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، "بهدف ضمان حرية الملاحة لجميع الدول، وتعزيز الأمن والرخاء الإقليميين"، وفق بيان أصدره "البنتاغون". لكن الحوثيين علقوا على الإعلان الأميركي بأنهم "لن يوقفوا" هجماتهم ضد السفن الإسرائيلية وغيرها من الجنسيات الأخرى المبحرة نحو إسرائيل.

وأشار موقع "غلوبس" الاقتصادي الإسرائيلي، في تقرير له أمس، إلى مواجهة إسرائيل صعوبات إضافية مع إعلان ماليزيا منع السفن الإسرائيلية والأجنبية التي تبحر نحو إسرائيل من دخول موانئها. كما توجه هذه الخطوة ضربة كبيرة لشركة الشحن الإسرائيلية "زيم" التي تستحوذ على الترتيب الثامن عالمياً في قائمة أكبر الشركات العاملة في هذا المجال، وفق موقع "Alphaliner" المتخصص في بيانات الملاحة الدولية.

ويؤكد محللون اقتصاديون أن منع الحكومة الماليزية السفن الإسرائيلية وكذلك المبحرة نحو إسرائيل من دخول موانئ الدولة، سيكون له بالغ الأثر ليس فقط على تجارة إسرائيل وإنما العديد من الدول التي تتعامل معها وتستخدم موانئ ماليزيا سواء للشحن أو الحصول على خدمات لوجستية أو إعادة التصدير، ما يدفع الكثير من الدول في هذه المنطقة إلى الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة من أجل وقف الحرب على غزة.

وبينما رأى محللون أن بعض الدول قد تحذو حذو ماليزيا، حال استمرار الحرب وتصاعد التوترات وهو ما يربك التجارة العالمية كثيراً، ويزيد من الصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة الحليف الأكبر لإسرائيل لفك الحصار التجاري عن دولة الاحتلال والذي بدأه الحوثيون في اليمن منذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، هناك من يرى أن انتهاج نفس القرار الماليزي يبدو صعباً كثيراً وربما مستبعدا من دول تبدو مؤثرة في حركة التجارة الدولية على غرار تركيا وباكستان.

صعوبة في انضمام دول أخرى لماليزيا

ويرى الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الوضع صعب بالنسبة لباكستان نظراً للحسابات التي تتبناها الحكومة بشأن ملفات قد تدفع للتوتر مع الإدارة الأميركية.

ويبدو أن الأمر لن يختلف بالنسبة لتركيا، ولكن لوجود حسابات سياسية داخلية واقتصادية أيضا، وفق محللين. وبحسب الخبير الاقتصادي التركي طه عودة أوغلو، فإن تركيا لن تتخذ قرارات مباشرة كاعتراض سفن أو عدم السماح بالعبور أو حتى استخدام موانئها البحرية او ممراتها البرية في وجه عبور المنتجات إلى اسرائيل. ويقول أوغلو لـ"العربي الجديد" إن "الوضع الداخلي هذه الفترة لا يسمح بذلك، بواقع الانتخابات المحلية والتضخم الكبير، ولن يعطي حزب العدالة والتنمية الحاكم، ذريعة إضافية للمعارضة".

ويضيف أن "تركيا ستفضل أخذ دور الوسيط بالمرحلة المقبلة رغم وقوفها العلني إلى جانب غزة، وستبقى تفصل بين السياسة والاقتصاد". وفي السياق، يقول خبير ملاحي تركي فضل عدم ذكر اسمه، إنه " لا يتوقع أن تتخذ تركيا قرارات مثل منع السفن الإسرائيلية أو ناقلات الدولة التي تنقل بضائع إلى إسرائيل، كما أن الأرجح أنها لن توقف العلاقات التجارية مع إسرائيل".

ملف ضاغط على التجارة الدولية

لكن في ظل استمرار الحرب الإجرامية الإسرائيلية على غزة والاعتداءات الواسعة بحق فلسطينيي الضفة الغربية المحتلة، يتحول ملف التجارة العابرة إلى إسرائيل إلى ورقة ضغط كبرى ليس فقط على الاحتلال، وإنما على حركة التجارة الدولية، وقد تظهر نقاط اشتعال في بؤر ربما لم تتحسب لها الأسواق العالمية أو توازنات السياسة الدولية، وفق محللين.

وتظهر بيانات التتبع أن عدد السفن التي دخلت خليج عدن بلغ 58 سفينة في 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري. ومن خلال تقييم العدد بالنسبة إلى حجم السفينة، فإن ذلك يقل بنسبة 70% عن المتوسط اليومي المسجل في النصف الأول من هذا الشهر، وفقاً لما نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية عن شركة "كلاركسون ريسيرش سيرفسز"، وهي وحدة تابعة لأكبر شركة وساطة شحن في العالم.

وتؤدي عمليات تحويل المسارات إلى زيادة المسافات التي تقطعها السفن، مما يزيد الطلب عليها. وقالت "كلاركسون ريسيرش" إن الرحلة من آسيا إلى شمال أوروبا، وهي رحلة نموذجية للحاويات التي تشحن كل شيء من الألعاب إلى الأثاث، تزيد بحوالي 3200 ميل عند الإبحار حول أفريقيا بدلاً من المرور عبر البحر الحمر من ثم قناة السويس المصرية وصولاً إلى البحر المتوسط.

كل هذا يعني أن البضائع ستستغرق وقتاً أطول للوصول إلى وجهاتها. وتتكبد الرحلة الأطول عبر هذا المسار وقوداً إضافياً بنحو مليون دولار، وفقاً لبيتر ساند، كبير المحللين في شركة "زينيتا" المتخصصة في قياس أسعار الشحن وتحليلات السوق.

كذلك ترتفع تكلفة التأمين، فمنذ بداية هجمات الحوثيين، ارتفع ما يسمى بتغطية مخاطر الحرب بمقدار عشرة أضعاف منذ الفترة السابقة على شن الهجمات. وقفز هذا الرقم كنسبة مئوية من قيمة السفينة إلى حوالي 0.2% في الأسابيع الأخيرة.

ذات صلة

الصورة
بنيامين نتنياهو مع أرييه درعي في الكنيست بالقدس 24 يوليو 2023 (رونالدو شيميدت/فرانس برس)

سياسة

نشرت سرايا القدس مقطعاً مصوراً لأحد المحتجزين الإسرائيليين، وجه من خلاله رسالة إلى عضو الكنيست الإسرائيلي زعيم حركة شاس المتطرفة أرييه درعي
الصورة
فك الاشتباك جندي إسرائيلي عند حاجز في القنيطرة، 11 أغسطس 2020 (جلاء مرعي/فرانس برس)

سياسة

تمضي إسرائيل في التوغل والتحصينات في المنطقة منزوعة السلاح بين الأراضي السورية ومرتفعات الجولان المحتلة، في انتهاك لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974.
الصورة
مجزرة عين يعقوب في عكار شمالي لبنان 12/11/2024 (عمر إبراهيم/رويترز)

سياسة

تهيمن الصدمة والغضب على السكان، في بلدة عين يعقوب الواقعة في أقصى شمال لبنان، فيما يواصل مسعفون البحث بأيديهم بين أنقاض مبنى كانت تقطنه عائلات نازحة.
الصورة
عمال إنقاذ وسط الدمار الناجم عن غارة جوية على غزة، 7 نوفمبر 2024 (Getty)

سياسة

زعمت القناة 12 العبرية، أمس الاثنين، أن الإدارة الأميركية قدّمت للسلطة الفلسطينية مقترحاً بشأن الإدارة المستقبلية لقطاع غزة
المساهمون