تداعيات حرب إثيوبيا تمتد للدول المجاورة: الاستثمارات الأجنبية في مهب المعارك

10 ديسمبر 2021
أحد المحاربين القدماء يحمل العلم الإثيوبي دعما للقوات الحكومية (Getty)
+ الخط -

أضحت الاستثمارات الأجنبية في إثيوبيا، التي شهدت سباقاً خاصة بين الصين وتركيا، في مهبّ الحرب التي تشتد جذوتها وينزف معها الاقتصاد الذي يواجه ديوناً مرتفعة وصعوداً في معدلات البطالة، فضلا عن امتداد التداعيات إلى حركة التجارة العابرة بين دول القرن الأفريقي، خاصة بين الصومال وجيبوتي وإثيوبيا والسودان، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تراجع نمو اقتصادات دول المنطقة بشكل عام.
ويرجح باحثون ومتخصصون في الشأن الاقتصادي والأفريقي أن تكون للحرب الإثيوبية تداعيات اقتصادية كبرى، خاصة في ظل معاناة العديد من مناطق وأقاليم دول القرن الأفريقي من الجفاف بالأساس، حيث إن 11 مليون إثيوبي في حاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية، وكذلك سبعة ملايين صومالي، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
يقول الباحث السوداني المقيم في إثيوبيا، عباس صالح، لـ"العربي الجديد"، إن الخسائر الاقتصادية للحرب في شمال إثيوبيا، خاصة في أقاليم تيغراي وأمهرا وعفر، ستكون مركبة، إذ ستتراجع عوامل جذب الاستثمار الأجنبي في المدى المنظور، كما سيستمر ارتفاع التضخم في الصعود مع ارتفاع كلف نفقات الحرب، خاصة أن الصراع سيأخذ نمط حرب استنزاف في المدى المنظور، وعليه سيكون اقتصاد البلاد عالقا بين الركود الطويل والانهيار.

وبحسب خبراء، فإن اقتصاد إثيوبيا كان قبل جائحة فيروس كورونا والحرب على إقليم "تيغراي" التي بدأت نهاية العام الماضي، يعدّ واحداً من أسرع الاقتصادات نموا في المنطقة، إذ سجل نمواً بنسبة 10% سنوياً حتى عام 2019، وفقا للبنك الدولي، أما الآن فالوضع الإثيوبي اختلف تماماً.
ومن المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي الإجمالي لإثيوبيا لهذا العام بشكل كبير، كما أن قرار صندوق النقد الدولي، حجب توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي للدولة، في تقريره الأخير عن آفاق الاقتصاد العالمي للسنوات الأربع المقبلة، يعد خطوة نادرة فيما يتعلق بالبلدان التي مزقتها الحروب، وسيكون له تأثير كبير على بيئة الأعمال، حيث يقوم كل مستثمر بإجراء تحليل معمق للبلد من خلال البيانات المتاحة قبل ضخ أي أموال، كما يثير الدين العام الإثيوبي قلق المراقبين الاقتصاديين، إذ يتوقع البعض أن يصل إلى 60 مليار دولار خلال العام الجاري، أو ما يقرب من 70% من إجمالي الناتج المحلي.
وفي السياق، تقول روضة شريف، الباحثة المصرية في شؤون القرن الأفريقي، في مجلة قراءات أفريقية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن تداعيات الحرب الإثيوبية اقتصادياً، ستكون باهظة الثمن، بالنسبة لدول الجوار التي ستتضرر بشكل كبير، نظراً إلى مركزية إثيوبيا في دول القرن الأفريقي والمنطقة عموماً، كما أنها من أكبر الدول المساهمة بقوات في بعثات حفظ السلام في القارة، سواء في السودان أو جنوب السودان أو الصومال.
ومع توسّع رقعة الصراع في إقليم عفر بين جبهة تحرير تيغراي والقوات المحلية والجيش الإثيوبي، راجت أنباء حول إمكانية سقوط الطريق الرابط بين جيبوتي وإثيوبيا، والذي يمثل الشريان التجاري والرئة التي يتنفس بها الاقتصاد الإثيوبي، حيث استولى مسلحو تيغراي على مناطق بالقرب من المناطق الحدودية المتاخمة بين جيبوتي وإقليم عفر.

وكان هدفهم إخضاع الاقتصاد الإثيوبي تحت هيمنة وتصرّف الجبهة، إلا أن نزول رئيس الوزراء أبي أحمد إلى خطوط الجبهات في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، غيّر موازين الحرب، وأبعد زخمها وشرارة القتال العسكري عن هذه الطريق، إلا أن الراجح هو أن الحرب الإثيوبية ستؤثر سلباً على حركة التنقلات الاقتصادية في الداخل الإثيوبي ومع جيرانها في كل من الصومال وجيبوتي وجنوب السودان من جهة ثانية، وفق الباحثة المصرية.

وقالت شريف، إن جيبوتي ستواجه أضراراً اقتصادية إذا استمرت الحرب لفترة طويلة، فإثيوبيا هي الحليف الاقتصادي القوي لجيبوتي، حيث تمر عبر موانئ جيبوتي حوالي 90% من التجارة الإثيوبية، وهنا تطفو مخاوف جيبوتي على السطح مجدداً من التقارب الاريتري الإثيوبي منذ عام 2018، وإمكانية استبدال موانئ جيبوتي بموانئ إريتريا، التي توثقت علاقتها بإثيوبيا في فترة الحرب.
أما الصحافي الإريتري عبدالقادر محمد علي، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن التجربة التنموية الإثيوبية التي شهت نهضة كبيرة في السنوات الماضية، تواجه حالياً العديد من الصعوبات، فيما يتعلق بالاستثمارات الخارجية بعد اندلاع حرب تيغراي، ومنها أن نمو الاستثمارات الأجنبية في إثيوبيا، والذي كان يربو على نحو 4 مليارات دولار في العام المالي الماضي، يواجه مأزقاً حقيقياً، نتيجة الصراع المستمر منذ نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020، وهو ما قد يدفع المستثمرين إلى التفكير ملياً قبل الاستثمار مستقبلاً، حيث لا ضمانات لنهاية قريبة للحرب ولا ضمانات من تحوّلها إلى حرب أهلية قد تفكك الدولة، وهي كلها مخاطر عالية بالنسبة لأي مستثمر محلي أو خارجي.

يرى باحثون أن زيارة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إلى إثيوبيا، مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، كانت من أجل طمأنة حليفه الاستراتيجي في المنطقة، والوقوف عن كثب على الاستثمار الصيني والمهددات الأمنية المحيطة به


ويشير عبد القادر، إلى أن الإجراءات العقابية التي اتخذت من قبل العديد من الهيئات الدولية والولايات المتحدة وتلويحها بالمزيد من العقوبات تؤثر حتماً على الاستثمار الأجنبي، وهو ما حدث في دول مثل إيران وغيرها، هذا إلى جانب الجرائم التي شهدتها الحرب وتحدثت عنها الكثير من التقارير الحقوقية، وهو ما يدفع بعض المستثمرين إلى الحذر من تبعات هذه الانتهاكات، ولا سيما الذين يولون قضايا الحوكمة وحقوق الإنسان اهتماماً كبيراً، بجانب التخوف من تأثير الإجراءات الحكومية مثل قطع خطوط الاتصال والإنترنت.

ويرى باحثون أن زيارة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إلى إثيوبيا، مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، كانت من أجل طمأنة حليفه الاستراتيجي في المنطقة، والوقوف عن كثب على الاستثمار الصيني والمهددات الأمنية المحيطة به، حيث إن استمرار الحرب الإثيوبية سيؤثر سلباً على كافة المصالح الصينية داخل إثيوبيا، والنزاع في إقليم تيغراي سيلحق الأضرار بالصين أكثر من غيرها، حيث تشكل إثيوبيا قطبا أساسيا في استراتيجيتها المعروفة بـ"طريق الحرير"، وكان الهدف منها هو توسيع مجال نفوذ الصين عالمياً ومدّ نفوذها التجاري إلى مناطق واسعة من آسيا وأفريقيا وأوروبا.

وتقول الباحثة المصرية روضة شريف، إن الصين استثمرت أموالاً ضخمة في إثيوبيا قبل التوترات المسلحة الأخيرة، وتُقدَّر الأموال المستثمرة من طرف الصين في 2020 فقط بحوالي 2.7 مليار دولار، موزعة على 1500 مشروع، فضلا عن استيراد أديس أبابا معظم حاجاتها من الصين واقتراضها منها 16 مليار دولار، وقد يدفع ذلك الصين إلى تحويل وجهتها الاستثمارية نحو دول الجوار كجيبوتي، التي تحتضن قاعدة عسكرية صينية كبيرة، وإريتريا التي تنجز مشروع طريق رئيسي، وهي كلها محطات هامة في مشروع "الحزام والطريق" الصيني.

وتضيف أن تمدد النزاعات المحلية على المستوى الإقليمي، سيزيد من قلق الصين تجاه مستقبل حضورها الاقتصادي المكثف في دول القرن الأفريقي.

المساهمون