جيوب فارغة في مصر ولبنان... الغلاء يخطف فرحة المواطنين بهلال رمضان

22 مارس 2023
الحكومة المصرية تسمح بـ"موائد الرحمن" لإسكات الأفواه الجائعة (Getty)
+ الخط -

يعد شهر رمضان هذا العام الأكثر صعوبة منذ سنوات طويلة، بالنسبة لأصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة في مصر ولبنان، في ظل الأزمات الاقتصادية والمالية التي يشهدها البلدان ودفعت عملتيه إلى التهاوي أمام الدولار، ليزداد غول الغلاء توحشاً ويقذف ملايين الأسر في بئر سحيقة من العوز، بينما تتراجع قدرات فئات واسعة من المجتمع عن تقديم يد العون للفقراء في مثل هذا المناسبات على غرار ما يعرف في مصر بـ"شنط رمضان".

وخطفت الأزمة الاقتصادية الخانقة فرحة المصريين بقدوم شهر رمضان. فقد تراجع الإقبال على غير العادة على شراء مستلزمات هذا الشهر في ظل موجات هائلة من الغلاء لأسعار السلع الأساسية من لحوم ودواجن وزيوت وأجبان وبقوليات وأرز وسكر، متأثرة بتدهور حاد في قيمة الجنيه، وتعطل شحنات جديدة في الموانئ من كافة السلع ومستلزمات الإنتاج، استغلها التجار للمبالغة من جديد في تسعير ما لديهم من معروضات وسلع في المخازن.

وأمام صعوبة المشهد هذا العام، تسابقت الوزارات الأمنية والعديد من الجهات الحكومية نحو تدشين ورعاية معارض للسلع الغذائية بأسعار يصفها القائمون عليها بـ"المخفضة".

ورصد" العربي الجديد" عشرات المبادرات التي روجت لها الحكومة، لتوفير السلع الغذائية بأسعار تناسب الطبقات الدنيا والفقيرة، التي أصبحت تمثل نحو 60% من المجتمع، منها "كلنا واحد" التابعة لوزارة الداخلية، و"أهلا رمضان" التي تشارك فيها وزارات التموين والإدارة المحلية والدفاع، و"خليك إيجابي" و"شنطة رمضان" التي تساهم فيها الغرف التجارية.

لكن الكثير من المستهلكين جهروا بالشكوى مما فوجئوا به من انتشار سلع رديئة الجودة وتلاعب بالأوزان والكميات في هذه المعارض، حتى أن بعض السلع جرى اكتشاف أن أسعارها أعلى من السوق الحرة، نظرا لخفض أوزانها كثيراً.

قالت سيدة مسنة من الطبقة المتوسطة لـ"العربي الجديد": "الغلاء سرق فرحة المصريين، أصبحنا في زمن صعب.. لم يعد المال موجوداً وإذا تواجد فالطهي أصبح مكلفاً"، داعية الأهالي إلى عدم التوقف عن التجمع على الموائد حول العائلات والأصحاب، حتى لا يفقدوا ما تبقى لهم من ذكريات جميلة مع رمضان.

كما أشارت إلى ضرورة تشارك كل أسرة في تكاليف الموائد بأن يساهم كل فرد بتنفيذ جزء من الوجبة، ويحملها معه إلى البيت الذي سيتجمعون فيه، حيث لم يعد بإمكان أحد القدرة على تحمل تكاليف العزائم أو صنع ما لذ وطاب من أكلات ومشروبات وحلويات رمضان.

وسمحت الحكومة للمواطنين هذا العام بإقامة ما تعرف بـ"موائد الرحمن" بدون شروط، على عكس ما كانت تسير عليه من قبل، من تصريحات أمنية. فمشاهد العوز الذي يعلو وجوه الكثيرين تدفع السلطة إلى الخشية من تزايده، وفق محللين، في ظل مؤشرات مؤسسات مالية تؤكد تصاعد الأزمة الاقتصادية مع شح العملة الصعبة، ومخاوف من عدم قدرة الحكومة على الوفاء بديونها للآخرين، وتوقع تراجع الجنيه، وحدوث اضطرابات شعبية نتيجة ضغوط الغلاء على المواطنين.

ويواجه الجنيه ضغوطاً قاسية من الدولار خاسراً أكثر من 50% من قيمته منذ مارس/آذار من العام الماضي، في ظل شح العملة الصعبة، وزيادة الديون والالتزامات الحكومية، وارتفاع قيمة الواردات المعطل الإفراج عنها في الموانئ، ليلامس الدولار 31 جنيهاً في البنوك، ويرتفع إلى أكثر من 35 جنيهاً في السوق السوداء، و37 جنيهاً في التعاملات الآجلة، بين المستثمرين والموردين.

وتظهر البيانات الصادرة عن جهاز الإحصاء الحكومي في وقت سابق من مارس/آذار الجاري، ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى في خمس سنوات عند 32.9% على أساس سنوي خلال فبراير/ شباط الماضي، متأثرا بالقفزة التي سجلتها أسعار الطعام والمشروبات بنسبة 61.2%، والتي تمثل ثلث سلة مؤشر أسعار المستهلكين.

وزادت أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 95.1%، والأسماك والمأكولات البحرية 84.5%، والألبان والجبن والبيض 74.5% والخبز والحبوب 76.7%، والزيوت والدهون 35.4%، والفاكهة 26.2%، والخضروات 17.5% والسكر والأغذية السكرية 21.4%، والبن والشاي والكاكاو 60.2%.

وأكد خالد قاسم المتحدث الرسمي باسم وزارة التنمية المحلية، في تصريحات صحافية أخيراً، أن مبادرات الأسعار المخفضة تستهدف توفير المزيد من السلع بأسعار مناسبة ومواجهة الاحتكار.

لكن زيارات الميدانية لعدد من المعارض، تظهر ارتفاعا في الأسعار خلال الأسبوعين الماضيين، حيث زاد سعر اللحوم المبردة من 200 إلى 240 جنيها للكيلوغرام، والمثلجة من 165 إلى 190 جنيها، والدواجن المثلجة من 65 إلى 90 جنيها، مع ندرة تواجد الأرز المسعر بـ 18 جنيها، ليظهر في الأسواق الموازية بما بين 24 و30 جنيها للكيلو.

كما تراجع المعروض من الزيوت بسعر 19 جنيها للعبوة وزن 600 غرام، لتباع في المحلات بين 35 إلى 45 جنيها، بينما كثرت مبيعات المكرونة، مع تغيير الأوزان، لتعادل قيمة العروض المباعة بالمحلات الكبرى، بنحو 20 جنيها للعبوة وزن 800 غرام.

وارتفعت أسعار اللحوم في محلات المناطق الشعبية من 260 إلى ما بين 270 و280 جنيها لكيلو اللحم البلدي، وهي تكاد توازي أسعار البيع في المعارض المدعومة من الحكومة، والتي تحصل على مميزات في أماكن البيع، ولا تتحمل أعباء ضريبية.

كل شئ بالدولار في لبنان

ولا يبدو المشهد المعيشي المتأزم مختلفاً في لبنان، حيث يعاني الكثير من المواطنين من غلاء فاحش ناجم عن توحش الدولار، وسط غرق البلاد في أزمات اقتصادية وسياسية يفقد المواطنون الأمل في الخروج منها. ولامس سعر صرف الدولار في السوق السوداء حاجز 40 ألف ليرة، ما أدى إلى قفزات غير مسبوقة في أسعار السلع الغذائية.

وازدادت الأسعار توحشاً منذ أن بدأت محال السوبرماركت تسعير السلع بالدولار مطلع مارس/ آذار، بقرار من السلطات إزاء التراجع السريع في قيمة العملة المحلية. وكانت قد سبقتها إلى ذلك قبل أشهر، المطاعم والمتاجر في بلد يستورد 90% من سلعه.

ومنذ صيف عام 2019، يشهد لبنان أزمة اقتصادية صنفها البنك الدولي بين الأسوأ منذ عام 1850، وتُعتبر الأسوأ في تاريخ لبنان. وارتفعت أسعار السلع الغذائية بشكل هائل منذ ذلك الحين. ويفيد البنك الدولي بأن نسبة التضخم بلغت 332% من يناير/ كانون الثاني 2021 إلى يوليو/ تموز 2022، وهي الأعلى في العالم.

المساهمون