جنون الأسعار في مصر... الحكومة تكثّف تصدير السلع الغذائية لجمع الدولار

21 اغسطس 2023
الغلاء يطاول مختلف السلع (فاضل داود/Getty)
+ الخط -

تصاعدت أسعار السلع الغذائية في مصر، بمعدلات جنونية، خلال الفترة الأخيرة. تخطى الغلاء المنتجات المستوردة، إلى المزروعة محلياً، ليحرم المواطنين قدرتهم على شراء منتجات، ظلت لقرون رخيصة تستر بيوتهم، وتوفر لهم الحد الأدنى من متطلبات الحياة.

شهدت أسعار البصل والثوم والبرتقال والمانجو والبطاطس والعنب والطماطم والبطاطا والفاصوليا والرمان والسكر والأجبان ارتفاعات قياسية، لم تعرفها البلاد من قبل.

تأتي موجات الغلاء المتتالية، بدافع نهم شديد من قبل الحكومة، على طلب الدولار والعملة الصعبة، برفع معدلات التصدير وخفض الواردات، وقد واكبت رغبة محمومة من قبل بضع شركات احتكارية متخصصة في تصدير السلع الغذائية للأسواق الدولية، مستفيدة من ندرة العرض، وانخفاض قيمة الجنيه، وجودة إنتاجية عالية، لسلع تكاد تختفي من الأسواق المحلية.

وشهدت أسواق التجزئة ارتفاع سعر كيلوغرام البرتقال الصيفي من 8 جنيهات موسم 2022، إلى 20 جنيهاً حالياً، والمانجو عويس من 35 إلى 70 جنيهاً.

شهدت أسواق التجزئة ارتفاع سعر كيلوغرام البرتقال الصيفي من 8 جنيهات موسم 2022، إلى 20 جنيهاً حالياً

وأصبح البصل المستخدم بكثافة في الأكلات الشعبية كافة، مثل الفاكهة المحرمة على الفقراء والطبقة الوسطى، بعد أن زاد متوسط سعر الكيلو من 4 جنيهات عام 2022، إلى 20 جنيهاً بالمناطق الشعبية و25 جنيهاً، بالمراكز التجارية.

شملت الزيادة أسعار الأرز البلدي، ليرتفع من 14 جنيهاً بالمتوسط عام 2022، إلى ما بين 26 و35 جنيهاً الموسم الحالي، واكبته زيادة بأسعار السكر المحلي إلى 30 جنيهاً، عدا ما أصاب السلع الأساسية المستوردة من غلاء، وعلى رأسها الزيوت والحبوب، التي تعتمد عل مستلزمات إنتاج أجنبية، كاللحوم الحمراء والدواجن والبيض والأجبان.

تستهدف الحكومة زيادة الصادرات الزراعية لتصل إلى 5.7 مليارات دولار خلال العام المالي الحالي 2023-2024، مقابل 5.4 مليارات دولار، العام الماضي، لتمثل 15% من قيمة الصادرات السلعية غير النفطية، وفقاً لبيانات وزارة التخطيط.

كشف وزير الزراعة، السيد القصير، عن معدل صادرات خلال عام 2022، بنحو 6.5 ملايين طن، بقيمة 3.3 مليارات دولار، مبيناً في تصريحات صحافية زيادة الصادرات بمعدل 800 ألف طن عن الفترة نفسها من عام 2021.

أوضح القصير أن الصادرات شملت الموالح والبطاطس والبصل الطازج والعنب والطماطم الطازجة، والبطاطا وغيرها.
تأتي بيانات الوزير مخالفة لما أعلنه رئيس المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، عبد الحميد الدمرداش، الذي أشار في تصريحات موازية لوزير الزراعة إلى أنّ القطاع الزراعي تمكن من تصدير 4.2 ملايين طن خلال الفترة ذاتها، بما يمثل 11% من الناتج الإجمالي المحلي، بقيمة تصل إلى 900 مليار جنيه.
أوضح العطار وجود مشاورات لفتح أسواق جديدة أمام المنتجات الزراعية لبيعها للصين واليابان، ونيوزيلندا.

تفسر الأرقام الرسمية المتزايدة حالة الندرة في المنتجات الزراعية المحلية المعروضة بالأسواق الكبرى بالعاصمة

تفسر الأرقام الرسمية المتزايدة حالة الندرة في المنتجات الزراعية المحلية المعروضة بالأسواق الكبرى بالعاصمة، والأقاليم، تدفع إلى تحكم التجار بأسعار البيع وفقاً لقدرتهم على تخزين السلعة لفترة زمنية طويلة أو حجبها عن الأسواق لفترات معينة، مع توجيه نوعيات متدنية، لا تصلح للتصدير إلى الأسواق المحلية.

يشير مستهلكون إلى اختفاء الأصناف الجيدة من البرتقال، والتمور، والمانجو والعنب والفراولة، والبطاطس، خلال الأشهر الماضية، مع توجيه كميات كبيرة من البصل والثوم والسكر والدقيق إلى السعودية والسودان وليبيا، بينما اتجهت معظم الفاكهة والخضروات إلى روسيا والاتحاد الأوروبي.

يسعى مصدرون إلى رفع معدلات التصدير للخارج للاستفادة من فروق الأسعار وقيمة الدولار المتصاعدة في مواجهة الجنيه المتدهور، مع الحصول على دعم صادرات من الحكومة، التي تعهدت بصرفه بانتظام، خلال العام الجاري.

يعتمد الإنتاج المحلي للحاصلات على مساحات زراعية صغيرة، في ظل حيازة مفتتة للأراضي، لا تزيد على 2.5 فدان للأسرة، بما يرفع تكاليف التشغيل، ويقلّل الفائض القابل للتصدير إلى الأسواق الكبرى، التي تهيمن على أعمالها شركات استثمارية، تابعة لأجانب وكبار رجال الأعمال.
تدفع الضغوط الاقتصادية الفلاحين إلى التخلص من أغلب ما ينتجونه، أملاً في سدّ احتياجاتهم اليومية من السلع والالتزامات الأسرية اليومية، لذلك يعملون بكد على رفع إنتاجية الأرض، حيث يعطي 329 ألف فدان نحو 3.17 ملايين طن برتقال، و376 ألف فدان تنتج 5 ملايين طن بطاطس، وتساهم المزارع الصغيرة في إنتاج 1.3 مليون طن مانجو.

وتُقام الأنشطة الزراعية بجهود فردية من المزارعين، الذين يعانون من تجاهل الحكومة لمطالبهم، بتوفير الأسمدة والمبيدات والبذور بأسعار مقبولة، بما يحرمهم تحقيق أيّ أرباح من عوائد الزراعة للسوق المحلي أو التصدير.
يؤكد نقيب الفلاحين، صدام أبو حسين، أنّ ظاهرة ارتفاع أسعار السلع الغذائية والمحاصيل الزراعية، ستظل مستمرة، خلال الفترة المقبلة، لأن الزراعة المحلية تحتاج إلى خطة زراعية واضحة.

نقيب الفلاحين: أسعار البصل التي شهدت ارتفاعاً جنونياً الموسم الحالي، لم يستفد منها المزارع ولا المستهلك

يضيف أبو حسين في حديثه مع "العربي الجديد" أن إدارة التركيبة الزراعية، تُجرى بطريقة عشوائية، فكل فلاح يزرع ما يحلو له، من دون أن يكون أمامه برنامج واضح للزراعة أو حاجة الأسواق للمحاصيل التي ينتجها، بما يجعله في مواجهة رياح متغيرة، ترفع من شأنه تارة، وكثيراً ما تجلب له خسائر فادحة.

ويشير إلى أن أسعار البصل التي شهدت ارتفاعاً جنونياً الموسم الحالي، لم يستفد منها المزارع ولا المستهلك، مؤكداً أن الأرباح جميعها تتجه إلى التجار الذين اشتروا المحاصيل في موسم الحصاد بأسعار زهيدة، وتمكنوا من تخزين المحصول، وساعدتهم الظروف الدولية والمناخية في تحميل أغلبية الإنتاج إلى السوق الدولية، حيث أصبح سعر كيلو البصل أغلى من التفاح بمراحل.

ويلفت إلى أنّ الحكومة اهتمت بتسهيل الصادرات وزيادة كمياتها، رغبةً في تجميع أكبر كمية من الدولارات والنقد الأجنبي الذي تعاني من ندرته، مشيراً إلى أهمية أن يستفيد الفلاح والمستهلك المحلي من تلك العوائد المالية.

يؤكد أبو حسين هيمنة تكتلات احتكارية على سوق الصادرات، للاستفادة من حالة الغلاء التي واكبت تقلبات الأسواق الدولية بسبب التغير المناخي أو الحرب الروسية، ليبقى الفلاح والمستهلك في مهبّ الريح.

ويضيف أن السوق يحتاج إلى ضبط عمليات الإنتاج، بتحديد الزراعات المهمة للدولة، ووضع سعر تعاقدي يضمن للفلاح الحد الأدنى من العائد والربح، ويوفر للمواطن السلع بسعر مقبول، مشيراً إلى فرض دول، كالصين والهند والفيليبين، قيوداً على صادرات الأرز والبصل، عندما تعرضت لموجات من الفيضانات، مع توقعات بنقص الإمدادات العالمية من تلك المنتجات خلال العام الحالي.

يعتمد الإنتاج المحلي للحاصلات على مساحات زراعية صغيرة، في ظل حيازة مفتتة للأراضي، لا تزيد على 2.5 فدان للأسرة

ويتابع أنّ إصرار الحكومة على زيادة تصدير البصل مع تعطيش السوق المحلي من سلعة مهمة، يتطلب تدريب الناس على استخدام بدائل، خارج وقت ذروة الطلب من المواطنين، كتوفير بودرة البصل والثوم أو الصلصة والطماطم المجففة، وإلّا فعليها أن تحدّ من الاحتكار.

ويقترح تدخل الحكومة بمنع تصدير السلع التي تشهد ارتفاعات حالية مبالغاً بها، كالبصل والثوم والأرز والدقيق، إلى أن تستقر الأسعار وتظهر بدائل تكفي حاجة المواطنين.
ارتفع التضخم بمعدلات غير مسبوقة تاريخياً، في يوليو/ تموز الماضي، إذ بلغ 38.2%، وتراجعت العملة المحلية ثلاث مرات خلال 18 شهراً وانخفض الجنيه، بنسبة 50%، عام 2022، تبعها تراجع بنحو 18% منذ بداية العام الحالي، ليصل الدولار إلى نحو 31 جنيهاً، في البنوك الرسمية، ونحو 40 جنيهاً بالسوق الموازية، و45 جنيهاً بسوق الذهب، و46 جنيهاً للعقود الآجلة.

المساهمون