تونس ومعضلة صندوق النقد و"احتلال الشوارع"

28 ديسمبر 2022
اتحاد الشغل نظم إضرابات سابقة في تونس (Getty)
+ الخط -

يعيش الشارع التونسي هذه الأيام أزمات غير مسبوقة، أزمة سياسية حادة ومتلاحقة بدأت مع انقلاب قيس سعيد على المؤسسات الدستورية والحكومة المنتخبة يوم 25 يوليو 2021 والاعتداء الصارخ على تجربة ديمقراطية وليدة، وإصرار النظام الحاكم على الانفراد بالرأي.

ولن تنتهي تلك الأزمة بانتخابات برلمانية فاشلة وهزلية شارك فيه نحو 8.8% من مجموع الناخبين وفق شهادة الهيئة العليا للانتخابات وقاطعتها معظم الأحزاب والقوى السياسية. ولن تنتهي كذلك حتى بتوسع سعيد في فرض الأمر الواقع واستخدام أسلوب القمع والتضييق على المعارضين.

يعاني الشارع من أزمات دفعت حكومة قيس سعيد نحو طلب الدعم والمساعدات والمنح والقروض ورفع الأسعار والارتماء في حضن صندوق النقد

كما يعاني الشارع من أزمات اقتصادية ومالية دفعت حكومة قيس سعيد نحو طلب الدعم والمساعدات المالية والمنح والقروض من حكومات إقليمية ودولية، ورفع أسعار السلع والخدمات بشكل متواصل، والارتماء في حضن صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات المالية الدولية.

والإعلان عن تنفيذ ما يسمى بخطة "إصلاح اقتصادي" تستهدف خفض الدعم الحكومي بنسبة 26% مرة واحدة خلال العام المقبل كشرط للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من الصندوق.

وهناك أزمات معيشية تطحن المواطن، وتعقد الوضع الاجتماعي، بسبب قفزات الأسعار وزيادة معدل التضخم، وتراجع معدل النمو وسعر الدينار مقابل الدولار، إضافة إلى مؤشرات أخرى متراجعة على مستوى حصيلة الصادرات وإنتاج الفوسفات والاستثمار الأجنبي والسياحة التي تعد أبرز مورد للنقد الأجنبي.

كل تلك الأزمات وغيرها رشحت تونس لأن تكون الدولة التالية المعرضة للإفلاس بعد لبنان، خاصة مع زيادة أعباء الديون، وضعف القدرة على السداد، وتراجع إيرادات النقد الأجنبي من قطاعات رئيسية، وهروب المستثمرين والسياح وزيادة المخاطر الجيوسياسية وحالة الغموض.

وفي ظل تفاقم الأزمات المتلاحقة تقف حكومة قيس سعيد عاجزة، كل ما تفكر فيه هو الاستدانة الخارجية، حتى لو جاءت بشروط وإملاءات "تفرم" المواطن وتنتهك السيادة الوطنية، وتتضمن بيع أصول الدولة من بنوك وشركات، وزيادة الأعباء على المواطن، وتجميد الأجور، وزيادة فواتير الكهرباء والمياه، وإجراء عدة زيادات متلاحقة في سعر الوقود، والتسريح الطوعي لآلاف الموظفين لاحتواء أزمة الرواتب.

أول من أمس الاثنين قال وزير الاقتصاد التونسي سمير سعيد، إنه " لا بديل عن صندوق النقد الدولي " للحصول على حزمة إنقاذ، كما تحدث عن زيادة متوقعة في غلاء الأسعار، وقبلها تحدثت الحكومة عن خطط لخفض الدعم في موازنة عام 2023 وبيع أصول استراتيجية منها بنوك وشركات تبغ وغيرها.

موقف
التحديثات الحية

ولأن قيس سعيد يصر على إغراق الشارع والاقتصاد في أزمات كما أغرق المشهد السياسي، فإن الشارع التونسي مرشح للغليان، وهو ما عبر عنه نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد التونسي العام للشغل، أقوى منظمة مجتمع مدني في البلاد، والذي أرسل أقوى تحدٍّ لحكومة سعيد حتى الآن، حيث هدّد بتنظيم احتجاجات حاشدة و"احتلال الشوارع" قريباً لإظهار الرفض لموازنة التقشف للعام المقبل.

وقبلها رفض الاتحاد كل الشروط المفروضة على تونس من قبل صندوق النقد الدولي، سواء المتعلقة بتسريح الموظفين وبيع الأصول وتجميد الأجور، وهو ما دفع إدارة الصندوق إلى تأجيل النظر في طلب الحكومة الحصول على قرض جديد إلى موعد لاحق لم يحدد بعد.

المساهمون