تضع سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، المنحازة إلى الوقود الأحفوري على حساب الطاقة النظيفة، دول الخليج العربي، أمام تحديات كبيرة، ولا سيما أنها قد تمثل عامل ضغط على اقتصادات المنطقة التي تعتمد كثيراً على إنتاج تصدير النفط، بينما تنطوي توجهاته على تشجيع استخراج الخام في الولايات المتحدة، وهو ما قد يدفع أسعار الخام عالمياً نحو الهبوط بما لا يروق موازنات الكثير من دول الخليج، إذ يعرضها لمزيد من العجز المالي.
وتعهد ترامب بأنه سيزيد إنتاج النفط الأميركي إلى مستويات قياسية جديدة، قائلاً: "لدينا ذهب سائل أكثر من أي دولة أخرى. أكثر من السعودية. وأكثر من روسيا" وفقاً لما نقله تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
ورغم أن توجه ترامب المؤيد للوقود الأحفوري قد يعزز طموحات دول الخليج في مجال الهيدروكربونات على المدى القصير، لكن من غير المرجح أن يغير ذلك مسار استراتيجيات الطاقة النظيفة والتحول في مجال الطاقة، لأن هذه الاستراتيجيات مدفوعة في المقام الأول بمصالح اقتصادية وطنية طويلة الأجل للولايات المتحدة وليس بسياسة الرئيس، بحسب محللين.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، الأحد، إنه "لا أحد يمكنه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء" في ما يتعلق بـ"ثورة الطاقة النظيفة" في الولايات المتحدة، وذلك في رسالة إلى خلفه ترامب. وأضاف بايدن: "سأترك منصبي في يناير/ كانون الثاني.. سأترك لخليفتي وبلادي أساساً متيناً للبناء عليه، إذا اختاروا فعل ذلك".
وتدرس إدارة بايدن محاولةً أخيرة للتوصل إلى اتفاق دولي يحد من الدعم المالي لمشاريع النفط والغاز في الخارج، وذلك قبل بدء محادثات مهمة في باريس، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية. ويُعتبر إتمام هذا الاتفاق أمراً ضرورياً لتحقيق الوعد الذي قدّمه الرئيس الأميركي الحالي في سنته الأولى بالبيت الأبيض، ولم يعد هناك متسع من الوقت لإنهائه قبل انقضاء ولايته الرئاسية.
ورغم أن توجهات بايدن تميل كثيراً نحو تحجيم الوقود الأحفوري وهو أيضاً ما لا يروق اقتصادات دول الخليج، لكن سياسات ترامب تعد أشد وطأة ليس فقط لاحتمال منافسته لدول المنطقة في الإنتاج والتسعير وإنما أيضاً يهدد صناعات عمقت العديد من الدول أركانها في السنوات الماضية مثل الصلب والألمونيوم.
وفد تؤثر سياسات "أميركا أولاً"، التي يتبناها ترامب، عبر زيادة التعريفات الجمركية وتشديد إجراءات مكافحة الإغراق، على صادرات دول مجلس التعاون الخليجي الصناعية إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك الصلب والألمنيوم والبتروكيماويات، وفق محللين. إذ حذر جاستن ألكسندر، مدير شركة خليج إيكونوميكس الاستشارية، من أن خطة ترامب لفرض تعريفة 10% على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة، ستطاول دول مجلس التعاون الخليجي، وفقاً لتقرير نشره موقع "ذا ناشيونال" في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
كما أشارت راشيل زيمبا، خبيرة المخاطر الجيواقتصادية في الشركة، إلى أن خطط ترامب لتعزيز إنتاج النفط والغاز تأتي في وقت غير مناسب، حيث تبدأ العديد من دول المنطقة في التنويع بعيداً عن الوقود الأحفوري.
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، مصطفى يوسف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن العديد من سياسات ترامب بشأن النفط والرسوم الجمركية من شأنها أن تعرض دول الخليج لضغوط اقتصادية كبيرة. ويبدو أن أسعار النفط مرشحة نحو مزيد من الهبوط خلال الفترة المقبلة، ولا سيما وسط توقعات تباطؤ النمو في الاقتصادات الكبرى، بخاصة في الصين والكتلة الأوروبية، بسبب سياسات ترامب الحمائية، فضلاً عن نهجه الذي يرمي إلى زيادة إنتاج النفط الأميركي.
ووسط توقعات مواجهة الإدارة الأميركية القادمة تحديات مالية متعددة، في ظل تفاقم عجز الدين العام الذي فاق 35 تريليون دولار، وسعيها إلى خفض الضرائب على الشركات، فإنها قد تلجأ إلى تعويض جزء من العجز المتوقع في موازناتها عبر ضغوط على العديد من دول الخليج تحت مظلة ما يسمى بـ "نظير الحماية"، بحسب يوسف، حيث سبق أن صرح ترامب بذلك خلال ولايته الأولى.