- منظمة إرشاد المستهلكين تطالب بتحسين جودة الخبز للحد من الهدر، بينما تخطط السلطات لطرح أنواع جديدة من الخبز المعزز بالألياف لمكافحة المضاربة في الدقيق، لكن تم تأجيل الطرح إلى ما بعد رمضان.
- الدولة تحتكر توريد وتوزيع حصص مشتقات الحبوب للخبز المدعم، وتواجه أزمة تزويد بالخبز المدعم بسبب تلاعب شبكات المضاربين بالدقيق، مما يستدعي الحاجة لحلول جذرية لتحسين الجودة وتعديل الأسعار للحد من الهدر.
تتصاعد المطالب بالتسريع في تحسين جودة الخبز المدعم في تونس لمكافحة هدر الغذاء الذي يسبب خسائر فادحة لموازنة الدولة ويستنزف موارد الماء الشحيحة في البلاد.
وكشفت بيانات لدراسات محلية وأخرى دولية عن هدر قياسي للغذاء والخبز في تونس، يصل إلى حدود 46 بالمائة من الاستهلاك اليومي للأسر لهذه المادة الحيوية.
وحلّت تونس في المرتبة الثالثة أفريقياً في مؤشر هدر الغذاء، بحسب ما أفاد تقرير هدر الأغذية الذي يصدره البرنامج البيئي للأمم المتحدة. وجاءت تونس في المرتبة الثالثة بقارة أفريقيا، وذلك بمعدل 172 كيلوغراماً لكل فرد.
ويومياً يجري التخلص من 900 ألف خبزة في الحاويات خلال شهر رمضان، أي ما يعادل 27 مليون خبزة خلال شهر الصيام، وهو ما يسبّب فقدان 373.7 مليون لتر من المياه يومياً التي تستعمل في كامل مراحل إنتاج الخبز، وفق مقاييس موقع "ووتر فود برنت".
وتعتبر منظمة إرشاد المستهلكين في تونس أن رداءة نوعيات الخبز المعروضة من أبرز أسباب الهدر، مطالبة بالاشتغال على تحسين الجودة من أجل الحد من الظاهرة المكلفة.
ويقول رئيس منظمة إرشاد المستهلك، لطفي الرياحي، إن هدر الغذاء، ولا سيما الخبز، أصبح أمراً مقلقاً في تونس التي تعاني من تواتر سنوات الجفاف وارتفاع كلفة توريد الحبوب.
وأكد الرياحي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن رداءة نوعية الخبز من بين أسباب الهدر وعدم سعي الأسر لتدوير الكميات الزائدة على الحاجة، مشدداً على ضرورة المرور سريعاً إلى تنفيذ مشروع طرح الأصناف الجديدة الذي أعلنته السلطات قبل أشهر.
ويرجّح الرياحي أن يساعد طرح الخبز المعزز بالألياف على تقليص الهدر، مؤكداً أن جودة الخبز تساعد على تدويره وتقسيط الاستهلاك والاحتفاظ به لمدة أطول.
وكانت وزارتا التجارة والفلاحة قد أعلنتا منذ نهاية العام الماضي الاستعداد لطرح أنواع جديدة من الخبز المعزز بالألياف في إطار خطة لمكافحة المضاربة في الدقيق وإنهاء أزمة التموين التي يعاني منها التونسيون منذ أشهر.
وأجّلت سلطات تونس طرح أصناف جديدة من الخبز المدعم إلى فترة ما بعد رمضان بعد أن كان مقرراً الشروع في تسويقه خلال شهر فبراير/ شباط الماضي.
وخلال الفترة الماضية مكّنت وزارة التجارة المخابز من كميات من أصناف الدقيق الجديدة المعزز بالألياف من أجل اختباره في صناعة الخبز وعرضه على المستهلكين في انتظار صدور القرار النهائي بشأن كميات الألياف التي ستُضاف في الدقيق الموزع على الأفران.
وقال أمين مال غرفة الأفران المصنفة (التي تصنع الخبز المدعَّم)، صادق الحبوبي، إن قرار احتواء الخبز المدعم على كميات أكبر من الألياف المستخرجة من الحبوب، أو ما يصطلح عليه محلياً بـ"النخالة" سينفّذ بعد شهر رمضان.
وأكد الحبوبي في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الثلاثاء، استمرار المخابز في بيع الخبز المدعَّم العادي، مشيراً إلى أن المخابز تمكنت من تلبية كامل حاجيات السوق خلال اليوم الأول من شهر الصيام، ولم يسجل نقصاً في هذه المادة الحيوية.
وتابع، قائلاً إنّ إضافة كميات من الألياف إلى الدقيق المخصص لصناعة الخبز المدعَّم كان مطلباً للمهنيين، من أجل كبح التلاعب في المواد الأولية، والحد من نشاط شبكات المضاربة، غير أن قرار الكميات المسموح بها سيتقرر رسمياً من قبل وزارة التجارة".
ويضيف الحبوبي أن غرفة الخبازين اقترحت منذ أشهر على وزارة التجارة إيجاد صيغ تمكن من التمييز بين الدقيق المدعَّم والدقيق غير المدعَّم الذي يستخدم في صناعة الخبز الحر أو الحلويات، وذلك لإحداث فارق بين النوعين، بما يسمح بالسيطرة على أشكال التلاعب في الدقيق المدعَّم.
الدولة في تونس تحتكر نشاط توريد وتوزيع حصص مشتقات الحبوب التي تذهب لصناعة الخبز المدعَّم، عبر ديوان الحبوب
ويرى المتحدث أن تعديل أسعار الخبز يمكن أن يكون حلاً للحدّ من هدر الخبز، مشدداً على أهمية الاشتغال مستقبلاً على عامل الجودة على مستوى الصناعة والمادة الأولية. ووفق بيانات رسمية لمعهد الاستهلاك الحكومي ترتفع نسبة هدر الأُسَر للخبز خلال شهر رمضان إلى أكثر من 45 بالمائة.
ويبلغ السعر الحقيقي للخبز الكبير من دون دعم 465 مليماً للخبزة الواحدة، ويباع للعموم بسعر 230 مليماً، فيما تباع "الباقات"، وهي وحدة الخبز الأقل حجماً بـ190 مليماً مقابل سعر حقيقي بـ274 مليماً (الدينار= 1000 مليم).
وعاشت تونس في الأشهر الماضية أزمة تزويد بالخبز المدعَّم الذي تراجع عرضه في مناطق عديدة، بينما يتوافر لدى الأفران التي تبيعه بأسعار محررة.
وتفسّر الرواية الرسمية التي تتمسّك بها السلطة نقص الخبز المدعَّم بتعمُّد شبكات المضاربين إخفاء الدقيق، والتلاعب به من أجل توجيهه نحو صناعة الحلويات ومعجنات أخرى تباع بأثمان عالية.
لكن الدولة في تونس تحتكر نشاط توريد وتوزيع حصص مشتقات الحبوب التي تذهب لصناعة الخبز المدعَّم، عبر ديوان الحبوب الحكومي، وهي مؤسسة تشكو عجزاً مالياً، وارتفاع مديونيتها لدى البنوك إلى نحو 5 مليارات دينار (حوالى 1.6 مليار دولار). وينفذ ديوان الحبوب الحكومية حصرياً صفقات شراء الحبوب، سواء من المزارعين في تونس، أو الاستيراد من السوق العالمية.
وتنقسم صناعة الخبز في تونس بين صنفين من الأفران، صنف المخابز التي تحصل على الدقيق المدعَّم وتلتزم التسعيرة الحكومية للخبز، وأخرى تصنع الخبز وفق أسعار حرة. وتصنع الأفران التونسية يومياً 6.7 ملايين رغيف، منها 3.9 ملايين رغيف كبير، و2.7 مليون رغيف من الصنف الأقل حجماً، أو ما يصطلح عليه محلياً "الباقات"، إذ تُستهلَك 6.5 ملايين قنطار (65 ألف طن) من الدقيق، وفق بيانات رسمية.