تونس: مخاوف من اقتطاعات جديدة للأجور

20 نوفمبر 2021
تزايد الأعباء المعيشية يقلق الأسر التونسية (Getty)
+ الخط -

يترقب التونسيون ملامح مشروع قانون الموازنة للعام المقبل 2022، وسط مخاوف من إقرار اقتطاعات جديدة من أجور الموظفين لفائدة الموازنة أو فرض ضرائب إضافية على الرواتب، بعد تلميحات السلطة إلى "إشراك كل المواطنين داخل تونس وخارجها" في تجاوز الأزمة التي تمر بها البلاد وإيجاد التوازنات المالية المنشودة.
وفي ظل غياب خارطة الطريق الاقتصادية لحكومة نجلاء بودن، وعدم الكشف عن بنود قانون الموازنة القادم، يخشى التونسيون أن تكون جيوبهم مصدراً لتمويل الموازنة بفرض ضرائب جديدة على الدخول أو إقرار مساهمات ظرفية لتعبئة الموارد.

ضغوط مالية
وتتفاقم الضغوط المالية بسبب استمرار أزمة التمويل الحكومية، لتعلن الحكومة أخيراً عن استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي يشترط إصلاحات ذات تكلفة اجتماعية، وفق ترجيحات خبراء الاقتصاد. ويمثل الاقتطاع من الرواتب في شكل مساهمات ظرفية أو بفرض ضرائب على الدخل من الآليات التقليدية لتعبئة الموارد التي لجأت لها الحكومات التونسية، رغم ممانعة الأطراف الاجتماعية ورفض التونسيين لهذه الإجراءات.

وإزاء وضع اقتصادي صعب وشح التمويلات لا يستبعد خبراء الاقتصاد أن تناقض التوجهات الحكومية وعود الرئيس قيس سعيد بتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وذلك تحت ضغوط صندوق النقد الدولي الذي بدأ مفاوضات جديدة مع تونس بشأن برنامج تعاون مالي.
وقال الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، إن الرئيس سعيد وعد التونسيين في 25 يوليو/ تموز الماضي بتحسين قدراتهم المعيشية، بينما هناك مخاوف من قرارات تزيد من الضغوط الضريبية على الأجراء (العمال) أو اقتطاعات من الرواتب ستكون لها كلفة سياسية وستحط من شعبيته.
وأكد الشكندالي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "حكومة بودن لا تزال في مرحلة جسّ النبض وهو ما يفسّر حالة التخبط بسحب النسخة الأولية المسربة من قانون موازنة 2022"، مرجحا أن تلجأ الحكومة إلى تمرير قانون موازنة "بلا ملامح" في انتظار استكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
وأشار إلى أن صندوق النقد الدولي لن يوقّع أي اتفاق مع تونس دون الحصول على ضمانات واسعة بتوافق كافة الأطراف على الإصلاحات المطلوبة، مؤكدا أن مراجعة النظام الضريبي والحد من كتلة الأجور سيكونان من بين بنود الإصلاح.
وفسّر الشكندالي تلميحات الرئيس التونسي بمشاركة المواطنين في تعبئة الموارد بدعوتهم إلى المساهمة في الاكتتاب الوطني لتوفير موارد إضافية لفائدة موازنة العام الحالي، معتبرا أن السلطة تتجنّب في الوقت الحالي أي قرارات قد تطيح شعبيتها سيما بعد فشل مساعي كبح الأسعار ومكافحة المحتكرين بحسب قوله.

مفاوضات جديدة
في المقابل بدأت النقابات العمالية، التعبئة من أجل تحضير الدخول في مفاوضات جديدة مع حكومة بودن بشأن الزيادة في الأجور وإصلاح المؤسسات الحكومية، عقب لقاء رسمي بين الطرفين جرى يوم 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، انتهى بتعهد الحكومة بتطبيق سريع لـ27 اتفاقية زيادة أجور قطاعية معلقة، وتسوية وضعية نحو 31 ألف من عمال الحضائر الذين يعملون بعقود هشة.
ويمثل الحفاظ على مكتسبات العمال وتطبيق الاتفاقات المبرمة سابقا مع الحكومة العناوين البارزة للقاء المرتقب بين المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل ورئيسة الحكومة.
وعلّق المتحدث الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي علي الطاهري، على طلب الرئيس سعيد تنفيذ سياسة تقشفية ومساهمة المواطنين في تعبئة الموارد بتدوينة على حسابه الرسمي على "فيسبوك" أخيراً، قال فيها "يطلبون من العمّال التضحية رغم أن العمال يؤدون واجباتهم، ويربتون على أكتاف المتهربين وهم لا يؤدون واجباتهم فضلا على أنهم لا يضحون".

وتابع بتدوينة ثانية كتب فيها "عبارات التقشّف ومساهمة التونسيين في الميزانية لا تختلف عن مضمون مصطلحات التضحية والإجراءات الموجعة والمؤلمة إلا في حدة اللّفظ... أما النتيجة فواحدة وهي أن الأُجراء (العمال) هم من يدفع الفاتورة".
كذلك أطلق تونسيون على صفحات التواصل الاجتماعي تغريدات تطالب بالكف عن الاقتطاعات من رواتبهم داعين الحكومة إلى إنهاء الحسم بنسبة 1% الذي جرى تنفيذه منذ سنة 2019، بعد أن قالت حكومة رئيس الوزراء الأسبق يوسف الشاهد حينها إن هذا الخصم سيكون ظرفيا لمدة سنة واحدة لتوفير موارد لفائدة صناديق المعاشات.
غير أن الحسم الظرفي لا يزال مستمرا وتحول إلى اقتطاع دائم، ما يزيد من انشغال التونسيين بنوايا بما تنوي الحكومة فعله مستقبلا، تزامنا مع استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

الفرصة الأخيرة
واعتبر الخبير المالي، آرام بالحاج، في حديث مع "العربي الجديد" أن الاتفاق الجديد المزمع إبرامه يُعتبر آخر فرصة للقيام بالاصلاحات الاقتصادية المطلوبة في تونس، مضيفا أن إنجاح الإصلاح الاقتصادي سيكون مرتبطا بطريقة استعمال الموارد المالية المقدمة كما بقية الموارد المتأتية من المانحين والأسواق بعد إمضاء الاتفاق مع صندوق النقد. وقال إن إمكان تونس الحصول على ما يقارب 3.2 مليارات دولار، مقابل اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي حول برنامج إصلاحات واقعي يمتد لأربع سنوات. وأعلنت السلطات التونسية أخيراً استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج تعاون مالي جديد، وذلك عقب اجتماعات تمهيدية جمعت مسؤولين من الحكومة ووفد من صندوق النقد. وجاء الإعلان الرسمي، في بيان للبنك المركزي التونسي، على موقعه الرسمي أكد فيه "استئناف المناقشات الفنية مع صندوق النقد"، وذلك بعد أن توقفت في الأشهر الأخيرة بسبب عدم الاستقرار السياسي.

وكشف قانون الموازنة التعديلي الذي نشرته الحكومة مؤخرا بالجريدة الرسمية عن مراجعة شاملة لكافة المؤشرات الاقتصادية للعام الحالي، حيث توسع العجز في موازنة العام الحالي ليبلغ 9.7 مليارات دينار مقابل عجز متوقع بـ7 مليارات دينار في المشروع الرئيسي الذي أقره البرلمان المجمدة أعماله في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
كما رفعت الحكومة مبلغ اعتمادات التعهد لنفقات الميزانية من 43.9 مليار دينار إلى 48.4 مليارا، فيما زادت موارد الاقتراض الداخلي من 5.5 مليارات دينار إلى 8.1 مليارات دينار، مقابل خفض موارد الاقتراض الخارجي من 13 مليار دينار إلى 12.1 مليار دينار، ورفع العدد الإجمالي لموظفي القطاع الحكومي من 644.8 ألفا إلى 661.7 ألفا.

بدائل لزيادة الموارد
وتواصل الحكومة البحث عن بدائل لزيادة الموارد الذاتية للدولة في موازنة عام 2022 حيث تناقش الوزارات والبنك المركزي إمكانية زيادة الضرائب الجمركية على 1335 سلعة.
وكشفت وثيقة حصلت عليها "العربي الجديد" أن الحكومة التونسية برئاسة نجلاء بودن، تعتزم زيادة الرسوم الجمركية على 1335 سلعة استهلاكية، لتصل إلى 50% بدلاً من 35% حالياً، الأمر الذي ينعكس مباشرة على أسعارها في الأسواق ويزيد من الضغوط المعيشية على المواطنين، وفق خبراء اقتصاد.
وتتضمن قائمة السلع المقترح زيادة الرسوم الجمركية عليها، مواد غذائية جاهزة، وأخرى قابلة للتحويل، إلى جانب تجهيزات منزلية وملابس وأثاث ومفروشات وأدوات مدرسية، ومواد أولية تهم قطاعات مصدرة، وأخرى تستعمل في القطاع السياحي والخدماتي.

المساهمون