تونس تستنجد بصندوق النقد: فخ الديون والإفلاس

20 ابريل 2022
برنامج الإصلاح الاقتصادي يفاقم معيشة المواطنين (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

تبحث حكومة تونس عن دعم لبرنامجها الإصلاحي في اجتماع الربيع لصندوق النقد الدولي، بينما تتالت التحذيرات الدولية من إمكانية تخلّف البلاد عن سداد ديونها وسط شح الموارد المالية وتصدع الجبهة الداخلية التي تحول دون التوصل إلى توافق حول خطة إنعاش اقتصادي تخرج البلاد من أزمتها.
وبدأت المشاركة التونسية في اجتماعات الربيع للبنك وصندوق النقد الدوليين بواشنطن عبر وفد يتكوّن من وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد، ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي.
وقالت وزارة الاقتصاد في بيان لها، أول من أمس، إن المشاركة التونسية في هذه الاجتماعات ستكون حضورياً بكلّ من وزير الاقتصاد والتخطيط، ومحافظ البنك المركزي التونسي، بينما ستكون مشاركة وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، عبر آلية التواصل عن بعد.
وتسعى تونس التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة وعجز تمويلي لموازنتها إلى حشد الدعم السياسي وإقناع مؤسسات التمويل الدولية ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تعتزم الحكومة تنفيذه من أجل الحصول على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي بقيمة 4 مليارات دولار.

إعادة هيكلة الديون
يرى صندوق النقد الدولي أن تونس تحتاج إلى إعادة هيكلة ديونها، إذ صرّحت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا أن الصندوق سيحاول الضغط على تونس من أجل إقناعها بالموافقة على إعادة جدولة ديونها.

وأضافت خلال حوار مع وكالة بلومبيرغ أنّ صندوق النقد الدولي "يعتزم عقد مفاوضات منفصلة مع عدة دول، منها تونس ومصر وسريلانكا، لمناقشة الخطوات المطلوب اتخاذها لمساعدة هذه الدول في مواجهة الأوضاع المالية الصعبة وارتفاع حجم ديونها الخارجية".
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف أنّ تونس قد تواجه موقفاً متصلباً من مسؤولي الصندوق بسبب ارتفاع الدين الخارجي للبلاد، وصعوبة تطبيق برنامج إصلاحي في ظل تصدع للجبهة الداخلية.
وقال الشريف لـ"العربي الجديد" إنّ تصريح مديرة صندوق النقد بشأن الضغط على تونس من أجل جدولة ديونها يأتي بعد تصنيفات سلبية متتالية للوكالات لتصنيف اقتصاد البلاد والحط بها إلى درجة CCC سلبي.
وأضاف أن تونس محتاجة إلى دعم سياسي من أجل اقناع مسؤولي صندوق النقد الدولي على إتمام اتفاق القرض، مشيراً إلى أنّ الخلافات السياسية الداخلية ورفض الاتحاد العام التونسي للشغل خفض كتلة الأجور ورفع الدعم يضعفان موقف البلاد.
وفي فبراير/ شباط الماضي، دخلت الحكومة التونسية في مفاوضات على مستوى الفنيين مع صندوق النقد، بهدف توفير موارد لميزانية الدولة. ويستحوذ الدين العام لتونس، بحسب قانون الموازنة، على 82.57% من إجمالي الناتج المحلي في 2022، ويبلغ الدين الخارجي نحو 72.9 مليار دينار (24.8 مليار دولار)، بينما يبلغ الدين الداخلي 41 مليار دينار. كذلك، تبرز النشرة الخاصة بالدين العمومي التي تصدرها وزارة المالية أنّ خدمة الدين زادت بنسبة 55 بالمائة مقارنة بعام 2019، كما زادت بنسبة 33 بالمائة مقارنة بعام 2020. وتأمل تونس في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد مقابل تنفيذ إصلاحات لا تحظى بشعبية، بما في ذلك خفض الدعم وتجميد الأجور لتجنب انهيار ماليتها العامة.

وذكر بيان وزارة الاقتصاد والتخطيط أنّ الوفد التونسي الذي سيحضر اجتماعات ولقاءات مع كبار مسؤولي عدد من المؤسسات المالية الإقليمية والدولية سيعمل على التعريف ببرنامج الحكومة الإصلاحي الرامي إلى الرفع من نسق النمو واستقرار التوازنات المالية ودعم المكاسب الاجتماعية، فضلاً عن إتاحتها الفرصة لحشد الدعم لتونس في مسارها الإصلاحي حتى تتمكن من تحقيق انتقال اقتصادي وتنموي مستدام وناجع.

إصلاح اقتصادي مؤلم
وبدأت حكومة نجلاء بودن بإرسال إشارات حول نية الإصلاح الاقتصادي وتنفيذ البرنامج الذي ناقشته مع خبراء صندوق النقد الدولي عبر الرفع التدريجي في أسعار المحروقات وإلغاء الدعم الحكومي على المواد النفطية. وقررت تونس في قانون ماليتها رفع أسعار الوقود محلياً كلّ شهر هذا العام بنسبة لا تقل عن 3%، ما يعني ارتفاعاً تراكمياً نسبته 30% على الأقل بحلول نهاية 2022.
ومنذ بداية العام الحالي رفعت تونس سعر الوقود في ثلاث مناسبات بنسب تتراوح ما بين 3 و5% بهدف الحد من عجز ميزانيتها، فخفض دعم المحروقات الذي يعد من بين الإصلاحات الرئيسية التي يطالب بها المقرضون.

وفي هذا السياق، يرى الخبير المالي أيمن الوسلاتي أنّ الوفد التونسي مطالب بالدفاع عن موقفه وتقديم التوضيحات اللازمة بشأن مسألة جدولة الديون، معتبراً أنّ تصنيف المديرة العام لصندوق النقد لتونس ضمن الدول المهددة بالتخلف عن سداد دينها الخارجي لا يخدم صورة البلاد لدى المقرضين.

وأفاد الوسلاتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأنّ اجتماعات الربيع لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تحظى بمتابعة كبيرة لكلّ مؤسسات التمويل، ما يتطلّب وضوحاً في الموقف التونسي وقوة إقناع بوجاهة البرنامج الإصلاحي من أجل الحصول على الدعم الكافي لتعبئة الموارد الخارجية اللازمة.

دعم البنك الدولي
ورغم صعوبات الوضع التونسي ما زال البنك الدولي يقدم الدعم المالي للحكومة من أجل تنفيذ إصلاحات اجتماعية حيث حصلت تونس نهاية مارس/ آذار الماضي على موافقة البنك للحصول على تمويل إضافي بقيمة 400 مليون دولار من أجل تمويل برنامج الأمان الاجتماعي الذي يشمل نحو مليون أسرة فقيرة.

وداخلياً يرفض الاتحاد العام التونسي للشغل أي إصلاحات تتسبب في هزات اجتماعية في البلاد كما أكّد أنّه لن يقبل بإجراءات تجميد الرواتب ورفع الدعم وكلّ الإصلاحات التي تضرب الحقوق الاجتماعية للتونسيين.
ويعاني التونسيون من قفزات كبيرة في أسعار السلع الأساسية، وفي هذا الإطار عبّرت السلطات النقدية التونسية عن مخاوفها من تداعيات تضخمية كبيرة تحدق بالبلاد بسبب التقاء عوامل داخلية وأخرى خارجية تدفع بأسعار المواد الأساسية عالياً، منبهة إلى تواصل المخاطر في غياب توافق محلي يعيد الاقتصاد إلى سكة الإصلاحات.
وأكد بيان سابق للبنك المركزي التونسي مواصلة التضخم مساره التصاعدي ليقفل سنة 2021 عند مستوى 6.6%، مقابل 6.4% في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، و4.9% قبل سنة. وقال البنك المركزي إنّ "ارتفاع الأسعار عند الاستهلاك المسجل بحلول نهاية سنة 2021 سيتواصل لفترة أطول مما كان متوقعاً في السابق".

تقسيم التضحيات
قال مصدر مسؤول في الاتحاد العام التونسي للشغل، رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنّ الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، طلب من وفد صندوق النقد الذهاب إلى إصلاح حقيقي يعتمد على تقاسم التضحيات، وهو ما يتطلب اتفاقاً وطنياً تشاركياً في إطار حزمة تتضمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويخلق مناخاً وطنياً توافقياً.

الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، طلب من وفد صندوق النقد الذهاب إلى إصلاح حقيقي يعتمد على تقاسم التضحيات،


مؤخراً خفض البنك الدولي نمو الاقتصاد التونسي خلال السنة الحالية بنحو نصف نقطة ليمر من 3.5 إلى 3 في المائة فقط.
ولاحظ البنك الدولي أنّ نسبة النمو في تونس ستحقق مكاسب، لكنها تبقى متواضعة على المدى المتوسط، في ظل التحديات الهيكلية والظرف الاقتصادي والانعكاسات وعدم اليقين بشأن الحرب الروسية في أوكرانيا والعقوبات المرتبطة بها.
وبيّن التقرير الذي أعده البنك بعنوان "مراجعة الحقائق: تنبؤات النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أوقات عدم اليقين" أنّ الآفاق الاقتصادية لتونس تبقى غير واضحة، خصوصاً أنّ الصلابة الاقتصادية سنة 2021 كانت معتدلة، وأنّ المخاوف المتصلة بسداد الديون لا تزال قوية بفعل عجز الميزانية، والاحتياجات المرتفعة للتمويل.

المساهمون