استمع إلى الملخص
- أدى توقف الإمدادات إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا وزيادة التضخم، مما أثر سلباً على الاقتصاد الأوروبي، رغم استعداد أوروبا بمصادر بديلة للطاقة.
- رفضت أوكرانيا التفاوض على اتفاقية جديدة، مما أدى إلى خسائر مالية، وتعتمد أوروبا الآن على الغاز الطبيعي المسال وطرق بديلة مثل خط أنابيب تورك ستريم.
أعلنت شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم، اليوم الأربعاء، توقف صادرات الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى أوروبا اعتباراً من الساعة الثامنة صباحاً بتوقيت موسكو (05.00 بتوقيت غرينتش)، بسبب انقضاء أجل اتفاقية العبور التي امتدت لخمس سنوات بين البلدين، وهو ما يمثل خسارة شبه كاملة لموسكو التي كانت مهيمنة ذات يوم على سوق الغاز الأوروبية.
وقالت وزارة الطاقة في أوكرانيا، اليوم أيضاً، إنّ نقل الغاز الروسي عبر أراضيها توقف، مشيرة إلى أمور تتعلق "بالأمن الوطني". ويأتي بيان الوزارة مع انتهاء عقد مدته خمس سنوات بين شركتي غازبروم الروسية ونافتوغاز الأوكرانية. وأضاف البيان نقلاً عن وزير الطاقة جيرمان جالوشينكو: "أوقفنا نقل الغاز الروسي. هذا حدث تاريخي، روسيا تخسر أسواقاً، وستتكبد خسائر مالية". وأضاف أن "أوكرانيا أبلغت شركاءها الدوليين" بالإغلاق المخطط له منذ أشهر.
وأرسلت غازبروم، أمس الثلاثاء، آخر شحنة عبر أوكرانيا والمقدرة بنحو 37.2 مليون متر مكعب من الغاز، مقارنة بـ 42.4 مليون متر مكعب أول من أمس الاثنين. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 26 ديسمبر/ كانون الأول، إنه لا يوجد وقت كافٍ هذا العام لتوقيع اتفاقية جديدة لعبور الغاز عبر أوكرانيا. وجهزت باقي الدول التي لا تزال تشتري الغاز الروسي، مثل سلوفاكيا وجمهورية التشيك والنمسا، إمدادات بديلة، ولا يتوقع محللون تأثيراً يذكر في السوق جراء توقف تدفق الغاز الروسي.
وقالت شركة يوستريم المشغلة لنظام نقل الغاز عبر خطوط الأنابيب في سلوفاكيا إن تدفقات الغاز الطبيعي من أوكرانيا إلى سلوفاكيا عبر خط أنابيب يستخدم لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا توقفت، اليوم الأربعاء. وقالت الحكومة النمساوية، اليوم الأربعاء، إنّ فيينا كانت مستعدة لانتهاء سريان اتفاقية نقل الغاز بين روسيا وأوكرانيا، وإن الإمدادات إلى البلاد مستمرة من خلال مصادر أخرى مثل نقاط التغذية في ألمانيا أو إيطاليا ومن مرافق التخزين. وقالت وزيرة الطاقة النمساوية، ليونورا جيفيسلر، في بيان: "أدينا واجبنا وكنا مستعدين جيدا لهذاً السيناريو"، وأضافت: "لم تعد النمسا تعتمد على الغاز من روسيا، وذلك أمر جيد".
تداعيات وقف صادرات الغاز الروسي عبر أوكرانيا
ويحمل هذا التطور أهمية جيوسياسية أكبر بكثير، لأن موسكو فقدت منذ غزوها لأوكرانيا عام 2022 حصتها المهيمنة من إمدادات الغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي لصالح منافسين مثل الولايات المتحدة وقطر والنرويج، ما دفع التكتل إلى خفض اعتماده على الغاز الروسي. وسجلت شركة غازبروم المملوكة للدولة خسارة قدرها سبعة مليارات دولار في عام 2023 وحده، وهي أول خسارة سنوية لها منذ عام 1999.
وبالنسبة إلى أوروبا، أدى تراجع إمدادات الغاز الروسي الرخيص إلى تباطؤ الاقتصاد كثيراً وارتفاع التضخم وتفاقم أزمة كلفة المعيشة. وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا خلال تعاملات أمس الثلاثاء، وقبل ساعات من انتهاء اتفاق عبور الغاز، إلى 50 يورو لكل ميغاواط/ساعة لأول مرة منذ أكثر من عام، وأدت الشكوك بشأن استمرار تدفق هذه الإمدادات إلى ارتفاع أسعار العقود القياسية بنسبة 51% خلال العام الحالي.
ورغم أن أوروبا سارعت إلى توفير مصادر طاقة بديلة، فإن فقدان الغاز الروسي يزيد المخاوف من تراجع قدرتها التنافسية في العالم على المدى الطويل، ولا سيما تلك المتعلقة بمستقبل ألمانيا الصناعي. وترفض أوكرانيا التفاوض على اتفاقية عبور جديدة. ومن غير المرجح أن يؤدي انتهاء أجل الاتفاقية إلى تكرار ما حدث في عام 2022 من ارتفاع لأسعار الغاز في دول الاتحاد الأوروبي، لأن الكميات المتبقية قليلة نسبياً. وشحنت روسيا نحو 15 مليار متر مكعب من الغاز عبر أوكرانيا في عام 2023، بما يمثل 8% فقط من تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر طرق مختلفة في عامي 2018 و2019.
ويأتي وقف الإمدادات التي تستفيد منها سلوفاكيا وعدد من دول وسط أوروبا في الوقت الذي تستعد فيه المنطقة لطقس شديد البرودة خلال يناير/ كانون الثاني. كذلك تتراجع مخزونات الغاز الطبيعي في المنطقة بأسرع من المعتاد، وهو ما يجعل من الصعب الوصول إلى مستويات التخزين المستهدفة قبل حلول موسم ذروة الطلب على الغاز لأغراض التدفئة خلال فصل الشتاء.
في المقابل، أكدت المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي مستعد لانتهاء عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا، وذلك رداً على الانتقادات المستمرة من رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو. وقللت المفوضية الأوروبية من حجم أثر توقف صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا اليوم الأربعاء، قائلة إن التوقف في الأول من يناير/ كانون الثاني كان متوقعاً، وإن الاتحاد الأوروبي مستعد لذلك.
وقال متحدث باسم المفوضية إنّ "البنية التحتية للغاز في أوروبا مرنة بما يكفي لتوفير الغاز من منشأ غير روسي إلى وسط أوروبا وشرقها عبر طرق بديلة". وأضاف: "عُزِّز الاتحاد الأوروبي بقدرات استيراد كبيرة جديدة للغاز الطبيعي المسال منذ عام 2022".
تأثير حرب أوكرانيا
استغرقت روسيا والاتحاد السوفييتي السابق نصف قرن للحصول على حصة رئيسية من سوق الغاز الأوروبية بلغت 35 إلى 40%، لكن حرب أوكرانيا قضت على كل ذلك بالنسبة إلى شركة غازبروم. وأُغلقت معظم طرق نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، ومن بينها خط يامال-يوروب عبر بيلاروسيا وخط نورد ستريم في بحر البلطيق الذي تعرّض للتفجير عام 2022.
ورفضت أوكرانيا التفاوض على اتفاقية عبور جديدة، متخلية بذلك عن نحو 800 مليون دولار سنوياً، قيمة رسوم تدفعها روسيا، وستخسر شركة غازبروم أيضاً نحو خمسة مليارات دولار قيمة مبيعات الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا. وقالت غازبروم اليوم إنه "بسبب الرفض المتكرر والصريح من الجانب الأوكراني لتمديد هذا الاتفاق، حُرمت شركة غازبروم الإمكانية الفنية والقانونية لتسليم الغاز لمروره عبر أوكرانيا اعتباراً من الأول من كانون الثاني/يناير".
ومن غير المرجح أن يؤدي انتهاء أجل الاتفاقية إلى تكرار ما حدث في عام 2022 من ارتفاع كبير لأسعار الغاز في دول الاتحاد الأوروبي، لأن الكميات المتبقية قليلة نسبياً وتمثل نحو 5% من الطلب الأوروبي على الغاز. وسيوجه وقف الإمدادات عبر أوكرانيا ضربة قوية لمولدوفا، الدولة التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي.
ومع توقف مسار عبور الغاز عبر أوكرانيا بعد مرور أكثر من عامين على التخريب الذي طاول خطوط أنابيب نورد ستريم في بحر البلطيق، لن تُزوَّد أوروبا الآن الغاز الروسي إلا عبر خط أنابيب تورك ستريم (TurkStream) وامتداده بلقان ستريم (Balkan Stream) تحت البحر الأسود. كذلك تستورد أوروبا الغاز الطبيعي المسال من روسيا بواسطة ناقلات الغاز الطبيعي المسال.
(الدولار= 0.96 يورو)
(رويترز، العربي الجديد)