توريث العملة السورية

17 يناير 2021
الليرة هوت إلى القاع خلال السنوات العشر الأخيرة (Getty)
+ الخط -

تُرى أي من آل الأسد سيتصدر الورقة النقدية الجديدة في سورية، رغم أحقية حافظ بن بشار هذه المرة، على فئة 5000 ليرة المنتظرة، فصورة جده حافظ الأسد تصدرت الألف ليرة عام 2013 وصورة أبيه بشار مدموغة على الألفي ليرة الصادرة 2017، ولا بد من حصة للحفيد، ولو من قبيل التمهيد للوريث الجديد.

بدأ الحديث رسمياً عن ضرورة طرح ورق نقدي جديد في سورية من فئة 5000 ليرة، ما يجعل، وفق التبرير الرسمي، العد والحمل والتخزين أفضل، فالفئات الصغيرة من فئة حافظ الأسد "ألف ليرة" تلاشت قيمتها الشرائية واهترأت جراء كثرة التداول، كما فئة بشار "ألفا ليرة" لم تعد تشتري كيلو بطاطا واحداً، ما يستوجب طرح فئات جديدة بأرقام تناسب الغلاء والواقع، وليس بذلك أي إساءة للعملة والسيادة كما لا أدلة على قوة العملة أو علاقة بالتضخم.

وأما عن التأقلم وتقبل السوريين الورق النقدي الجديد، فالقصة عادة وممارسة، فكما تقبلوا الوراثة بالسلطة مع الزمن، لن يجدوا غضاضة في الورق النقدي الجديد، حتى ولو من فئة 10000 ليرة وعليها صورة عامة لأسرة حافظ الأسد جميعها.

قبل الحديث عن لماذا لا تواكب حكومة الأسد الغلاء، إلا بطباعة نقد جديد؟ وما هي الأسباب التي تدفع سورية لضخ كتل مالية جديدة في سوق متخمة من دون أي معادل نقدي أو ذهبي وبلا أي تغطية خدمية أو إنتاجية؟ حبذا التذكير بتاريخ عز الليرة السورية والتي لم تذل، إلا في زمن حكم آل الأسد.

لم تكن العملة المتداولة زمن الحكم العثماني في سورية مرتبطة بالدولة السورية، وإنما بالحكم العثماني، فقبل عام 1888 كانت الدولة العثمانية خاضعة لقاعدة المعدنين "ذهب وفضة" وكانت العملة المتداولة بسورية هي الليرة العثمانية الذهبية والفضية، وصدرت خلال تلك الفترة أوراق نقدية عثمانية، مغطاة 200% بسندات خزينة نمساوية وألمانية، ولكن لم يتم تداولها في سورية.

موقف
التحديثات الحية

 

وفي عام 1928 والذي يعتبر تأريخاً، نتيجة الثورة العربية الكبرى، حيث لم تعد العملة الورقية العثمانية، ذات قيمة أو قابلة للتداول، يحل الجنيه المصري المطبوع في بريطانيا محل العملة العثمانية بسورية، ومنه جاءت كلمة "مصاري" بسورية بدل كلمة نقود، واستمر التعامل بالجنيه، حتى مطلع عشرينيات القرن الفائت، وقت الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان.

وقتذاك، وفي عام 1920، ولدت الليرة السورية ـ اللبنانية، من خلال المصرف السوري (المصرف الفرنسي في دمشق) وكانت الليرة تساوي 20 فرنكاً فرنسياً. واستمر المصرف الفرنسي في سورية بإصدار النقد حتى عام 1924 وقت سمح "الفرنسي" للمصرف السوري، بعد اتفاقية نقدية بين فرنسا من جهة، وسورية ولبنان من جهة أخرى، بإصدار ليرة سورية ولمدة 15 عاماً، وقبل تجديد الاتفاقية ومرور 15 عاماً، تم فصل الليرتين السورية واللبنانية عن بعضهما في عام 1939.

ومرت الليرة السورية بطور جديد، خلال الحرب العالمية الثانية، وقت تحالف الجنيه الإسترليني مع الفرنك الفرنسي، ليتم ربط الليرة السورية بالإسترليني وكان سعر صرف الجنيه يساوي 883.125 قرشاً سورياً وكان كل 22.65 ليرة تساوي فرنكاً فرنسياً واحداً.

ليدخل طور الربط بالدولار، بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديداً عام 1947، وقت تركت سورية منطقة الفرنك، وكان سعر الدولار مقابل الليرة "دولار يساوي 2.19 ليرة"، لكن الإصدار النقدي، السوري واللبناني، بقي إدارياً مرتبطاً بفرنسا، وكان الإصدار يتم بإشراف فرنسي حتى عام 1949.

ومرت الليرة بعمليات تأسيس، إذ تم إصدار أول ليرة مستقلة عام 1953 وتم إدراج اسم الجمهورية السورية، وتوقيع وزير المالية بالبدايات، خلال إصداري 1953 و 1957، ليتم بعد ذاك، اعتماد توقيع وزير الاقتصاد وإصدار الفئات النقدية السورية الصغيرة "فئات القروش المعدنية، إلى جانب عملات ورقية من فئات الليرة وحتى الخمسمئة".

وكانت السلطات النقدية في سورية قد اتبعت سياسة نظام الصرف الثابت، خلال انضمامها لاتفاقية بريتون وودز في الولايات المتحدة عام 1947، والتي أسست لنظام الصرف الأجنبي في مرحلة ما بعد الحرب، وكان سعر صرف الليرة وقتذاك، 405.12 ملغ ذهباً، وتساوي (45.6) سنتاً أميركياً، وهذا يعني أن كل دولار واحد كان يساوي (219.148) قرشاً سورياً.

موقف
التحديثات الحية

 

وبعد انهيار اتفاقية "بريتون وودز" في أوائل السبعينيات وتعويم العملات مقابل الدولار، تم ربط الليرة السورية بالدولار فقط، وتحدد سعر الصرف بـ (3.95) ليرات، وبقي كذلك حتى عام 1981، عندما قامت السلطات النقدية باتباع سياسة تعدد أسعار الصرف للحفاظ على استقرار الأسعار الداخلية، واعتماد سعرٍ خاص بصرف الدولار لأغراض التصدير، بغية تشجيعه وتمويل المستوردات للقطاع العام وتخفيض تكاليف الصناعة الوطنية

وسنّ البنك المركزي السوري منذ عام 2001 عدة تشريعات وقوانين، كالقانون رقم (28) لعام 2001، الذي فتح المجال أمام تأسيس المصارف الخاصة، والقانون رقم (22) لعام 2005 الذي أسس هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية، والقانون رقم (24) لعام 2006، الذي سمح بتأسيس مؤسسات الصيرفة، إضافة إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات، من بينها إعطاء حرية أكبر في تداول وبيع النقد الأجنبي لمن يحتاجه، وأصبح بإمكان المستورد شراء العملة الصعبة من جميع المصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي.

وقد بلغ متوسط سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار خلال الفترة بين 1995-2001 نحو (50.78) ليرة سورية، ليتذبذب سعر الصرف قليلاً، بين 50 و45 ليرة للدولار حتى عام 2011.

ويعود حفاظ الليرة على ثباتها النسبي، في فترة ما قبل الثورة، إلى تطور الأداء الاقتصادي والاستقرار السياسي وسن قانون الاستثمار رقم (10) لعام 1991 الذي أسهم في زيادة عدد المشاريع الاستثمارية، وزيادة القطع الناجم عن زيادة الموارد السياحية وتحسن في وضع الحساب الجاري

وبدأ التراجع والتهاوي بسعر العملة السورية بالتزامن مع الثورة السورية عام 2011، فهوت إلى 59 ليرة للدولار مطلع عام 2012 وإلى نحو 97 ليرة للدولار نهاية عام 2012.

وبدأت التراجعات الكبيرة منذ عام 2013 حيث وصل سعر صرف الدولار في مارس/ آذار نحو 120 ليرة وتجاوز سعر الدولار 300 ليرة بنهاية العام.

موقف
التحديثات الحية

 

وتعافت الليرة قليلاً عام 2014 فتراوح سعر الصرف بين 170 ليرة منتصف العام و220 ليرة نهاية 2014، ليعاود تراجع سعر الليرة في عام 2015 ليصل إلى 380 ليرة للدولار الواحد، وتبلغ أسوأ سعر لها على الإطلاق عام 2016 وقت هوت إلى ما دون 640 ليرة للدولار الواحد، ليتعافى سعر الليرة منذ عام 2017، بالقياس مع سعر عام 2016، ويتفاوت السعر على عتبة 500 ليرة، قبل أن يتحسن أيضاً مطلع عام 2018 ومن ثم بالتراجع منذ مطلع عام 2019 الذي بدأته العملة السورية، بنحو 500 ليرة للدولار وأنهته بنحو 915 ليرة.

بيد أن التراجع الكبير جاء عام 2020 وقت دخلته العملة السورية بسعر 900 ليرة للدولار الواحد وغادرته الشهر الماضي، بنحو 2800 ليرة مقابل العملة الأميركية، لتخسر أكثر من 200% من قيمتها، مع ازدياد التوقعات بالتهاوي، بعد انكشاف الاقتصاد وتراجع الموارد وزيادة الحصار والعقوبات الاقتصادية، ليصل سعر صرف الليرة اليوم إلى نحو 2900 ليرة مقابل الدولار الواحد.

وعلى ما يبدو، لا حل أمام نظام الأسد، لتمويل الموازنة العامة التي أقرها للعام الجاري بنحو 8500 مليار ليرة، إلا بطبع ورق نقدي جديد، بصرف النظر عن العواقب، سواء على  الإنتاج والتصدير أو الأهم وهو الآثار على معيشة السوريين الذين تعدت نسبة الفقر بينهم 90%، والذين يعنيهم تدبير شؤون معيشتهم وشراء الضرورات، سواء بورق نقدي يحمل صورة حافظ أو بشار.

المساهمون