تهاوي الليرة السورية إلى أدنى مستوى منذ 2011 يرفع الأسعار ويثير هلع الشارع

02 مايو 2023
الأسواق في مناطق سيطرة المعارضة لم تعد تتعامل بالليرة السورية (عمر الحاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد الأسواق السورية جموداً وترقباً، بعد الهلع الذي لفّ السوريين اليوم الثلاثاء، إثر تهاوي سعر العملة وارتفاع أسعار المنتجات والسلع، وسط واقع أمني شديد، وتفلّت الأسواق من أي رقابة أو ضابط.

ولم يستبعد الاقتصادي السوري، محمد حسين، في حديث مع "العربي الجديد"، استمرار تراجع سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الرئيسية، ليبلغ سعر صرف الدولار 10 آلاف ليرة سورية "إن لم يحدث انفراج سياسي ودعم مالي للنظام"، لأنّ عوامل انهيار الليرة صارت مواتية بعد "تلاشي ثقة المتعاملين وقرارات المصرف المركزي المتخبطة".

وأشار حسين إلى التراجع المستمر لسعر الصرف، ما ألحق "خسائر هائلة بكل من صدّق ادعاءات نظام بشار الأسد بتحسن سعر الصرف، بعد مقاربة السعر الرسمي بأسعار السوق والحوالات الخارجية".

وسجل سعر العملة السورية اليوم، أدنى سعر على الإطلاق منذ عام 2011 وقت لم يزد سعر صرف الدولار على 50 ليرة سورية، لتهوي الليرة اليوم إلى نحو 9 آلاف ليرة في أسواق الصرافة بمناطق سيطرة المعارضة، بحسب صاحب شركة الصرافة في سرمدا بمحافظة إدلب شمال غربيّ البلاد، محسن طويلة الذي أكد، لـ"العربي الجديد"، عدم التعامل بالمطلق بالليرة وإحجام الصرافين عن تبديل المبالغ الكبيرة "لأنها خسائر محققة مهما رفعنا سعر الصرف".

وسجل الدولار في العاصمة دمشق 8350 ليرة بشركات الصرافة في منطقتي الحريقة والمرجة وسط المدينة، كما أكدت مصادر خاصة في اتصال مع "العربي الجديد"، مشيرة إلى عدم توافر الدولار واليورو في السوق، كاشفة أنّ التجار يحجزون دولارات بكميات كبيرة وبأسعار مرتفعة تصل إلى 9 آلاف ليرة للدولار الواحد، وهو السبب المباشر الذي سرّع بتهاوي العملة السورية.

ولفتت المصادر إلى دور تخلّي المصرف السوري المركزي عن التدخل أو الدعم، بل الاكتفاء بالإشارة إلى "المؤامرة والمضاربين"، في حين أنّ عوامل استقرار الليرة "جميعها معدومة" بواقع تراجع الإنتاج والتصدير وخلل الميزان التجاري السوري الذي "أنهكه استيراد المشتقات النفطية والقمح" بعد تبديد كامل الاحتياطي الأجنبي بالمصرف المركزي، المقدر دولياً بنحو 18 مليار دولار عام 2011.

ويصف الإعلامي خضر م. من دمشق وضع السوق بـ"الفوضى العارمة"، مشيراً في اتصال مع "العربي الجديد"، إلى غياب الرقابة ومزاجية التسعير "رغم الإقبال المحدود على الشراء بسبب الفقر وتلاشي قدرة السوريين الشرائية"، مستدركاً بقوله: "لكن الناس لا يستطيعون التعبير، لأنّ عقوبات النشر والتعبير عن السخط، تصل إلى حد السجن والغرامات المالية الكبيرة، لكل من ينتقد سياسة الحكومة أو يتناول حتى وزير التجارة الداخلية (محسن عبد الكريم علي)".

ويضيف الإعلامي الذي فضّل عدم ذكر اسمه كاملاً، أنّ "الأحاديث في الشارع اليوم، تتركز على توقعات طبع أوراق نقدية كبيرة جداً من فئة 10 آلاف وأكثر، والبحث عن طرق للهروب من واقع مأساوي، لأنّ الناس يموتون جوعاً بكل معنى الكلمة"، مؤكداً عودة بيع المشتقات النفطية بأسعار "خيالية" وعلى مرأى من الحكومة، حيث يراوح سعر المازوت والبنزين بين 11 و13 ألف ليرة.

من جهته، يرى الاقتصادي حسين أنّ "هروب المصرف المركزي من مسؤوليته، بل ومساهمته بزيادة وتسريع تراجع سعر الليرة، عبر التسعير اليومي ولحاق سعر السوق، زاد من ملامح إفلاس حكومة النظام وتبديد الدولار بالمركزي، الأمر الذي زاد من بيع العملة السورية، حتى من صغار المكتنزين".

ويوضح حسين، لـ"العربي الجديد"، أنّ الليرة السورية، حافظت نسبياً على سعرها، خلال الفترة السابقة لسببين: الأول هو الأموال التي وصلت إلى الداخل السوري إثر الزلزال في 6 فبراير/ شباط الماضي، سواء من المغتربين أو الدول. والسبب الآخر ارتفاع نسبة التحويلات الخارجية خلال شهر رمضان والأعياد، مقدراً التحويل اليومي إلى داخل سورية بأنه زاد على 6 ملايين دولار، ويستدرك بالقول: "لكن بعد زوال أثر تلك الأسباب، بدأت الليرة بالتهاوي من جديد متأثرة بزيادة معروض الليرة السورية، بعد منحة الأسد، وبدء توزيع ثمن المنتجات الزراعية، ووصول جزء كبير من التحويلات الخارجية إلى الداخل بالليرة".

ويؤكد الخبير الاقتصادي عامر شهدا، أنّ سبب ارتفاع سعر الصرف ووصوله إلى 8000 ليرة سورية، "غياب السياسة النقدية القادرة على امتصاص الكتلة النقدية التي طرحت خلال شهر إبريل/ نيسان".

وقال شهدا، خلال تصريحات إعلامية، اليوم الثلاثاء، إنّ البلاد وردها وسطياً 100 مليون دولار من الحوالات، فضلاً عن المنحة المالية التي أصدرها الرئيس بشار الأسد، وبالتالي يقدر حجم الكتلة المعروضة من الليرة خلال 20-25 يوماً، بحوالى 4 تريليونات ليرة.

ويشير الخبير السوري إلى أنه لا يوجد سعر ارتفع وعاد للانخفاض من جميع المواد التي ترتفع أسعارها، لافتاً إلى أنّ الوضع بات يستوجب اتخاذ إجراءات احترازية وسياسة نقدية انكماشية صارمة.

وتساءل: "أين تأتي الكتلة التي يدفعها المصرف ثمناً للحوالات، ومع تراجع الاستهلاك أين تذهب الليرة السورية؟"، مشدداً على أنّه "يجب أن يكون لدى المصرف قاعدة بيانات توضح ما يُطرح من كتل نقدية من حوالات وسحب مصرفي، كي يحدد نسبة التضخم".

وقفزت أسعار الذهب في سورية، اليوم الثلاثاء، إلى أعلى سعر على الإطلاق، بعد أن ارتفع سعر الغرام بنحو 10 آلاف عن سعر أمس الاثنين، ليبلغ الغرام من عيار 21 قيراطاً 468 ألف ليرة سورية، بحسب موقع "الليرة اليوم" ومصادر متطابقة من دمشق، ولتكسر الأونصة الذهبية السورية مستويات الـ16 مليون ليرة لأول مرة في تاريخها.

وانعكس تراجع سعر الليرة السورية على أسعار المنتجات والسلع الاستهلاكية في الأسواق السورية، لتبلغ هي الأخرى أعلى سعر في تاريخ سورية، بعد أن سجل سعر كيلوغرام الباذنجان والبندورة 4 آلاف ليرة، والبطاطا 3 آلاف ليرة، فيما ارتفع سعر كيلو الجبنة إلى 50 ألف ليرة، وتضاعف سعر اللحوم (بيضاء وحمراء) بنحو 100%، منذ مطلع العام الجاري.

ويرى مراقبون أنّ الحل "الإسعافي" هو زيادة الأجور، بصرف النظر عن آثارها التضخمية، لأنّ أكثر من 95% من السوريين، تحولوا إلى جوعى بواقع راتب شهري لا يزيد على 100 ألف ليرة، ونفقات لا تقل عن 6.5 ملايين ليرة شهرياً.

ويقول رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال جمال القادري، إنّ الحد الأدنى للرواتب لا يكفي ليوم واحد، ونظام الرواتب والأجور يحتاج لتعديل جذري "فأي زيادة للرواتب لم تعد كافية"، كما يقول، موضحاً، في تصريح لإذاعة "المدينة" بمناسبة عيد العمال، أمس الاثنين، أنه لا يمكن أن يبقى التضخم ذريعة لعدم زيادة الرواتب، كذلك فإنه يجب إعادة النظر بالمبلغ الخاص بالترفع الوظيفي.

وشدد القادري على ضرورة إعادة النظر بكل التشريعات الخاصة بسوق العمل، مبيناً أنّ هناك مطالب لتعديل القانون النافذ رقم 50 لإزالة المعوقات أمام الحقوق العمالية المشروعة، واصفاً إياه بأنه أصبح عاجزاً عن مواكبة تطورات سوق العمل واستقطاب الكفاءات اللازمة لكل قطاع.

المساهمون