تقلّص الدعم الخارجي يهوي بمعيشة اليمنيين

12 أكتوبر 2021
تراجع حاد في المساعدات الإغاثية (فرانس برس)
+ الخط -

في الوقت الذي تزداد فيه حدة الأزمات الاقتصادية والمعيشية والإنسانية في اليمن، يشهد التمويل الخارجي بمختلف أنواعه المالي والإنساني والإغاثي، انحسارا ملحوظا، مع توقّف كثير من البرامج الإنسانية والتنموية التي كانت بعضها توجه لدعم مشاريع الغذاء والأشغال العامة التي تستوعب كثيرا من الأيدي العاملة في اليمن.

وعملت المساعدات الخارجية على تجنب تفاقم الأزمة الإنسانية وكوارث أخرى، غير أن العوامل الأساسية المحركة للأزمة ما تزال قائمة، من استمرار الصراع والحرب والكوارث الطبيعية.

وتكشف بيانات حديثة اطلعت عليها "العربي الجديد"، عن فقدان أكثر من 45% من الأسر اليمنية، مصدر دخلها الوحيد، في ظل تأثرها منذ عامين بتبعات جائحة كورونا، وانخفاض حجم التحويلات المالية للعاملين اليمنيين في الخارج، ما يستدعي دوراً فاعلاً لشركاء التنمية والمانحين، بالتوازي مع العمل الإنساني في الحد من هذه التداعيات ذات الأبعاد الاقتصادية.

والمنح والمساعدات الخارجية هي أهم المصادر التمويلية الداعمة للوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن.
وتتجه معظم المساعدات منذ عام 2015، إلى الجوانب الإغاثية والإنسانية، وتستهدف توفير الاحتياجات الآنية للبقاء على قيد الحياة في ظل ظروف اليمن الراهنة، مع توجيه محدود لبعض هذه المساعدات نحو الجوانب التنموية وتعزيز قدرات الأفراد على إيجاد مصادر الدخل.

وتذكر بيانات رسمية حديثة، أن متطلبات تمويل خطط الاستجابة الإنسانية في اليمن اتجهت نحو التزايد التدريجي، إذ ارتفعت من 1.6 مليار دولار عام 2015، إلى 4.19 مليارات دولار عام 2019، وتراجعت إلى 3.85 مليارات دولار عام 2021.

ويعكس ذلك شدة الاحتياج لتمويل متطلبات الجوانب الإنسانية من التغذية وخدمات الصحة والتعليم والمياه والإيواء وغيره، حسب مراقبين.

وفي مقابل ارتفاع نسبة تغطية متطلبات تمويل الاحتياجات الإنسانية إلى 86.9% خلال الفترة من 2015 إلى 2019، شهدت التغطية التمويلية تراجعا كبيرا خلال العامين الماضي والحالي، حيث انخفضت إلى 56.5% في عام 2020 وإلى 42.9% خلال النصف الأول من العام الجاري، من إجمالي تعهدات المانحين.

ويسهم اتساع فجوة التمويلات المقدمة والمنخفضة مقارنة مع حجم الاحتياجات الإنسانية المتزايدة، في حرمان ملايين اليمنيين من الحصول على المساعدات اللازمة لبقائهم على قيد الحياة وحصولهم على الخدمات الأساسية. وينتقد مراقبون الآليات المتبعة في خطة الاستجابة الإنسانية خلال السنوات الماضية، إذ يقول العامل في مجال الإغاثة الإنسانية، بلال الصلاحي، لـ"العربي الجديد"، إن كثيرا من السلطات المتعددة في اليمن تفرض قيودا عديدة على العمل الإغاثي بوضع العراقيل وفرض أجندتها وسياستها للسيطرة على إدارة جهود الإغاثة الإنسانية، وهو ما يؤثر على عمل مختلف المنظمات ويخل ببرامجها وتدخلاتها الإغاثية والإنسانية والتنموية.

 وتشير آخر التقديرات إلى أن هناك 20.7 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية عام 2021، بينما يواجه أكثر من نصف السكان مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي.

ويعتبر الأمن الغذائي أكبر قطاع من حيث التمويل، مستحوذاً على ما يقرب من نصف التمويل بنسب 48.5% من إجمالي التمويلات.
أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء وعضو المرصد الاقتصادي اليمني، علي سيف كليب، يشرح في هذا الخصوص لـ"العربي الجديد"، أن الاقتصاد اليمني تبرمج منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد قبل أكثر من ست سنوات على المساعدات والدعم المالي الخارجي، بعد ما تعطلت مختلف محركات الاقتصاد وموارده الرئيسية، لذا ما يشهده من انهيارات مؤخراً جزء كبير منها عائد إلى انحسار الدعم الدولي والإقليمي، إضافة إلى بروز تعقيدات عديدة تحد من استيعاب أي بدائل تخفف من حدة ووطأة الانهيارات المتتالية التي تحولت إلى صدمات معيشية تطاول معظم السكان في اليمن.

ويعتبر أن انتشار جائحة كورونا سبب رئيسي لتراجع تعهدات المانحين خلال عامي 2020 و2021، والتي عصفت باقتصاد العالم وتسببت في تعرّض البلاد لصعوبات كبيرة، في ظل تراجع عائدات النفط وتأثر القطاعات الحيوية مثل النقل والساحة متأثرة بتداعيات الأزمة الصحية. وينتقد الباحث الزراعي، فائز الجرباني، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، المنهجية المتبعة في البرامج والمساعدات الإنسانية المقدمة والتي تديرها عشرات المنظمات العاملة في مجال الإغاثة التي تصل إلى المناطق الريفية لتوزيع سلال غذائية من دقيق وقمح وزيوت ونسبة من الألبان ومشتقاتها، في مجتمعات زراعية تعتمد على الزراعة والثروة الحيوانية في توفير احتياجاتها الغذائية.

ويرى الجرباني أن هناك اختلالا كبيرا في هذه البرامج التي يأتي القطاع الزراعي في أدنى مستويات اهتماماتها، بينما المشكلة الرئيسية في اليمن تتمثل في انهيار الأمن الغذائي لغالبية السكان.

المساهمون