لا يزال وزير المالية البريطاني جيريمي هانت متفائلاً بنمو الاقتصاد البريطاني، ويرى أنه على المسار الصحيح، برغم تقديرات مكتب الإحصاءات الوطنية التي نشرت يوم الخميس، التي أشارت إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الشهري لم يُظهر أي نمو في فبراير/شباط 2023، حيث قابل الانخفاض في الخدمات والإنتاج نمواً في قطاع البناء.
ولفت المكتب إلى أن الخدمات تراجعت بنسبة 0.1% في فبراير 2023، بعد نموها 0.7% في يناير/كانون الثاني 2023، بما يعود أساساً إلى الإضرابات التي شملت قطاعات عديدة من بينها التعليم والإدارة العامة والصحة والدفاع.
ويزداد تأثير الإضرابات سلباً على الاقتصاد مع تنظيم الأطباء إضراباً لمدة 4 أيام في نزاع حول الأجور أيضاً، في مقابل تعنت حكومي لزيادة الأجور لكل موظفي القطاع العام.
أمام هذه الأرقام، يصر هانت على أن نمو الناتج المحلي الاجمالي خلال الاشهر الثلاثة الماضية التي سبقت فبراير، يُظهر أن أداء الاقتصاد كان أفضل من المتوقع رغم انخفاض الإنتاج 0.2% في فبراير بعد تراجعه 0.5% في يناير المنصرم.
كما يؤكد هانت أن التوقعات الاقتصادية تبدو أكثر إيجابية، وأن المملكة المتحدة بصدد تجنب الركود مستفيدة من الخطوات التي اتخذتها الحكومة عبر حزمة ضخمة لدعم تكاليف معيشة الأسر من أجل تخفيف الأعباء المالية عن البريطانيين وزيادة الإنفاق الاستهلاكي.
ومن العوامل المساهمة في تفاؤل هانت إصلاحات جذرية في سوق العمل التي نفذتها الحكومة لخلق المزيد من فرص العمل وتشجيع الشركات على الاستثمار في المملكة المتحدة، فضلاً عن الاهتمام بالاستثمار التجاري، حيث تركز على جذب المزيد من الاستثمارات التجارية، بما يساعد في استحداث وظائف ويعزز النمو ويحسن الأداء الاقتصادي العام.
بناء على هذه العوامل، يبدو هانت متفائلاً بشأن مستقبل الاقتصاد البريطاني، لكن تجدر الإشارة إلى أن التنبؤات والتوقعات الاقتصادية عرضة للتغيير، ويمكن أن تتأثر بالعديد من المتغيرات الداخلية والخارجية.
وتأتي تصريحات هانت في وقت يواجه البريطانيون عاماً آخر من المعاناة، حيث تواصل جميع الأسعار صعودها، بما في ذلك تكاليف الإسكان والمواد الغذائية، وعقب بيانات متشائمة من صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي، والتي قال فيها الصندوق إن المملكة المتحدة ستحتل أسوأ أداء اقتصادي في مجموعة السبع هذا العام، لدرجة أن روسيا أيضاً ستتفوق عليها.
في هذا الشأن، يقول الأستاذ المشارك في قسم الاقتصاد ومدير برنامج أسواق العمل في مركز الأداء الاقتصادي لدى "مدرسة لندن للاقتصاد" (LSE) غاي مايكلز لـ"العربي الجديد": "رغم نجاح اقتصاد المملكة المتحدة في تجنب الركود بصعوبة لغاية اليوم، إلا أن نمو الدخل والإنتاجية لا يزالان منخفضين للغاية، كما لا يزال التضخم مرتفعا كثيرا في وقت يزداد تقلص الدخل الحقيقي.
أما رئيس الشؤون الخارجية في المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، نيل ليكلاند، فيقول لـ"العربي الجديد" إن المعهد نشر صباح اليوم الخميس، أحدث أداة رصد للناتج المحلي الإجمالي.
وأظهر الرصد أن الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 0.1% في الربع الأول من عام 2023، وهو تحسن فاق توقعاته السابقة رغم أنه يتماشى مع توقعات بظهور مخاطر تصاعدية.
وأشار إلى أن تقارير مهمة كتلك الصادرة عن "إس أند بي غلوبال" و"المعهد القانوني للمشتريات والتوريدات" و"معهد إدارة المشاريع" في المملكة المتحدة، إضافة إلى مؤشرات الإنفاق والتوظيف، كلها تبيّن أن اقتصاد المملكة المتحدة شهد نمواً منخفضاً وإن مستقراً على مدار الربع الأول.
كذلك، تشير توقعات المعهد المبكرة للربع الثاني من عام 2023 إلى زيادة معدل النمو الفصلي إلى 0.3%.
من جهتهم، توقع اقتصاديون أن تتمكن بريطانيا من تفادي الركود في بداية العام، لكنهم حذروا من أن التضخم المرتفع والتأثير المتأخر للزيادات السابقة في أسعار الفائدة من "بنك إنكلترا" المركزي، من المرجح أن يؤديا إلى توقعات نمو ضعيفة.
بدوره، قال رئيس الوزراء ريشي سوناك خلال مقابلته في 13 أبريل/نيسان مع "Conservative Home" وهي مدونة يمينية تدعم حزب المحافظين، إن من الممكن تقليص الضرائب بمرور الوقت.
وأضاف أن الحكومة تواجه الآن مشكلة كبيرة مع التضخم وعليها خفضه والتخلص من الاقتراض ليبقى تحت السيطرة. ورفض اقتراحات تقضي بقبول مستويات عالية من الهجرة لتحقيق أهداف النمو الاقتصادي.
وأشار سوناك إلى التصريحات التي أعلن عنها في الميزانية في وقت سابق من هذا العام، والتي تسعى إلى إصلاح نظام الرعاية الاجتماعية وتحث المزيد من الناس على العودة إلى العمل.
بدوره، قال مدير الإحصاءات الاقتصادية في مكتب الإحصاءات الوطنية دارين مورغان إن الاقتصاد لم يشهد أي نمو في فبراير بشكل عام. بيد أن البناء نما بقوة بعد يناير الذي شهد أوضاعا سيئة، كما لقي الاقتصاد دعماً من تجارة التجزئة حيث شهدت العديد من المتاجر شهراً مزدهراً.
وعلقت "بلومبيرغ" على تصريحات هانت المتفائلة، مشيرة إلى أن أهم نقاط استراتيجيته قد تكون في إعادة تنشيط مدينة لندن. بيد أنها لفتت إلى أن المملكة المتحدة تواجه منافسة شديدة على هذه الجبهة من باريس على وجه الخصوص.
وفي بودكاست "إن ذي سيتي" In The City، ناقش المقدمان فرانسين لاكوا وديفيد ميريت جاذبية باريس المتزايدة مع المراسل ألكسندر راجبانداري والمحرر المالي البريطاني توم ميتكالف.
ولفت الأخير إلى أن تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يقتصر فقط على تغيير هيكل الوظائف في لندن، بل لم يعد بالإمكان العمل حصراً خارج لندن، لأن الوظائف الجديدة تنتقل إلى مكان آخر.