أبلغت شركات إنتاج تعبئة البن والشاي في مصر تجار التجزئة والعملاء، خلال الساعات الأخيرة من شهر رمضان، برفع أسعار هاتين السلعتين اللتين تضبطان "المزاج العام" بنسبة تصل إلى 15 في المائة. شملت الزيادة العبوات الشعبية صغيرة الحجم، التي تتراوح أحجامها بين 40 و100 غرام، وقد اخترعها المنتجون لمواكبة تراجع القدرة الشرائية للمواطنين في ظل حالة غلاء متصاعدة شهريا.
ويقف محمد سليم على قارعة مقهاه الصغير، ليجهز الباحة المحيطة به في جوار وزارة الأوقاف بالقاهرة، يندب حظه، عقب تلقيه نبأ زيادة السعر من زميله المكلف بشراء مستلزمات التشغيل. يتمتم سليم قائلاً: "ماذا نفعل والزبائن غالبيتهم من صغار الموظفين والطلاب المترددين إلى الوزارة المجاورة، ومرضى عيادات الأطباء بمنطقة باب اللوق؟".
يلاحظ سليم خشية العملاء دخول المقهى الشعبي، ويشعر بالخجل، عندما يطلب من زبونه زيادة على سعر كوب الشاي أو القهوة، لعلمه بمعاناة الناس من الغلاء المتوحش. يؤكد لـ"العربي الجديد" رفعه سعر كوب الشاي من 3 إلى 7 جنيهات، والقهوة من 5 إلى 10 جنيهات (نحو 0.32 دولا أميركي) العام الماضي، متحملا جزءا من الزيادة في التكاليف.
ويعد كوب الشاي والقهوة، أهم مشروب في حياة المواطنين، يتناولونه بالمنازل وأماكن العمل والمقاهي الشعبية، خاصة غير القادرين على ملاحقة أسعار المشروبات الغازية والعصائر التي تضاعفت خلال عام واحد.
أكلاف إضافية
من جهته، يقول حازم المنوفي رئيس شعبة المواد الغذائية بالإسكندرية لـ " العربي الجديد" إن" بعض التجار ضعيفي النفوس يتلاعبون بالأسعار أو جودة السلع مستغلين ضعف الرقابة على الأسواق".
يلقي المنوفي بلائمة تغيير الأسعار، على كبار الموردين، بينما يرصد "العربي الجديد" موجات متتالية لغلاء الشاي والقهوة ومستلزماتها من السكر والمياه المعدنية، دفعت برفعها عدة مرات، منذ مارس/ آذار 2022، حينما شرّع البنك المركزي فرض قيود الاستيراد على الواردات. ويؤكد المنوفي أن زيادة أسعار الشاي بجميع أنواعه تزامنت مع لجوء المواطنين لترشيد الاستهلاك، مع انخفاض قوتهم الشرائية.
ويذكر أن أسعار الشاي والبن تتغير باختلاف الشركات والجودة، والعلامة التجارية. وارتفع سعر كيلو الشاي بسوق الجملة من 85 جنيهاً إلى 107 جنيهات خلال 2022، فيما زاد إلى 200 جنيه الأيام الماضية، ليصل للزبائن بسعر 250 جنيها لكيلو الشاي الأسود الخشن و350 جنيهاً للأخضر، وتتضاعف الأسعار لعبوات الشاي ذات النكهات الإضافية والمعبأة بأكياس صغيرة.
صنعت شركات عبوات من وزن 40 غراماً، بسعر 7 جنيهات للعبوة، زادت إلى 8 جنيهات بالجملة، لتباع بـ 10 جنيهات لتلبية حاجة الأسر البسيطة، بعد زيادة الأسعار بنحو 60 في المائة منذ مطلع العام. كانت العبوات تبدأ بأحجام من 100 غرام ثم 250 غراماً. ارتفع سعر عبوة البن السادة وزن 100 غرام من 70 إلى 230 جنيهاً، والمحوج إلى 390 جنيهاً، والمحوج السوبر الفاتح 420 جنيهاً، والمحوج الفاتح وزن 50 غراماً إلى 295 جنيهاً لدى المنتجين الكبار خلال 12 شهرا.
تداعيات أزمة الجنيه
رغم انخفاض أسعار البن والشاي عالمياً وفقاً لمؤشرات منظمة الأغذية والزراعة" الفاو"، متأثرة باستقرار سلاسل التوريد، وتحسن الإنتاج بأهم الدول المنتجة للمحصولين بآسيا وأفريقيا الاستوائية وأميركا الجنوبية، فالأسعار تزيد في مصر مدفوعة بتدهور قيمة الجنيه أمام الدولار وزيادة قيمة الجمارك وبحث المستوردين عن الدولار بالسوق السوداء، بعد توقف البنوك عن تمويل هذه النوعية من المشتريات.
تهتم الحكومة باستيراد السكر، مع ذلك زاد سعر الكيلو من 9 إلى 22 جنيهاً بالأسواق، بنفس الفترة، وارتفعت بطاقات الدعم العيني من 4.5 جنيهات إلى 14 جنيهاً للكيلو، وشهدت أسعار المياه المعدنية تضاعفا في التسعير، متأثرة بزيادة أسعار العبوات البلاستيك والتشغيل والنقل، مع زيادة أسعار الوقود.
ويستهلك الفرد كميات تصل إلى 900 غرام سنويا من الشاي وضعته بالمرتبة السابعة لاستيراد الشاي عالميا، والأول عربياً عام 2021 وفقا لموقع "ورلدز توب أكسبورتس". تستورد الدولة نحو 85 ألف طن شاي، بينما يستهلك المصريون نحو 70 ألف طن من البن سنويا.
يعد الشاي وسيلة الضيافة الوحيدة لأغلب الأسر المتوسطة والفقيرة، التي تمثل نحو 60 في المائة من تعداد السكان، بينما يصبح وسيلة تغذية مهمة في القرى شديدة الفقر خاصة بصعيد مصر، حيث يخلط بكميات كبيرة من السكر الخام، ليوفر الطاقة لشاربيه، بينما البن يوزع على خواص أصحاب المزاج، وتنفرد الطبقة المتوسطة والعالية، بنوعيات البن الأخضر والمحوج بالحبهان " الهيل".
ولم تلتفت الحكومة لدعوات أطلقها تاشطون على وسائل التواصل الاجتماعي العام الماضي، بأن" الشاي خط أحمر"، ولم تعر اهتماما للشكاوى من تعريض، مزاج المصريين للخطر، مع نقص كميات البن والقهوة.
سوق سوداء
تشير تقارير جهاز التعبئة العامة والاحصاء، إلى أن واردات الشاي والبن والبهارات بلغت 522 مليونا و961 ألف دولار من يناير/ كانون الثاني حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
وترتفع قيمة واردات الشاي سنويا، مع تزايد عدد السكان ولجوء بعض الشركات إلى إعادة تصدير منتجاته إلى فلسطين والأردن وليبيا، بعد إضافة نكهات محلية مفضلة. حذر مستوردو الشاي والبن من عدم قدرتهم على تلبية احتياجات المواطنين، مع نفاد الكميات بالمخازن، ومع عدم قدرتهم على استيراد المنتجات من الخارج.
وتعطلت الواردات لمدة 9 أشهر عام 2022، مع فرض البنك المركزي قيودا على جميع الواردات، لعدم وجود عملة صعبة، أزيلت القيود نهاية العام، ولم توفر البنوك التي تعاني من شح في الدولار العملة الصعبة للموردين إلا للسلع الأساسية التي تحددها الحكومة.
تطلب الحكومة من الشركات أن تشتري الشاي والبن من عوائد تصدير الحاصلات الزراعية الأخرى، بما خلق سوقا سوداء للتبادل السلعي بين التجار العاملين في الصادرات والواردات وصنع أزمة بين الموردين الذين يلجأون لدفع عمولة مشتريات للمصدرين الذين لديهم فائض دولاري.
ويشير أحمد شيحة الرئيس السابق لشعبة المستوردين في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن شح الدولار في البنوك يحرم الموردين من القدرة على ادخال بضائعهم من الموانئ، أو التعاقد على صفقات جديدة في التوقيت المناسبة بما يضمن حصول المنتجين على بضائع جيدة وأسعار تنافسية.
قدمت شركات منتجة لعلامات تجارية محلية شهيرة، عدة شكاوى لمجلس الوزراء ووزارة التموين، تخبرهما بوجود كميات كبيرة من الشاي الخام في الموانئ، ولم تحصل على ردود، بينما تقوم شركات منتجة لعلامات تجارية دولية بادخال بضائعها، عبر تسهيلات في الدفع بالدولار تتولاها مراكزها الإقليمية خارج مصر.