رغم أن خط الغاز "نورد ستريم 2" وافقت عليه الدول الأوروبية المجاورة لألمانيا ويتوافق مع القانون الأوروبي، فقد ارتفعت أصوات تطالب ألمانيا بوقف المشروع، مع تصاعد نسبة التوتر مع روسيا بشأن العديد من الملفات الخلافية، ومنها ما يتعلق بحقوق الإنسان، وآخرها ما يتعلق بسجن المعارض الروسي أليكسي نافالني، والطرد المتبادل لأعضاء السلك الدبلوماسي بين موسكو من جهة وبرلين وأوسلو واستوكهولهم من جهة أُخرى.
وعلى ما يبدو، لا تبدو برلين راغبة بذلك، وتحاول فصل القضايا التي تحمل تباينات مع روسيا عن المشروع الاقتصادي المهم الذي شارف على الانتهاء، وبعدما بدا الأمر لفترة وجيزة كما لو أن الحكومة الألمانية يمكنها بالفعل الابتعاد عن موقفها الملتزم بأن خط الأنابيب من المحرمات، ولا ينبغي إساءة استخدامه كرافعة سياسية، وحيث بذلت المستشارة أنجيلا ميركل كل جهدها لإخراج "نورد ستريم 2" من قضية نافالني وفك الارتباط به.
ويعود ذلك إلى عدة أسباب رئيسية؛ فالمشروع الذي تناهز تكلفته 9.5 مليارات يورو، يمكن أن يوفر على المواطنين الألمان الكثير من الأموال.
وفي حال الاستغناء عن المشروع، فسيُصار إلى الحصول على الغاز من المصادر التقليدية الأُخرى بتكلفة أعلى، مثل غاز التكسير الذي تستخرجه الولايات المتحدة من الأرض عن طريق حقن السوائل ويدمر مساحات هائلة من الأراضي.
في السياق، ذكرت الباحثة في العلوم السياسية فرانسيسكا أوغستين مع "شبيغل أونلاين" أن خط الأنابيب الذي يمر عبر أوكرانيا إلى أوروبا ثبتت عليه العديد من محطات الضغط التي تعود إلى فترة الاتحاد السوفياتي السابق وباتت قديمة، ولم تجرى صيانتها بشكل صحيح منذ ذلك الحين، وبات ضغطها أقل، كما لم يعد بعضها مغلفا تماما ما يسبب تسرباً لغاز الميثان.
وخط مشروع الأنابيب الجديد "نورد ستريم 2" يمتد من الساحل الروسي إلى أوروبا الغربية، وسيتم تشغيله بعدد محطات أقل وأكثر حداثة.
مصالح متباينة
ومع تمايز الدول الأوروبية الأخرى تبعا لاختلاف مصالحها، فإن بولندا مثلا تريد استقلالا عن الغاز الروسي بغياب الثقة بروسيا وألمانيا، وتفضل الآن شراء الغاز من النرويج عبر خط أنابيب جديد قيد الإنشاء، أو غاز التكسير الأميركي الذي يتم تسليمه عن طريق السفن.
بدورها، فرنسا، المطالبة بوقف العمل بخط "نورد ستريم 2"، لا تزال تعتمد على العديد من محطات الطاقة النووية، وهي تحتاج إلى كميات قليلة من الغاز الطبيعي من روسيا، رغم المصلحة الموجودة في المشروع، إذ تمتلك شركة "أنجي" الفرنسية حصة فيه.
أما أوكرانيا، فتعارض المشروع لأنها ستفقد رسم العبور، إذ توجد على أراضيها مرافق تخزين الغاز العملاقة، علما أن وعودا أُعطيت لكييف من ألمانيا بأن الخط الذي يمر عبر أراضيها لن يتوقف العمل به، وسط معلومات تتحدث عن أن الاتحاد الأوروبي سيعوّض الأمر بتقديم المزيد من المساعدات.
في المقابل، فإن لألمانيا وضعها الخاص، لا سيما أنها تستخدم 40% من الغاز الروسي الذي يتدفق إلى الاتحاد الأوروبي، عدا عن أنها تحصل من النرويج على 20% إلى 30% من استهلاكها، إنما الإنتاج في أوسلو سينتهي مع توجه بولندا للاعتماد بشكل شبه كلي على الغاز النرويجي.
هذا في وقت ستقلل هولندا، التي تحصل ألمانيا منها أيضا على الغاز، الإنتاج في بحر الشمال.