تلتفّ بعض الحكومات العربية على قرارات عدة صادرة عن جامعة الدول العربية والمنظمات التابعة لها وتحظر التطبيع مع دولة الاحتلال بكل أنواعه وأشكاله، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً، وتصر هذه الحكومات على التطبيع الاقتصادي، على الرغم من الرفض الشعبي الكبير له.
التطبيع الاقتصادي العربي مع إسرائيل، والذي بدأ عقب ابرام معاهدات سلام ثنائية وقعتها مصر ثم الأردن، يتم في صورة أشكال متعددة منها:
1- إرسال الحكومات وفود تجارية وبعثات استثمارية عربية لتل أبيب لعقد لقاءات مع مسؤولين ومستثمرين إسرائيليين، والاتفاق على إقامة مشروعات مشتركة.
2- غض الطرف عن العمالة العربية التي تسافر للعمل داخل الأراضي العربية المحتلة.
3- زيادة التبادل التجاري وفتح مكاتب تمثيل تجاري لإسرائيل في المنطقة.
4- توريد بعض حكومات الدول العربية وشركات محسوبة عليها مواد خامة من حديد وإسمنت وطوب وغيره من مواد البناء للمساعدة في إقامة الجدار العنصري العازل.
5- إبرام اتفاق الكويز مع دولة الاحتلال، والذي تقوم شركات عربية وإسرائيلية من خلاله بتصدير منتجاتها للأسواق الأميركية دون التقيد بنظام الحصص.
وعلى الرغم من تعدد صور التطبيع مع إسرائيل خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، والذي تحث عليه للأسف حكومات عربية، إلا أن نتائجه لا تزال محدودة في ظل زيادة المقاطعة الشعبية للمنتجات والسلع الإسرائيلية التي تسعى بكل الطرق لإغراق الأسواق العربية بها، وأن تحتل هذه السلع مساحة داخل أفواه وأمعاء كل عربي.
وعلى الرغم كذلك من المقاومة العربية الكبيرة لكل أشكال التطبيع مع دولة الاحتلال، إلا أن بعض الحكومات تضرب بالرفض الشعبي العارم عرض الحائط، وأحدث دليل على ذلك هو ما فعلته الحكومتان الأردنية والمصرية اللتان أبرمتا صفقات ضخمة لاستيراد الغاز الإسرائيلي تتجاوز قيمتها عشرات المليارات من الدولارات ولمدد طويلة تصل إلى 30 عاماً.
حدث ذلك التطبيع عبر الغاز بشكل مباشر كما هو الحال في الأردن الذي وقع العام الماضي اتفاقية مع اسرائيل لاستيراد الغاز من حقل ليفياثان، وبلغت قيمة الاتفاقية التي تم ابرامها لصالح شركة الكهرباء الأردنية، 10 مليارات دولار ولمدة 15 عاما.
كما وقعت المملكة اتفاقية أخرى مع شركة "ديليك" الإسرائيلية التي قالت إنها بدأت في تصدير الغاز سراً إلى المملكة لتفادي غضبة الشعب الأردني المتصاعدة سواء في الشارع أو داخل البرلمان.
كذلك تم التطبيع عبر الغاز بشكل غير مباشر كما هو الحال في مصر عن طريق قيام إحدى الشركات المصرية الخاصة بالتعاقد مع حقل "تمار" لاستيراد الغاز الإسرائيلي لمدة 15 عاما وبصفقة تتجاوز 20 مليار دولار.
وسبق وأن أبرمت شركتا "بريتش جاز" البريطانية ويونيون فينوسيا الإسبانية اتفاقات مع حقلي "تمار" و"لوثيان" لاستيراد الغاز لصالح مصر لمدة تصل إلى 15 عاماً في صفقات تصل بالنسبة للشركة البريطانية وحدها إلى 30 مليار دولار.
إذن حدث ما لم يكن يتوقعه ملايين المصريين والأردنيين، وبات باب استيراد الغاز والطاقة من إسرائيل مفتوحاً على مصراعيه، بعد أن كانت مصر تصدر الغاز لإسرائيل أبان حكم مبارك.
ومع إتمام الصفقات المرفوضة شعبياً بات الباب مفتوحاً أمام غاز العدو ليدخل بيوت العرب، ولا يعرف أحد أي البيوت العربية سيدخلها الغاز الإسرائيلي غداً، وما هو شعور أسر آلاف الشهداء الذين استشهد ذووهم في حروب عدة خاضتها الدول العربية ضد جيش الاحتلال في أعوام 1948 و1956 و1967 و1973.
العرب أصبحوا يستوردون الغاز من دولة الاحتلال، في الوقت الذي تتوافر منه كميات لدى العديد من الدول العربية وبسعر أرخص، وهذا أمر بات يستعصي على فهم الكثيرين.